ولأن الهموم لا تأتي فرادي فإننا وقبل أن نستكمل ملف حديثنا عن الوحدة الوطنية, نجد أنفسنا مضطرين الي الحديث عن حدث مثير للدهشة وما هو أكثر من الدهشة هو قرار الجمعية العمومية لقضاة مجلس الدولة بحرمان المرأة من حقها الدستوري والقانوني والإنساني في الجلوس في مجلس القضاء, ولعلنا بهذه الكتابة لا نكون بعيدين عن معالجة موضوع الوحدة الوطنية, فالتمييز علي أساس من الدين هو من ذات نسيج التمييز علي أساس من الجنس, بل لعل كليهما سوف يفضي الي الآخر اذا لم ننتبه الي ما جري ونواجهه. لكنني وقبل أن أمضي الي هذه المواجهة استأذن في أن أتوجه بسؤال قد يبدو ساذجا لكنه ضروري علي أية حال: هل من حق القاضي أن يحكم أو أن يقرر بما يخالف الدستور الوضعي والقانون الوضعي أم أن عليه إن وجد اختلافا بين فكره ورؤيته وبين الدستور أن يخضع لحكم الدستور أو أن يتنحي عن منصبه؟ والسؤال الساذج الثاني هو بعد هذا القرار: هل ستجرؤ امرأة حرمها قرار إداري من حقها في تولي موقع قيادي ما علي أن تلجأ الي مجلس الدولة أم أن القرار الصادر سيعني بالنسبة لها سبق الفصل في الموضوع؟ وأرجوكم أن نتأمل معا نصوص الدستور: م1 مصر دولة نظامها ديمقراطي يقوم علي أساس المواطنة. م8 تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين. م40 المواطنون لدي القانون سواء, وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة, لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة. وهذه النصوص حاكمة وآمرة وليس أمام أي قاض إلا الانصياع لها.. فإن لم, فهناك السبيل الآخر. ولعل من حقنا أن نلجأ أيضا الي أحكام المحكمة الدستورية العليا, وخاصة الحكم في القضية رقم30 لسنة15 قضائية دستورية بتاريخ1994/12/3 والحكم يقول نصا إن صور التمييز المجافية للدستور قوامها كل تفرقة أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التي كفلها الدستور أو القانون, وذلك بإنكار أصول وجودها أو تعطيل أو إنقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها علي قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها. وهناك أيضا الاتفاقيات الدولية التي التزمت بها مصر ووقعت عليها فأصبحت جزءا لا يتجزأ من البنية القانونية المصرية ومنها علي سبيل المثال لا الحصر, اتفاقية سيداو التي وقعت عليها مصر عام1980 والتي تكفل للمرأة حقوقها متساوية مع الرجل, وكذلك اتفاقية الحقوق الأساسية للمرأة[1952] والتي تنص للنساء أهلية تقلد المناصب العامة وممارسة جميع الأعمال المقررة بمقتضي التشريع بشروط تسوي بينهن وبين الرجال دون تمييز. أما اذا كان هناك خبيء فكري يكمن خلف هذا القرار, فإن من واجبنا أن نناقشه أيضا محاولين أن ننزع فتيل الحلال والحرام في هذا الأمر, فالأصل في الأمور الإباحة ولم يرد في القرآن الكريم أو السنة المشرفة نص يحرم المرأة من الجلوس مجلس القضاء, وما هو مباح يبقي مباحا, الي أن يرد ما يقيده, فإذا رجعنا الي الفقه نجد اختلافا بين الفقهاء, فإن وقع الخلاف وقعت الرخصة أي كان علي المسلمين أن يختاروا من بين الآراء ما يرون أنه الأفضل لزمانهم ومكانهم واحتياجاتهم, فلم ونحن نختار نتجاهل علي سبيل المثال ما نادي به الإمام محمد حسن الشيباني أحد أهم فقهاء المذهب الحنفي وهو حق المرأة في تولي كل أشكال وكل أفرع القضاء[ راجع بدائع الصنائع الجزء9 ص4079] وأيده في ذلك كثيرون منهم الإمام حسن البصري, وابن حزم وابن جرير الطبري وابن القاسم وغيرهم.. فلماذا يا قضاتنا نترك ذلك ونلجأ الي ما يقيدنا ويقف بنا في مواجهة التطور والحق والعدل والدستور والقانون واحترام العالم لنا وللإسلام السمح وغير المتشدد. ثم أسأل: ألم تجلس السيدة عائشة مجلس القضاء؟ وفاطمة الزهراء ألم تحاضر في ملأ من الرجال والنساء وجلست أيضا مجلس القضاء؟ ثم دعوني أسألكم: من منكم لم يجلس مجلس التلميذ من أستاذة في القانون؟ وأيضا إن كان لأمر متعلق بما يسميه بعض المتطرفين بمسألة حق المرأة في الولاية, أليست دول مثل باكستان واندونيسيا وبنجلاديش قد منحت حق الولاية الكبري للمرأة لتصبح رئيسة, وهذه الدول الثلاث تضم مجتمعة نحو80% من إجمالي عدد المسلمين في العالم. وأخيرا تعالوا نقرأ شعرا لأحمد شوقي: هذا رسول الله لم ينقص حقوق المؤمنات العلم كان شريعة لنسائه المتفقهات رضن التجارة والسياسة والشئون الأخريات مصر تجدد مجدها بنسائها المتجددات فرفقا بمصر يا قضاة مجلس الدولة, ورفقات بمجلسكم, بل أستميحكم عذرا إذ أقول.. ورفقا بالإسلام.