هو شاهد عيان علي العديد من العصور الثقافية التي مرت بها البلاد. وحينما نتحدث عن سبل استعادة مصر دورها الثقافي وعلاج المشكلات الثقافية للعصر فمن المفيد ان نتوقف عند احد ابرز مثقفي عصرنا، لنستطلع رأيه في المشكلة والحل.. ذلك هو د. محمد عناني الاكاديمي والناقد والمترجم الكبير.. فإلى نص الحوار مثقف ما بعد الثورة.. هل يختلف عن مثقف ما قبل الثورة؟ ما بعد وما قبل تقسيمات زمنية لاتصنع الفارق.. فالمثقف مثقف قبل وبعد، والثقافة تتضمن عنصرا أعتقد انه من مقوماتها وهو ما اسميه الموقف، واحد تعريفات المثقف انه موقف، بمعني انه يؤمن بمباديء معينة يعمل علي ضوئها ويهتدي بها، وقد يعدلها من حين لآخر حتي تتفق مع موقفه الاساسي، والمثقف الحقيقي قبل الثورة يظل مثقفا حقيقيا بعد الثورة. لماذا تراجع دور مصر الثقافي في العقود الأخيرة؟ هذا يرتبط بما كنت اقوله عن الثقافة، ففي العقود الأخيرة انحرفت مصر إلي حد ما عن المحيط العربي والمحيط الافريقي، وانكب اصحاب السلطان علي مشروعاتهم الخاصة، واصبحت الساحة مغلقة علي اللاعبين داخل هذه الحلبة الضيقة، ومع ذلك فلم تكن الصورة كلها ظلاما دامسا، اذ استطاعت مصر من خلال الثقافة الانفتاح الخارجي من خلال الكتاب ومن خلال المؤتمرات ايضا، لكن المشكلة كانت تنحصر في عدم اتفاق هذه الانشطة الجادة مع الباب المغلق الخارجي الذي اشرت إليه.. والآن أمامنا الفرص متاحة لان نعود بكل قوة إلي الترابط لافي محيطنا العالمي الغربي فحسب، بل ايضا في محيطنا العربي والافريقي. كيف تستعيد مصر دورها؟ وماذا عن جهودك أنت لايصال أدبنا إلي العالمية؟ كنا في هيئة الكتاب نترجم الأدب العربي إلي اللغة الانجليزية، منها مثلا جميع اعمال صلاح عبدالصبور المسرحية، وهي من ارقي نماذج المسرح الشعري، وهيئة الكتاب والمجلس الأعلي للثقافة نشرا اربعا من هذه المسرحيات، ونشرت احداها في أمريكا. ولكن إلي الآن لم تصدر طبعة كاملة من أعمال صلاح عبدالصبور المسرحية بالانجليزية حتي نصدرها إلي العالم الخارجي وما نترجمه للانجليزية يترجم سريعا للغات الأخري.. كما لابد ان نمد ايدينا للدول الافريقية بلغاتهم فنترجم ادبنا لهم ونترجم ادبهم لنا، وهذا ليس عسيرا ولامكلفا. اما البلاد العربية فقد كانت الهيئة المصرية العامة للكتاب تعتمد في السابق علي ما يسمي بالشركة المصرية في توزيع الكتب في العالم العربي، ثم اصبح الغموض يحيط بالموقف ولاندري ما الذي يحدث وكيف نستطيع توصيل كتبنا ونشرها في العالم العربي، ودور النشر الخاصة لها مكاتب وشبكات واسعة في الدول العربية، اما مؤسسات الدولة فلا تزال مشكلة النشر والتوزيع من المشكلات المزمنة والملحة بل ومن العقبات الكبري في طريق استعادة ريادتنا الثقافية. سبب التراجع الثقافي .. هل كان من المثقف ام كان من النظام؟ المثقف يعمل والنظام البيروقراطي يفرض رسوم تصدير علي الكتاب ويتعامل معه كما يتعامل مع الطماطم وهو لم يشجع علي الانفتاح الحقيقي علي العالم الذي نعيش فيه، وانا اذكر لجنة اجتمع فيها احد رؤساء هيئة الكتاب السابقين مع اربعة من وكلاء وزارة المالية لحل هذه المشكلة وإلغاء رسم الصادر علي الكتب، واستمر الاجتماع لخمس ساعات ولم يتحرك النقاش قيد انملة، ووجد رئيس الهيئة نفسه يناطح جلاميد من الصخر.. ، ودائما كانت وزارة الثقافة تبدأ شيئا وتصطدم بالمالية.. والدول المتقدمة تصدر كتبها بالاسعار المعلنة، فكيف نضاعف نحن اسعار كتبنا بسبب ضرائب التصدير؟.. باختصار لقد كان النظام ينظر إلي الثقافة باكملها باعتبارها ترفا، وقد آن الأوان لأن نعتمد المشروع القومي للفترة المقبلة وهو العلم والثقافة. كيف تنظر لمصطلح ثقافة الثورة؟ انا لا أفهم مثل هذه التعبيرات، فان كان المقصود بثقافة الثورة ثقافة التغيير والتحسين والاصلاح فهذا كلام مفهوم، لان الثورة تعني كل هذه الاشياء، ولكن استخدام مصطلح الثورة هذه الأيام اصبح يشير لاشياء أخري، حتي ان البعض يتصورون ان ثقافة الثورة هي ثقافة الوقفات والاحتجاجات الفئوية والاعتصامات وغياب الأمن، وهذا هراء.. فلابد من الانضباط والأمن قبل ان نفكر في أي مشروع قومي أو ثقافي أو تعليمي حتي تظل للدولة هيبتها. هل المثقف المصري قادر علي التعامل مع الحرية التي وفرتها له الثورة؟ انا أؤمن بالمثقف المصري ايماني بنفسي.. وأؤمن بأنني استطيع ان اقرأ وافهم واتصرف وفقا لما فهمته، واثق بأن غيري من المثقفين المصريين يستطيعون ذلك، بل اعتقد ان غيري من المثقفين افضل واعلم واقدر مني كثيرا علي التصرف في المواقف الصعبة، لكن المشكلة الحقيقية للمثقف هي طريقة طرح القضايا، فقد يجد المثقف المصري قضية مطروحة بطريقة (كلمة حق يراد بها باطل) فكثير من القضايا تطرح باساليب مضللة، فيجهد المثقف نفسه في تصحيح صورة القضية أولا فيستغرق وقت الاجابة في تصحيح السؤال فلا يجيب. ماذا تقول عن فوزك بجائزة خادم الحرمين الشريفين كأعظم شخصية في الترجمة؟ الجائزة تمثل تتويجا لجهدي علي امتداد عقود طويلة، احببت فيها اللغة العربية، واحببت ان انقل إليها عيون الآداب الغربية، وكذلك ايماني بذخائر اللغة العربية وضرورة نقل هذه الذحائر إلي اللغة الانجليزية، لانها اصبحت لغة شبه عالمية، والحمد لله ان عملي علي امتداد هذه السنوات لم يفتقر إلي التكريم.