جريمة إبادة وحشية لنحو مليوني مواطن, لاتزال تبوح بأسرارها الشيطانية منذ جرت وقائعها في منتصف السبعينيات من القرن العشرين, وتنعقد هذه الأيام محاكمة لأربعة من الضالعين في اغتيال المواطنين. بقصد كشف حقيقة نظام بول بوت الهمجي, الذي اختطف كمبوديا في الفترة من5791 وحتي.9791 ففي71 ابريل5791, اجتاحت ميلشيات بول بوت بنوم بنه عاصمة كمبوديا. وأسقطت نظام المارشال لون نول. وكان هذا المارشال قد أطاح بحكم الأمير سيهانوك عام0791, وأرغمه علي الفرار الي المنفي في الصين, وماأن هيمنت حركة الخمير الحمر بقيادة بول بوت علي كمبوديا, حتي شرعت في تنفيذ مخطط ايديولوجي ماركسي غريب الأطوار. فقد صدرت الأوامر الصارمة باخلاء العاصمة, ونزوح سكانها الي المناطق الريفية, واغتيال المثقفين والمهنيين تحت شعار الانتقام الطبقي. وحتي يمكن الاقتراب من تفهم الأفكار الحمقاء والهوجاء لعصابة بول بوت, قد يمكن القول إنهم كانوا يستهدفون تطبيق نظرية شيوعية من نتاج بنات عقولهم المريضة, نظرية كانت تري أن المناطق الريفية وحدها هي التي يتحقق فيها الفردوس المنشود, وأن الفلاحين هم المنوط بهم انجازه, ولذلك عليهم أن يفلحوا الأرض منذ شروق الشمس وحتي غروبها. ومن لا يقدر علي هذا العمل اليومي الشاق, يتعين إغتياله, واللافت للانتباه أن بول بوت وعصابته, وفي مقدمتهم الرجل الثاني نون تشيا ايديولوجي نظام الرعب والقتل الجماعي, كانوا يمارسون جرائمهم ضد الانسانية من وراء ستار كثيف, ذلك أن الأوامر كانت تصدر باسم ماأطلقوا عليه المنظمة ويشير نفر من المؤرخين الي أن بول بوت لم يفصح عن انه الرجل الأول إلا في سبتمبر7791, عندما ألقي لأول مرة خطابا جماهيريا زعم فيه انه خلص البلاد من ألفي عام من اليأس. {{{ ولم يردع هذه العصابة الشيطانية موت مئات الألوف من المواطنين جوعا ومرضا. ولم يوخز ضميرها عمليات التعذيب المروعة في سجن تول سليج الذي كان يتولي أمره السفاح كاينج جيك, وقد مات في دهاليز التعذيب مايربو علي خمسة عشر ألف مواطن, ووسط الفوضي الدموية للقتل والموت جوعا, اندلعت الحرب بين كمبوديا وفيتنام عام7791, وتمكنت القوات الفيتنامية من غزو العاصمة الكمبودية في ذاك العام. وفرت العصابة الحاكمة وفلولها الي الحدود مع تايلاند. ولم تتبعثر بقايا قدرتهم علي المقاومة,إلا عندما تم اعتقال بول بوت عام8991, وجري تقديمه للمحاكمة. لكنه مات أثر إصابته بسكتة قلبية, أما بقية أفراد العصابة فقد لاذوا بالفرار في الغابات, غير أنهم سرعان مااستسلموا. لكن السلطات لم تتخذ ضدهم أي إجراء حاسم وأكتفت بتحديد إقامتهم في مناطق نائية. وبعد هذه السنوات الطويلة, يتم الآن محاكمتهم. ويتبوأ الرجل الثاني مكان الصدارة في المحاكمة التي تشرف عليها الأممالمتحدة, باعتباره المسئول عن جرائم القتل والإبادة, بعد موت الرجل الأول. {{{ وكان الظن أنه منذ انهيار نظام بول بوت, فانه من المتعذر أن يخوض أي طاغية مهما أحكم علي وجهه الأقنعة المراوغة حربا لقتال شعبه. لكن مايحدث في ليبيا واليمن وسوريا يشير الي ان ذاك الظن كان آثما. لكن الطغاة قتلة الشعوب مالهم بئس المصير مهما غلظت هراوتهم, ومهم شحذوا وأسنة رماحهم. المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي