عقد الأسبوع الماضي في واشنطن المؤتمر السنوي لمنظمة العمل السياسي المحافظةCPAC, واسعة النفوذ التي يؤرخ لصعود الرئيس السابق ريجان, بمؤتمراتها في اواخر السبعينيات. في الوقت نفسه, التقي مايكل ستيل رئيس الحزب الجمهوري بمجموعة من نشطاء جماعة تي بارتي, او بترجمة حرفية حفل الشاي, المحافظة في اعتراف من الحزب بقوة التنظيم المحافظ الوليد الذي يطرح اليوم مرشحين له في عدد من الولايات باعتبارهم من حزب حفل الشاي, حتي يحسم امر التقارب مع الجمهوريين والتفاهم علي ارضية محافظة جديدة. الحزب الجمهوري يريد احتواء الموجة الصاعدة خشية انسلاخ التيار المحافظ عن الحزب وظهور حزب ثالث ينافس بقوة علي مقاعد الكونجرس والبيت الأبيض لأول مرة منذ زمن طويل في التاريخ الأمريكي, وتشير الاستطلاعات إلي ان11% من الأمريكيين يصنفون انفسهم علي انهم تيار أو جماعة حفل الشاي بينما يقول44% فقط من أعضاء الحركة انهم ينتمون للحزب الجمهوري و52% يرون انفسهم مستقلين. ومثلما فرضت الحركة اليسارية التقدمية نفسها علي الحزب الديمقراطي قبل عامين وأسهمت في تغذية طموحات مرشح للرئاسة قادم من الظل إلي المكتب البيضاوي تحاول الحركة المحافظة الجديدة ان توجد قوة دفع موازية تفرض من خلالها اجندة محافظة مختلفة حيث لايروق لها الهوية الحالية للحزب الجمهوري وتأرجحه مابين اليمين المحافظ والاعتدال الجمهوري في السنوات الأخيرة, ومن المدهش ان عصب الحركة الجديدة هي شريحة ممثلة للتيار الرئيسي الأمريكي الذي تراجع في انتخابات السنوات القليلة الماضية في ظل احباط كبير من سياسات الرئيس السابق جورج دبليو بوش, فنجد ان80% من عضوية الحركة من البيض البروتستانت و60% من الرجال والغالبية من الحاصلين علي شهادة جامعية وهي أرقام تؤكد ان التيار المحافظ يأخذ المسألة بجدية تحسبا لما هو قادم من انتخابات ومواجهات تشريعية حول قضايا حيوية مثل: التأمين الصحي, والاصلاح المالي وإعادة هيكلة الاقتصاد. وفي ظل عزوف قطاعات كبيرة من الناخبين المستقلين عن تأييد سياسات الإدارة الديمقراطية الحالية, فإن هؤلاء المستقلين جزء كبير منهم في الحركة الجديدة يمكنهم إيجاد غالبية جديدة من التيار المحافظ المستقل والجمهوري, وفي هذه الحالة, لن يكون امام الحزب الجمهوري سوي إدارة الدفة في اتجاه امتصاص التيار المتشدد في حركة حفل الشاي, داخله وتمكينه من مواقع وترشيحات مؤثرة في الانتخابات المقبلة, وكانت سارة بيلين نائبة السيناتور جون ماكين في حملة الرئاسة الجمهورية الأخيرة والمرشحة المحتملة في عام2012, المتحدثة الرئيسية في مؤتمر الحركة في مطلع الشهر الحالي, ورغم عدم اقتناع غالبية الجمهوريين بها مرشحة محتملة للرئاسة فإنها أسهمت في تأطير مهمة الحركة في صفوف المحافظين والحزب الجمهوري وقالت ان الحركة ليست وليدة جهود النخبة ولكنها حركة وافدة من القواعد الجماهيرية المحافظة وهي رسالة للجميع. وقد شجعت الحركة الجديدة التيار التقليدي المحافظ علي ممارسة قدر أكبر من التشدد في مؤتمر منظمة العمل السياسي المحافظةCPAC السنوي, وهو من المؤتمرات المهمة في تحديد اجندة الحزب الجمهوري ويرجع له الفضل في صعود نجم الرئيس الأسبق رونالد ريجان في نهاية السبعينيات من القرن العشرين. وتحدث امام المؤتمر اصوات اقل من المعتدلين وكثرة من المحافظين التقليديين وظهرت قيادات جمهورية مثل ديك تشيني وبرنت سكوكروفت وليز تشيني ورون بول في شكل جديد وفرضت حركة حفل الشاي, نفسها في اليوم الأول من خلال جلسة عن هل يمكن ان تظهر حركة حفل شاي كاثوليكية, في إشارة طموح إلي رغبة الجماعة الأيديولوجية في تعزيز مواقعها بالتمدد في اوساط غير مندمجة في الحركة المحافظة بشكل كاف ومنها الكاثوليك. والمناخ العام السائد في ظل الاحباط من السياسات الديمقراطية يشجع ارتفاع الروح المعنوية للخصوم الجمهوريين بعد عام واحد فقط من نصر هائل للحركة الليبرالية رغم ان الحركة المحافظة الجديدة المعادية للضرائب والمعادية لتوسع نفوذ الحكومة لم تتبلور صورتها النهائية بعد ويرفض اقطاب في الحركة المحافظة المزايدات اللفظية من نوعية الثورة الجديدة وغيرها من المسميات الحماسية ويقولون ان مايحدث علي الساحة الأمريكية هو عودة إلي النمط التقليدي لبندول السياسة الأمريكية الذي يذهب تارة إلي اليمين وتارة إلي اليسار بانتظام علي مدي عقود طويلة. في المقابل, يخشي المعتدلون الجمهوريون من التأثير السلبي لصعود التيار الشعبي الذي يمكن ان يفرض اجندة راديكالية متشنجة علي النخب السياسية في الحزب الجمهوري بخصوص الضرائب والانفاق والدين العام وهي قضايا الساعة اليوم. ويغذي الاحساس بأن ثمة شيئا يمكن ان يتبلور نتيجة صعود الحركة المحافظة الجديدة بداية تعثر الديمقراطيين في انتخابات عدد من الولايات سواء علي مناصب الحكام أو مقاعد في الكونجرس مثلما حدث أخيرا في ولاية ماسشوسيتس عندما حفزت جماعة تي بارتي, الناخبين المستقلين والمحافظين علي التصويت للمرشح الجمهوري علي مقعد الراحل الديمقراطي السيناتور كيندي في الوقت الذي لم يذهب الديمقراطيون للاقتراع احتجاجا علي تخبط الإدارة الحالية في سياساتها, وهو السيناريو الذي حدث مع الجمهوريين في عامي2006 و2008, والقابل للتكرار مع الديمقراطيين هذه المرة في عدد من الولايات في انتخابات الكونجرس المقبلة. المتغير الجديد هو ظهور حركة جماهيرية أو شعبية في اوساط المحافظين يمكن ان تحدث تحولا حقيقيا في طرق التعامل مع عدد من القضايا الرئيسية في حال تمكن الحزب الجمهوري من الاغلبية ومنها العلاقة مع الاقليات بشكل عام, حيث تراقب الحركة اليهودية الأمريكية الاكثر تأثيرا بين كل الاقليات صعود الحركة عن كثب وتري ان هناك خطرا قادما يمكن ان يتحول إلي العنف أو التطرف في التعبير عن الرغبة في الوصول إلي السلطة, وتري قيادات في الحركة اليهودية ان صعود اليمين المحافظ علي اجندة الحزب الجمهوري سوف يتسبب في جرح كبير لليهود من أعضاء الحزب وربما يدفع الحركة إلي الالتفاف أكثر حول الحزب الديمقراطي وتخفيف حدة النقد لسياسات اوباما, خاصة مايتعلق بالشرق الأوسط. كان البعض يعتقدون ان انتخاب اوباما سيوجد حالة من الهدنة الايديولوجية والحزبية لكن بندول السياسة الداخلية الأمريكية يأبي ان يستريح ولو قليلا.