في يوم الثلاثاء الدامي هل كان المتظاهرون الاصليون من اسر الشهداء أو من البلطجية؟ هل كانوا مزيجا اندس بعضهم في بعض؟ وأين اندسوا؟ عند مسرح البالون أو أمام التليفزيون أو في ميدان التحرير أو عند وزارة الداخلية؟ اصابع اتهام تشير إلي فلول الحزب الوطني الغاضبين لحل المجالس المحلية في اليوم نفسه، واتهامات تتجاوز الحزب إلي عباءة أشمل هي الثورة المضادة، ألم يكن انصار تلك الثورة يقيمون مهرجانا ملونا في ميدان مصطفي محمود قبل يوم واحد ويرفعون صور المخلوع واصفين أنفسهم دون خجل أنهم أولاد مبارك؟ رأي خامس يضع في دائرة الاتهام ضباط الشرطة من جهاز أمن الدولة المنحل والمتهمين بقتل المتظاهرين لخشيتهم من اقتراب الفصل في محاكماتهم. وهنا يدخل المسرح فن اللامعقول مع مشاهد رقصة السيف الشرطية يؤديها احد رجال الأمن مصحوبة بالحوار والسباب البذىء الموجه للمتظاهرين. ولامعقول آخر، عصابات مسلحة بأسلحة بيضاء يقال إنهم باعة جائلون يقتحمون الميدان، يطردون المعتصمين من اسر الشهداء من وسط الميدان إلي اطرافه قائلين «القعدة بالمشاريب» ثم يلاحقونهم عند الاطراف التي دفعوهم إليها ويعتدون عليهم لإخراجهم من الميدان تماما، يالهم من باعة جائلين مدربين تدريبا امنيا رفيع المستوي! لكن انتبه، لايوجد اي دليل علي انهم ينتمون للأمن أو يتبعونه. يظل امرهم سؤالا معلقا إلي جانب عشرات الاسئلة: من وراء هذا الحدث أو ذاك؟ ومن شاء المزيد من البلبلة يمكنه ان يرجع إلي الصحافة الرسمية والصحافة المستقلة وقنوات التلفزة العامة والخاصة، كلها ستدخله في دوامات من الاحتمالات والآراء المتضاربة التي تدير الرءوس، وعندي ان هذا هو بيت القصيد والهدف المنشود، أي تشتيت الانتباه وصرف النظر عن القضية الاساسية قضية شهداء الثورة. إذا ما نسينا أو أنسينا الشهداء، فسينسي الناس أن هناك ثورة قامت ومازالت تطالب بحث دماء ابنائها أي القصاص العادل والعاجل، وانجاز الأهداف التي سالت من اجلها تلك الدماء الذكية: الحرية الحقيقية والعدالة الاجتماعية. مسار آخر للبلبلة إلهاء اهل الشهداء انفسهم عن دماء ذويهم. يدخل المشهد شيخ سلفي معروف يعرض عليهم قبول الدية وإنهاء الموضوع، والعرض سخي اربعمائة ألف جنيه للقتل غير المتعمد ونصف المليون للقتل العمد، حين يحتج البعض يقول الشيخ ان الجيش هو الذي طالب باصدار الفتوي. ينفي المجلس العسكري نفيا قاطعا ان تكون له علاقة بهذه الفتوي، يتحول الشيخ إلي دفاع آخر ، هذا الحل يوفر علي أهالي الشهداء الجهد والوقت لان التقاضي وعبء الإثبات قد يستغرق سنوات أمام المحاكم بينما الدية جاهزة، قد يكون مايقوله هنا صحيحا اذا ماظلت العدالة البطيئة علي حالها، لكن هناك سؤالين بحاجة إلي إجابة، هل نحن مازلنا في دولة قانون يحكمها القانون المدني والجنائي الساري علي الجميع أو اننا قد استبدلنا به منذ الآن نظاما آخر؟ والسؤال الثاني هو: من الذي سيتكفل بدفع مبالغ الدية التي ستكون ملايين كثيرة، من من مصلحته اغلاق الملف ويملك القدرة علي ذلك؟ قد نجد الجواب علي ذلك وغيره مما سبق في تقرير نشرته صحيفة الشروق يوم 5 يوليو الحالي تحت عنوان:« فلول النظام السابق تدفع الملايين لشراء البلطجية» نقلت الصحيفة عن مصدر أمني رفض ذكر اسمه ان التحقيقات كشفت مؤامرة تستهدف الترويج للقيام بمظاهرات معادية للشرطة وان فلول النظام السابق تدفع الملايين لشراء البلطجية ودفهم إلي اعمال اجرامية وسط المتظاهرين السلميين والزج بهم خلف صفوف جنود الأمن المركزي واستخدامهم لضرب المتظاهرين واسر الشهداء. ان صح ذلك وانا أميل الي تصديقه فستكون تلك هي العناصر المندسة الحقيقية والوحيدة، يبدد بعض الغموض الذي يكتنف احداث الثلاثاء الدامي. ولكن يبقي عنصر مهم مسكوت عنه في تلك المؤامرة، استهداف اسر الشهداء لايقتصر فقط علي شراء البلطجية للاعتداء عليهم أو لتشويه مظاهراتهم ، الهدف الأبعد كما ذكرت والذي يتم من اجله انفاق الملايين هو ضرب الثورة ذاتها ممثلة في رموزها، اقلام واصوات مأجورة كثيرة في الاعلام مكرسة الآن لحملة نفي الشهادة عن الشهداء ولانكار ثورة الثوار في ميدان التحرير وربما لانكار وجود الميدان نفسه، برامج في محطات تليفزيونية خاصة تتهم الثوار بالعمالة لجهات اجنبية دربتهم علي اثارة الفتنة، تكرر نفس اتهامات نظام مبارك في بداية الثورة وإنما بفجاجة ووقاحة أكبر. ومقالات لكتاب كبار في الصحف تثير الشكوك حول هوية الشهداء، أليس معظهم من المسجونين الذين قتلوا اثناء مهاجمة السجون أو من رجال الأمن؟ ومن يدري من الذي قتل هؤلاء أو غيرهم؟ باسم الديمقراطية يتم ترويج كل انواع الافتراء دون أن تجد من يرد عليها أو من يوقف مروجيها عند حدهم، وشيئا فشيئا ينتقل الافتراء إلي درجات ادني علي صفحات الإنترنت حيث يكال السباب للثورة صراحة ثم نصل إلي حضيض الشائعات الزاحفة التي تنتقل من فم إلي إذن إلي فم. يصبح اسم ابطال الثورة «بتوع التحرير» وصفتهم أنهم الذين يخربون البلد بمظاهراتهم. باسم الديمقراطية تغتال الثورة، ولكني ازعم انه لاعلاقة بين هذه البلبلة المقصودة والديمقراطية واجزم كدارس للتاريخ اني لم اسمع ابدا عن ثورة تسمح في غضون اسابيع قليلة من قيامها بأن تنظم عناصر النظام المخلوع مظاهرات تهتف باسم رئيسه وتدعو له، ولم اسمع عن ثورة يباح إعلامها المملوك للشعب لاقلام واصوات الثورة المضادة، وتسمح فوق ذلك باعلام خاص مكتوب ومرئي يهاجم الثورة علنا دون ان يجد من يردعه أو يرد عليه بالقوة نفسها. كل ثورة مهما بلغت سماحتها ورقيها الاخلاقي ملزمة في المقام الأول بحماية نفسها ومبادئها إلي أن تتحقق الاهداف التي قامت من اجلها. اكتب هذه الكلمات قبل مظاهرة الجمعة 8 يوليو، دعائي إلي الله ان تضع هذه المظاهرة السلمية حدا لعصر البلبة الذي نعيشه الآن وان تعيد توجيه الثورة إلي مسارها الصحيح الذي بدأت به حتي تنجز كل اهدافها. المزيد من مقالات بهاء طاهر