من الواضح ان الربيع العربي بداية من ثورتي تونس ومصر وما يحدث في ليبيا وسوريا واليمن يلقي بشديد ظلاله علي الغرب فمن ناحيتها فرنسا اعتبرت ان تدفق ملايين المهاجرين علي أوروبا وحدها كارثة حقيقية اعدت لها العتاد من خلال حزمة من الاجراءات الصارمة اختتمتها مؤخرا باعتماد قانون جديد أقره البرلمان الفرنسي بعد ان ظل قيد النقاش لأشهر عدة لتشديد إجراءات ترحيل الأجانب المقيمين بطريقة غير شرعية والتقليص من المساعدات الطبية للاجانب بحيث اصبحت الإقامة التي تعطي للمرضي محصورة فقط بأولئك الذين لا يتوافر في بلدهم العلاج المناسب. جاء اقرار قانون الهجرة الجديد بعد تعاقب ثلاثة وزراء علي وزارة الداخلية والهجرة وإثار جدلا واسع النطاق حوله وسحب من بين بنوده البند المتعلق بتمديد فترة سحب الجنسية من المجنسين وبقي التعديلان الأبرزان الواردان فيه تنظيم إقامة المهاجرين غير الشرعيين المصابين بإمراض خطيرة وترحيل أولئك الموضوعين قيد الاحتجاز. وفيما يخص إصلاح نظام احتجاز المهاجرين غير الشرعيين تمهيدا لترحيلهم تم إقرار القانون بالصيغة التي توافقت عليها الحكومة والجمعية الوطنية والتي تنص علي أن قاضي الحريات والاحتجاز لا يمكنه التدخل في القضية لتقرير ما إذا كان يجب تمديد فترة الاحتجاز أو إطلاق سراح المقيم غير الشرعي إلا بعد مضي خمسة أيام علي اعتقاله مقابل يومين حاليا. ويذكر انه في تلك الأثناء وبالرغم من كل المجهودات المبذولة تواجه فرنسا أزمة حقيقية في التعامل مع اكثر من20 الف مهاجر تونسي يقيمون بطريقة غير شرعية في حدائق العاصمة مفترض تصحيح أوضاعهم ومنحهم حق الإقامة والعمل حسب مساعي الجمعيات الحقوقية... الا ان فرنسا عقدت العزم علي ترحيلهم بعد فوات مدة الإقامة المؤقتة التي منحتها لهم ايطاليا وهي سته اشهر.فهي تري إنه لم تعد هناك حاجة لمنح اللجوء السياسي للتونسيين بعد قيام ثورة14 يناير التي أطاحت بحكم بن علي الديكتاتوري وأن الأمور تغيرت الآن وأصبحت تونس في حاجة لأبنائها لإعادة بناء دولتهم في الوقت الذي يجري فيه احلال للديمقراطية ذلك حسب تصريحات سالفة لرئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون الذي اشار الي ان فرنسا كانت تمنح اللجوء السياسي فيما قبل للمعارضين لسياسة بن علي وليس هو الحال الان.مطالبا التونسيين الذين دخلوا البلاد بطريقة غير قانونية بالعودة لبلادهم. .ذلك في الوقت الذي يحق لأي حكومة بالاتحاد الاوروبي اتخاذ إجراءات للسيطرة علي الحدود ويمكنها اغلاق حدودها كاملة بشكل مؤقت دعما للامن الوطني.والواقع ان الموقف الايطالي أثار ردود فعل قوية ضدها فمن ناحيتها وجدت نفسها في مأزق حقيقي بين واجبها الانساني باستقبال الوافدين علي حدودها وعدم استطاعتها بتحمل تلك المسئولية بمفردها داعية باقي حكومات الاتحاد الاوروبي لمساعدتها في استيعاب26 الف مهاجر وصلوا إلي شواطئها هذا العام بعد فرارهم من العنف في ليبيا واضطرابات مصر وتونس حيث تشعر الحكومات الاخري بالقلق من أن تظهر ايطاليا مرونة اكثر من اللازم في وقت تتنامي فيه عداوة الناخبين تجاه المهاجرين الجدد لاوروبا. فمن الواضح ان الغرب لم يعد يتحمل نزوج مهاجرين عرب او أوروبيين ويشهد علي ذلك ما شنته فرنسا في فترة سالفة ضد الروم والغجر النازحين من اوروبا الشرقية...وربما يجدر بنا ذكر انه لم تكن فرنسا وحدها التي سئمت من توافد المهاجرين القادمين من إيطاليا بل ثمة قيود فرضتها بعض الدول حيث اشترطت بلجيكا ضرورة أن يكون بحوزة كل تونسي5 الاف يورو اذا كان سفره بتصريح مؤقت من إيطاليا.كما اتخذت كل من النمسا وبريطانيا اجراءات مماثلة لوضع حد أقصي للعدد الذي تستوعبه من العاملين المهرة من أي مكان خارج الاتحاد الاوروبي مما يسلط الضوء علي اتجاه أوسع داخل الاتحاد الأوروبي نحو تشديد القيود الحدودية. وعلي نفس الصعيد يواصل وزير الداخلية الفرنسي كلود جيون المقرب من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تصريحاته النارية ضد المهاجرين مؤكدا عزمه الحد من عدد المهاجرين الشرعيين وهي سياسة تندرج ضمن حملته المنظمة في اطار استعداد حزب الأغلبية اليمين الحاكم لخوص الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في أبريل2012. ففي مؤتمر عقده الحزب الحاكم الاتحاد من أجل حركة شعبيةمؤخرا ركز فيه جيون علي أن عدم التحرك لخفض الهجرة غير الشرعية يعني تجاهل المسئولية الواقعة علي عاتقه و قدرات استقبال المجتمع الفرنسي للمهاجرين وانه اذا أرادت فرنسا تفادي التوترات الاجتماعية ومخاطر كره الاجانب فلا بد من التحكم في تدفق المهاجرين وتقييم قدرة البلاد علي استقبالهم بالطريقة التي يعيش فيها كل واحد في انسجام ويوافق علي القواعد المشتركة في اشارة الي الاندماج بالمجتمع. حيث اعلنت حكومة نيكولا ساركوزي في اخر تصريحاتها عن رغبتها في تقليص قائمة المهن المفتوحة للأجانب في فرنسا إلي نصف عدد المهاجرين في إطار الهجرة الشرعية السنوية المقدرة ب20 ألفا في العام تقريبا وحسب المشروع الحكومي الجديد سيتم اختصار قائمة المهن المعتادة بفرنسا لاستقبال المهاجرين وعددها30 إلي15 قطاعا فقط. وفي السياق ذاته ابدي الرئيس نيكولا ساركوزي موافقته علي سياسة وزير داخليته نظرا لما تعانيه البلاد من تفاقم في تعداد البطاله وقد اثار هذا الاعلان انتقادات وتحفظات كثيرة لا سيما من النقابات العمالية حتي من رئيسة منظمة ارباب العمل لورانس باريزوه في الوقت الذي تعتبر فيه هذه الاطراف ان الاقتصاد الفرنسي في حاجة الي هجرة عمل تشمل حسب ارقام الحكومة نحو عشرين الف شخص سنويا مما يزيد التأكيد علي أن هذا المشروع يهدف إلي استقطاب الناخبين من أقصي اليمين الفرنسي في السباق الانتخابي الحالي الذي تشهده فرنسا قبل الانتخابات الرئاسية. وفي الوقت الذي قامت فيه فرنسا بطرد28 ألف مهاجر غير شرعي خلال عام2011 وبعد السجال الذي أحدثه جيون- مؤخرا- بتصريحاته حول المسلمين بان ازدياد عددهم يطرح مشكلة بفرنسا, مازال الرجل الذي تولي حقيبة الداخلية منذ بضعة اشهر قليلة يواصل حملته في ملف يعد من اهم الملفات الحساسة بفرنسا بالإضافة للاسلام وهو ملف المهاجرين الذي يعد من أهم الموضوعات في الحملات الانتخابية.