كان تهميش قطاع الزراعة لمصلحة قلة من المستوردين المحتكرين أحد الأهداف التي سعي إليها العهد البائد حتي صارت مصر وهي البلد الزراعي تستورد مالا يقل عن 60% مما يأكله المصريون (!!) ولم يتعامل النظام البائد مع قضية الأمن الغذائي الشائكة باعتبارها قضية أمن قومي وبامتياز, فبدعوي اقتصاد السوق ترك المسئولون الحبل علي الغارب, بل شجعوا زراعة المحاصيل النقدية الهامشية علي حساب المحاصيل الاستراتيجية وعلي رأسها القمح, ونسوا أو لعلهم تناسوا مقولة ثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية السابق نحن لا نزرع القمح باعتباره غذاء ولكننا نزرعه باعتباره سلاحا.. لقد انعكس تأثير هذه السياسة علي تدني نسب الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الغذائية الرئيسية, وذلك علي النحو التالي: القمح (35%), الذرة (55%), السكر (68%), زيوت الطعام (8%), العدس (2%), الفول (45%), اللحوم الحمراء والألبان المجففة (70%), ومن المضحكات المبكيات أنه في ظل هذا الوضع الشائك تم زراعة مليون فدان من محاصيل التسالي (لب القزقزة والفول السوداني) في عام 2009 في والوقت الذي نستورد فيه 65% من احتياجاتنا من القمح, 92% من احتياجاتنا من زيوت الطعام, 55% من احتياجاتنا من الفول البلدي, 98% من احتياجاتنا من العدس (!!). وفي أكتوبر2010, نظمت نقابة المهن الزراعية بالإسكندرية مؤتمرا مهما حول (أزمة المياه في مصر والحلول البديلة), وقد صدر أخيرا كتاب يحوي بين دفتيه كل ما دار في هذا المؤتمر من بحوث ومداخلات ومقترحات عملية لتقليل الفجوة الغذائية ويري خبراء المياه والأراضي أن مصر تعاني محدودية الأرض والمياه, مما يتطلب وضع استراتيجية علمية لإدارة موارد المياه 66.4 مليار متر مكعب سنويا منها 55.5 مليار متر مكعب من النيل والأرض الزراعية (7.2 مليون فدان) ولاسيما في ضوء الأزمة الأخيرة مع دول حوض نهر النيل. وبالنسبة للمياه فإن الخبراء الثقاة أوصوا بمايلي: إعداد استراتيجية مصرية مستقبلية لاحتياجات مصر من المياه حتي عام 2050, وسبل توفير هذه الاحتياجات من مختلف المصادر (النيل, المياه الجوفية, الأمطار), علما بأن قطاع الزراعة يستحوذ علي 85% من إجمالي حجم المياه العذبة المتاحة في مصر. نتيجة لسوء الإدارة المائية المتبعة حاليا, فمن الضروري نشر ثقافة ترشيد استخدام المياه لتغيير نمط وسلوك الناس مع تثمين المشاركة المجتمعية في هذا السياق.أما بالنسبة للأرض, فقد أوصي الخبراء بمايلي: زيادة إنتاج المحاصيل الغذائية الرئيسية (القمح, الفول, العدس, محاصيل الزيوت) بدلا من التوسع في زراعة المحاصيل الهامشية (كمحاصيل التسالي). أن يكون الاستثمار الزراعي العربي والأجنبي في مصر ملتزما بخطة الدولة في التنمية الزراعية وليس لمصلحة المستثمر فقط, والنظر في إعادة الدورة الزراعية وسياسة التركيب المحصولي للاستغلال الأمثل لمياه الري. والآن.. هل تستفيد الحكومة من هذه المقترحات أم أننا وحتي بعد ثورة25 يناير سنظل ننفخ في قربة مقطوعة؟. د.محمد محمود يوسف أستاذ بزراعة الإسكندرية