احتدم النقاش في الآونة الأخيرة حول مخاطر الاقتراض من الخارج لتمويل جزء من عجز الموازنة العامة للدولة والذي يبلغ134 مليار جنيه في الميزانية الحالية بنسبة8.6% من الناتج السنوي من السلع والخدمات هذا في الوقت الذي بلغ فيه الدين العام حوالي1.3 جنيه بنسبة تصل إلي81% من الناتج يستحوذ الدين المحلي علي جلها(71%). وتنطلق الآراء التي ترفض الاقتراض من الخارج من الرؤية التي مؤادها أن هذا النوع من الاقتراض عادة ما يكون مصحوبا بتكلفة عالية تنعكس إما في سعر فائدة مرتفع أو في شروط مبالغ فيها يصعب قبولها, وبخاصة في ظل المد الثوري الهادر الذي يتخذ من استقلال الإرادة الوطنية أحد متكزاته, يضاف إلي ذلك أن المديونية المحلية تختلف عن المديونية الخارجية من جانب هام يتمثل في أنها تتآكل مع زيادة معدلات التضخم إلي التعويل عليها, في حين أن المديونية الخارجية لا تتأثر بالتضخم. أما الآراء التي لاتجد غضاضة في الاقتراض من الخارج فتري أن العبرة بالمآلات, بمعني أن استخدام الأموال المقترضة من الخارج في زيادة رأس المال الاجتماعي من خلال مشروعات تنموية ذات مردود طويل الآجل( السد العالي كمثال) يختلف عن الاستخدامات الاستهلاكية لهذه الأموال. ونود أن نشير في البداية إلي أن الحكومة المصرية قد دأبت في السنوات الأخيرة علي الاقتراض من الخارج لتمويل جزء من عجز الموازنة العامة عن طريق السماح للأجانب بشراء أذون وسندات الخزانة العامة, وقد كان ذلك ينطوي علي تكلفة عالية في صورة فروق أسعار الفائدة الكبيرة بين الداخل والخارج والتي كانت تؤول للأجانب في ظل استقرار سعر الصرف, بل أكثر من ذلك كانت استثمارات الأجانب في أذون الخزانة تشكل وبحث آموالا ساخنة قد تنهمر بشدة كالمطر وقد تتبخر أيضا بشدة مخلفة ورائها آثارا سلبية في الحالتين ما لم تكن هناك الاحتياطات اللازمة, وقد أظهر البنك المركزي قدرا كبيرا من الحصافة في التعامل مع تلك الأموال الساخنة, فلم تكن تؤثر علي الاحتياطات الدولية الرسمية من النقد الأجنبي عندما تنهمر أو عندما تتبخر إلا بالقدر اليسير. والآن ومع انحسار تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية إلي مصر لم يعد التمويل الخارجي متاح في الوقت الراهن إلا في صورة اقراض من مؤسسات التمويل الدولية أو الحكومات الأجنبية الصديقة, مع استبعاد الاقتراض من أسواق المال الدولية بالعملة الأجنبية, حيث أنه سيكون عال التكلفة في ظل المخاطر السياسية التي تكتنف المرحلة الانتقالية الحالية. وانطلاقا من كل ما تقدم يمكن بوضوح تحديد العلامات الاسترشادية التي يمكن الاهتداء بها عند تحديد طرائق تمويل عجز الموازنة العامة, فأولا, تجدر الإشارة إلي أن العجز في الموازنة نتج بالدرجة بالدرجة الأولي عن زيادة الإنفاق الجاري( الاستهلاكي), حيث أن الإنفاق الاستثماري في الميزانية الحالية لا يتجاوز47 مليار جنيه وهو ما يقل عن نصف مدفوعات الفائدة عن الدين العام والتي تصل إلي106 مليارات جنيه, وعليه فلو تم خفض الإنفاق الجاري الاستهلاكي وزيادة الإنفاق الاستثماري بذات القدر مع توجيه تلك الزيادة إلي مشروعات ذات جدوي أكيدة تتميز بكثافة العمالة وتمتد لتغطي بعض المناطق الجغرافية الأكثر فقرا, فلا تثريب علي تمويل جزء من العجز بالاقتراض من الحكومات الصديقة أو من البنك الدولي والذي تتمثل أحد أهم أهدافه في خفض معدلات الفقر العالمية, ومن هنا تكون قروضه ذات آجال طويلة وبمعدلات فائدة متدنية للغاية. وثانيا فقد تمكن البنك المركزي من الحفاظ علي استقرار سعر صرف الجنيه المصري برغم التدفقات الكبيرة والعكسية لرؤوس الأموال الأجنبية إلي الخارج, وذلك باستخدام الاحتياطي غير الرسمي من النقد الأجنبي بكثافة مع السماح للاحتياطي الرسمي بالانخفاض بقدر, ومن هنا يبدو أن دائرة المناورة المتاحة للبنك المركزي قد بدأت تضيف علي استحياء, فإذا انخفضت نسبة التمويل الخارجي فقد يسهم في زيادة رقعة دائرة المناورة لدي البنك المركزي في تلك المرحلة الدقيقة, وبخاصة في ظل العجز المتزايد في الميزان الجاري والذي من المقدر أن يكون قد بلغ حوالي9 مليارات دولار في نهاية يونيو.2011