ابن إسنا، أبرز المحطات في حياة الدكتور محمد الجندي بعد تعيينه أمينا للبحوث الإسلامية    محمد عبدالعزيز: بعض مقترحات «الصحفيين» حول الإجراءات الجنائية تحققت بالفعل    الأزهرى: مفهوم التصوف مشوش ويحتاج لكشف المعنى الصحيح    سماعات طبية لضعاف السمع.. وتطبيق للتواصل مع الخدمات    أول تعليق من نجيب ساويرس على أزمة الفقاعة العقارية (فيديو)    خطوات حجز شقق الإسكان الجديدة.. متاحة الآن (فيديو)    مياه أسوان: استبدال خطوط الصرف الصحي والمياه في القرى المتأثرة بالمحافظة    مصر تدين تصعيد الاحتلال الإسرائيلي في لبنان وتحذر من حرب إقليمية شاملة    8 محترفين في قائمة منتخب مصر لمواجهتي موريتانيا وغموض موقف حجازي    فانتازي يلا كورة.. دياز وجاكسون "الكروت" الرابحة في الدوري الإنجليزي    السيطرة على حريق الإنتاج الإعلامي، ومدير الأمن ل فيتو: ماس كهربائي السبب (فيديو)    تفاصيل الدية الشرعية المدفوعة من عباس أبو الحسن لأهالي السيدتين المتهم بدهسهما على المحور    مدى مصر والصحفيين الفلسطينيين يحصدون جائزة هيكل للصحافة العربية 2024    إعلام إسرائيلي: بدء اجتماع المجلس الأمني والسياسي الإسرائيلي    تفاصيل الحلقة 7 من «برغم القانون».. إخلاء سبيل إيمان العاصي    صناع فيلم "الحب كله": النار أكلت الحى الشعبى وانتقلت للإسلامى    خالد الجندي: بعض الناس يحاولون التقرب إلى الله بالتقليل من مقام النبى    «صحة مطروح»: قدمنا 93 ألف خدمة طبية منذ انطلاق مبادرة بداية جديدة    فتح باب التسجيل للنسخة الثالثة من منتدى مصر للإعلام    "المصريين": مشاركة منتدى شباب العالم في قمة المستقبل تتويج لجهود الدولة    تروي ديني: دياز سيكون رجل ليفربول الأول بعد رحيل صلاح    رسالة خاصة من تريزيجيه ل أحمد فتحي بعد اعتزاله    محافظات ومدن جديدة.. تفاصيل منظومة إعادة تدوير مخلفات البناء والهدم    إسرائيل صنعت «البيجر» بنفسها ثم فخخته    غارة إسرائيلية عنيفة تستهدف محيط مستشفى مرجعيون الحكومي جنوبي لبنان    أستاذ فقه يوضح الحكم الشرعي لقراءة القرآن على أنغام الموسيقى    Natus Vincere بالصدارة.. ترتيب اليوم الرابع من الأسبوع الأول لبطولة PMSL للعبة ببجي موبايل    إعلام بنها ينظم ندوة "حياة كريمة وتحقيق التنمية الريفية المستدامة".. صور    لأول مرة.. شراكة بين استادات الوطنية والمتحدة للرياضة واتحاد الكرة لتدشين دوري الأكاديميات    السجن 10 سنوات للمتهم بتهديد سيدة بصور خاصة بابنتها فى الشرقية    عاجل - حماس تطالب الجنائية الدولية باعتقال قادة الاحتلال: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في لبنان وغزة    الإحصاء: 21.5 مليار دولار صادرات مصر لأكبر 5 دول بالنصف الأول من 2024    "أزهر مطروح" يطلق "فاتحة الهداية" بالمعاهد التعليمية ضمن مبادرة بداية    نتيجة تنسيق كلية شريعة وقانون أزهر 2024/2025    حصوات الكلى: المخاطر وطرق العلاج الممكنة تبعًا لحجم الحصوات    محكمة برازيلية تبقى على الحظر المفروض على "X" لعدم امتثالها لطلبات القاضى    مهرجان مالمو للسينما العربية يعلن عن مواعيد الدورة الخامسة عشرة    تعيين قائم بأعمال عميد "فنون تطبيقية بنها"    الجيش الإسرائيلي يطالب سكان منطقة البقاع الموجودين داخل أو قرب منزل يحوي أسلحة لحزب الله بالخروج خلال ساعتين    قبل XEC.. ماذا نعرف عن متحورات كورونا التي حيرت العلماء وأثارت قلق العالم؟‬    الجيش الأردني يحبط محاولة تهريب مواد مخدرة محملة بواسطة طائرة مسيرة    تصالح فتاة مع سائق تعدى عليها فى حدائق القبة    وكيل الأوقاف بالإسكندرية يشارك في ندوة علمية بمناسبة المولد النبوي الشريف    العين الإماراتي: الأهلي صاحب تاريخ عريق لكن لا يوجد مستحيل    جامعة الجلالة تحصل على الاعتماد الدولي IERS لبرنامج تكنولوجيا العلاج التنفسي    وزيرة التنمية المحلية تلتقي بنقيب أطباء أسنان القاهرة    وزير الصحة: النزلات المعوية بأسوان سببها عدوى بكتيرية إشريكية قولونية    وزير المالية: فخورون بما حققناه جميعًا.. حتى أصبح البنك الآسيوي أسرع نموًا    الرئيس السيسي يهنىء قادة السعودية بذكرى اليوم الوطني    قطع أثرية مقلدة.. رحلة مباحث القاهرة للإيقاع بعصابة المشاغبين الستة    حبس سيدة بتهمة سرقة رواد البنوك بزعم مساعدتهم    محافظ المنوفية: مبنى التأمين الصحي الجديد أسهم في تخفيف الزحام والتكدس وصرف الأدوية    شوبير يكشف أسرار عدم انتقال سفيان رحيمي للأهلي.. موسيماني السبب    ضبط تشكيل عصابي نصب على المواطنين في القاهرة    تشييع جنازة اللواء رؤوف السيد بمسجد الثورة بعد صلاة العصر    علي جمعة: ترك الصلاة على النبي علامة على البخل والشح    تفاصيل عزاء نجل إسماعيل الليثي.. نجوم الفن الشعبي في مقدمة الحضور (صور)    حالة الطقس اليوم الاثنين 23-9-2024 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جماهيرية كرة القدم‏:‏ نعمة قد تتحول إلي نقمة
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 02 - 2010

عشنا فرحة جماهير كرة القدم في مصر وسعادة المصريين عموما بالفوز المشرف للفريق المصري‏,‏ وحصوله بجدارة واستحقاق علي كأس الأمم الإفريقية‏,‏ علاوة علي حصده لمعظم ألقاب الأفضل إفريقيا في نهاية المسابقة‏,‏ ومن وجهة نظري فإن مايستحق الاهتمام حقا في ضوء هذه النتيجة ثلاثة أمور‏:‏ أولها أن الفريق حقق هذا الفوز المشرف خارج أرض مصر‏,‏ مايعني أنه مهما بلغ حجم التشجيع والحشد‏,‏ فالأهم هو استعداد الفريق وتكامله ووجود لاعبين بدلاء علي درجة عالية من التدريب والمهارة‏,‏ وثانيها أن تحقيق هذا الإنجاز غير المسبوق إفريقيا تم علي يد مدرب مصري صميم‏,‏ مايؤكد عدم صحة الادعاء بتفوق الأجنبي علي المصري كمبدأ يعتنقه البعض‏,‏ وثالثها أن الفريق المصري في اعتقادي لم يكن سيحقق الفوز علي هذا النحو الكاسح لو لم يكن قد خسر التأهل لكأس العالم وأصبحت أمامه فرصة لا تعوض لمواجهة التحدي واثبات الذات‏.‏
ومع ذلك يجب ألا نتجاهل في غمار هذه الفرحة والسعادة المنغصات والتجاوزات التي شابت مناخ المؤازرة والتشجيع‏,‏ وهذا هو موضوع هذا المقال الذي أرجو ألا يعتبره البعض علي غير المقصود بأنه إجهاض لحق الجماهير في الاحتفاء بالفوز‏,‏ أو حق المسئولين في الاعتزاز بهذا الإنجاز‏.‏ وسوف أبدأ بتساؤل مشروع أثير من آخرين ولكنه ذو علاقة وثيقة بما سيأتي فيما بعد‏,‏ وهو لماذا كرة القدم بالذات التي تحظي بهذه المؤازرة والحماس المفرط؟ ولماذا يخفت الحماس وتخبو المؤازرة لأي رياضة أخري جماعية كانت أو فردية حتي إذا حققنا فيها إنجازات عالمية؟
الإجابة الواضحة هي أن كرة القدم بلا منازع هي اللعبة الجماهيرية الأولي في مصر بل وأيضا علي مستوي معظم دول العالم‏.‏ وبينما لهذه الجماهيرية مزايا لا يمكن إنكارها‏,‏ لأن الفوز في أحيان كثيرة يأتي جزئيا من الجماهير التي تشجع الفريق‏,‏ إلا أن هذه الجماهيرية ذاتها جعلت من كرة القدم هدفا وأحيانا مطمعا لثلاثة أطراف يسعي كل منها لاعتلاء الموجة‏,‏ وجني ثمار الحماس الجماهيري كما سيتضح ممايلي‏:‏
الطرف الأول‏:‏ يتمثل في أصحاب رأس المال وشركات الدعاية والإعلان الذين علي دراية تامة بأن الإعلان التجاري في زمن العولمة وثقافة السوق‏,‏ يلعب دورا محوريا في تشكيل السوق وتوجيه المستهلك‏,‏ بل ربما أصبح دور الاعلان يفوق في تأثيره كثيرا أهمية جودة السلعة أو حتي ثمنها‏!‏ لا غرابة إذن أن يصير الإعلان في حاجة شديدة الي كرة القدم وجماهيريتها‏.‏
وقد وجد أيضا منذ سنوات شكل جديد من أشكال الإعلان المقترن بصفة خاصة بمسابقات كرة القدم‏,‏ وتتبناه وتقدر علي تكلفته فقط الشركات الكبري ذات العلاقة متعددة الجنسية مثل شركات المحمول والمياه الغازية‏,‏ ويتخذ هذا الإعلان شكل رعاية بأشكالها المختلفة من راع رئيسي الي راع رسمي الي التمادي بالقول راعي المشجع المصري‏!‏ ويحظي كبار رجال الأعمال مقابل ذلك بالوجاهة الاجتماعية‏,‏ والحظوة السياسية‏,‏ علاوة علي إعلان واسع الانتشار وربما مضمون التأثير‏.‏ ولكن في حقيقة الأمر من يتحمل تكلفة هذا الإعلان هو المواطن المصري الذي يشتري سلعة لم يكن في حاجة لشرائها‏,‏ أو يزيد استهلاكه منها دون مبرر موضوعي يدعو الي ذلك سوي ارتباطه العاطفي بكرة القدم‏,‏ وتكثيف الاعلانات الجاذبة للشباب أثناء المسابقات‏.‏ وحتي إذا تجاوزنا هذا الأمر وما يمكن أن ينطوي عليه من مثالب‏,‏ إلا أن مالا يمكن التهاون بشأنه هو الجرأة الشديدة للقائمين علي أساليب الدعاية والإعلان وتسخير اسم مصر وتراثنا الفني الوطني لتحقيق مكاسب ومصالح خاصة؟ فأصبحنا نشاهد في كل مكان إعلانات مستفزة حيث زجاجة المياه الغازية‏(‏ ذات المنشأ غير المصري‏)‏ ملتفة بعلم مصر‏.‏ وصار هناك خط محمول يحمل اسم المواطن المصري‏,‏ وبدت الأغاني الوطنية مستباحة لشركات الإعلان التي تروج أساسا للكسب وتحقيق الربح‏,‏ وللأسف الشديد‏,‏ ففي ظل هذا الهرج والمرج الإعلاني لم يوجد من يتابع ويوقف ويردع‏.‏ اما الطرف الثاني‏:‏ فهو وسائل الإعلام خصوصا المرئية منها‏,‏ فهي تعيش في العصر الراهن صراعا محموما ومنافسة شرسة‏,‏ ولأن وسائل الإعلام الخاصة تعتمد علي الإعلان كمصدر رئيسي لمواردها‏,‏ أصبح جذب المشاهدين هدفا أساسيا لوفرة الموارد ولنجاحها المهني‏,‏ ولا غبار علي ذلك إطلاقا إذا اعتمد هنا الجذب علي الابتكار والفكر الخلاق‏,‏ والبرامج الفنية المميزة‏,‏ والتناول الجاد للقضايا الوطنية والمصيرية ولمطالب الناس وتطلعاتهم‏,‏ ورغم وجود بعض هذه العناصر‏,‏ إلا أنه كلما اشتدت المنافسة أصبحت الغاية تبرر الوسيلة وتزايد النقل والتكرار لأي فكرة تلقي رواجا جماهيريا‏,‏ مثل ظاهرة انتشار الدعوة والافتاء في القنوات الفضائية المختلفة‏.‏ وتمشيا مع سياسة الجذب الجماهيري‏,‏ تخصص وسائل الإعلام مساحات واسعة وبرامج وقنوات مخصوصة للرياضة عموما ولكرة القدم علي وجه الخصوص‏,‏ وهي أمور رغم التحفظات بشأنها توجد في أنحاء كثيرة من العالم كما في مصر‏,‏ إلا أن الإعلام كشف عن أبشع دور له أثناء مباريات التأهل لكأس العالم‏,‏ وبالتحديد مباريات فريقي مصر والجزائر‏,‏ فقد استخدم الإعلام كأداة للمزايدة والمبالغة في إشعال الحماس‏,‏ والتشديد علي حتمية الفوز‏,‏ وأن الله معنا لأننا ثمانون مليون مواطن‏,‏ علاوة علي ماتلا ذلك من مهاترات تفوه بها البعض‏.‏
وهنا نأتي للطرف الثالث أو أهل السياسة‏,‏ فإذا كان الإعلام الخاص يسعي للترويج من أجل الربح‏,‏ فإن الإعلام الرسمي يهمه أيضا العائد المادي‏,‏ ولكنه دوما يأخذ في الحسبان اتجاه البوصلة السياسية‏,‏ وقد كان للقيادات السياسية الشابة دور مهم موجه ومحفز‏,‏ وربما اعتبرت المسابقات فرصة لا مثيل لها لهذه القيادات لاعتلاء الموجة ولكسب التأييد والقبول الشعبي‏,‏ بل وانبرت بعض الأقلام مما يطلق عليهم أصحاب الفكر الجديد تكتب وتحمس‏,‏ وكأنها معركة مصيرية يواجهها الوطن‏,‏ وعنون أحدهم مقاله بالفعل بأنه لا صوت يعلو فوق صوت كرة القدم‏!!‏ وفي هذا السياق ذي المستوي الأعلي‏,‏ تواري العقل وتجاهلنا المصالح العربية لكي يعلو صوت الشغب وضجيج معركة كرة القدم‏,‏ وكانت سقطة كبري تم فيما بعد التيقن الي خطورتها‏.‏
وقد يدافع البعض عن السلبيات السابقة بأن الجماهير المصرية استجابت‏,‏ ولو لم تكن مقتنعة بما جري من جانب الأطراف الثلاثة لما كانت هذه الاستجابة واسعة النطاق والحماس غير المسبوق‏,‏ ولكن هذا الدفاع يغيب عنه مدي تعلق الجماهير والشباب منهم خصوصا برياضة كرة القدم‏,‏ علاوة علي اعتبار آخر مهم وهو افتقار الناس في مصر لروح المشاركة والالتفاف حول هدف قومي‏,‏ والتعبير عن أنفسهم بما يتجاوز الكلام والنقاش الذي لم تعد هناك جدوي من ورائه‏,‏ ويفتقد شبابنا كثيرا متعة التعبير بالانطلاق الي الشارع‏,‏ مما جعلهم يتدفقون في ظل حالة استثنائية تتمتع بمباركة الجميع‏:‏ المسئولون والشرطة والأهل أيضا‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.