لم يكن مشوار كمال الشناوي مفروشا بالورود والرياحين كما قد يبدو للبعض, ولكنه عاني كثيرا حتي استطاع أن يحفراسمه بماء الذهب في سجل السينما المصرية, بل يمكننا القول ونحن مطمئنون إنه كان فنانا شاملا يمثل وينتج ويكتب ويغني ويخرج إذا لزم الأمر,وفوق كل ذلك فهو فنانا تشكيليا يجيد تطويع الفرشاة والألوان حساب هواه, تعلم كمال الشناوي من والدته كيف يكون رقيقا يلمس الجمال في كل ما حوله, وهو ما جعله يرغب بشدة في أن يكون مطربا أو فنان تشكيلي وكان أحد أعضاء فرقة المنصورة المسرحية واكتشف أساتذته أن لديه موهبة في فن الإلقاء والخطابة بشكل مميز. بداية عشقه لفن التمثيل كان في معهد المعلمين الذي التحق به, حيث أتاحت له فرصة وجوده بالقاهرة والتردد علي الأماكن التي يتجمع فيها الفنانون وفي مقدمة هذه الأماكن كان محل( الجمال) بشارع عدلي بوسط القاهرة الذي كان أشهر الأماكن التي يتردد عليها نجوم الفن, ولأن القاهرة هي قلب الفن النابض كان يحرص علي دخول دور العرض بصفة منتظمة ومتابعة الأفلام الجديدة, وكان يستمتع وهو يقف أمام أبواب المسارح ويشاهد نجوم المسرح الكبار مثل يوسف وهبي وسليمان نجيب وعبد الوارث عسر وفاخر فاخر وحسين صدقي وآخرين, وكانت أولي التجارب الحقيقية له كممثل وهو في المعهد حينما حضر عملاق المسرح زكي طليمات ليخرج إحدي المسرحيات وحدثت المفاجأة باختياره لكمال الشناوي من بين الطلبة ليقوم ببطولة إحدي المسرحيات ضمن أنشطة المعهد, وبعد العرض ربت الرجل علي كتفه وقال له جملة لم ينسها الشناوي أبدا, وهي أنه موهوب ومميز وينتظره مستقبل جيد بشرط أن يركز في التمثيل, وكان لهذه الجملة أثر بالغ علي نفسية الشناوي حيث غيرت اتجاهاته وجعلته يركز كل أحلامه في هذا الفن دون غيره, خاصة أنه كان يجيد تقليد أصوات الممثلين وكان لاتقانه لتلك الموهبة طرائف ونوادر ومن هذه الطرائف أنه نجح ذات يوم في الحصول علي رقم تليفون المطرب الكبير عبدالغني السيد الذي كان لامعا جدا في هذه الفترة, وهاتفه وقلد صوت امرأة جميلة تبث إعجابها به وتتمني أن تراه فوقع عبدالغني في( المصيدة) وحدد له الشناوي مكان اللقاء في شارع عماد الدين وذهب في الموعد المحدد ووجده واقفا ينتظر وراح يراقبه من بعيد ثم تقدم منه وسأله إن كان ينتظر سيدة جميلة فأصيب عبدالغني بالدهشة, وقال له الشناوي أنها( لن تحضر) ثم أسرع للاختفاء من أمامه, وبعد مرور بضع سنوات بعد أن أصبح نجما قابل عبدالغني السيد في بيت أنور وجدي وذكره بالحكاية فانفجر ضاحكا. وكان نجمنا الوسيم يبتدع طرقا وأساليب مثيرة لكي يتعرف بمخرجي وفناني السينما حيث كان يتوجه إلي مقهي( الجمال) بصحبة أحد زملائه,والذي كان معروفا وسطهم بالتأنق والاهتمام بمظهره ووسامته لأقصي درجة, وعلي إحدي الموائد كان يجلس أكبر مخرجي مصر في هذه الفترة فطين عبدالوهاب وصلاح أبو سيف وحسين فوزي وكمال الشيخ, فكان يدخل المقهي أو المحل ويسير أمامهم كأنه يبحث عن شخص ما ويظل في حالة ذهاب وعودة ببطء دون أن ينظر نحوهم, ثم يجلس علي إحدي الموائد بحيث يصبح ظهره لهم, ثم يأتي زميله ويتقابلان بالأحضان ويجلس في مواجهتهم وينقل له الزميل تفاصيل ما يحدث, ثم يقوم ليسير أمامهم في حركات استعراضية وخطوات واثقة كأنه ذاهب للتحدث في الهاتف أو أي شيء آخر, حيث كان واثقا أنه شاب( حليوة)! ونجحت طريقته مع المخرج حسين فوزي,الذي استوقفه وسأله( هل تحب أن تعمل بالسينما)؟ إلا أن الشناوي رغم سعيه للسينما رفض العرض لأنه كان عنده يقين في قدراته وثقة في أن السينما قادمة لا محالة وهو نفس الموقف الذي كرره عندما تقدم للامتحان أمام العملاقين يوسف وهبي وجورج أبيض للالتحاق بالفرقة القومية, وظهرت النتيجة وكان ترتيبه الأول, ورغم نجاحه اعتذر الشناوي لزكي طليمات عن العمل وكان هذا ثاني اعتذار له مكتفيا بأنه أثبت لنفسه أنه فنان موهوب,ويبدو أن الشناوي ذلك الفنان متعدد المواهب, والذي كان يرغب دائما في تحدي نفسه,قرر أن يتمرد علي تصنيفه كممثل حليوة ودنجوان وجاءته الفرصة في فيلم المرأة المجهولة عام1959, والذي أثبت من خلال تجسيده لدور عباس أبوالدهب البلطجي الذي يفرض الإتاوات علي أصحاب محلات عماد الدين والعاملين فيها أنه ممثل قوي, وتمرد الشناوي بعد هذا علي دور الشاب الرومانسي, لذلك شاهدناه يقدم عددا من أهم أدواره في أفلام اختيرت لتكون بمثابة علامات بارزة في تاريخ السينما المصرية ومنها المستحيل, الرجل الذي فقد ظله, الكرنك, المذنبون, اللص والكلاب وغيرها.