نعم صناعة الألبان.. في دائرة الخطر! فلا أحد يستطيع أن يتكهن, بما سيحدث لتلك الصناعة الإستراتيجية خلال الفترة القادمة, في ظل الخلاف الذي نشأ مؤخرا بين المزارع المنتجة من ناحية, والمصنعين من ناحية أخري. حول المعادلة السعرية التي وضعتها اللجنة الوزارية لتنمية وتطوير إنتاج وصناعة لألبان: المنتجون يتمسكون بها.. المصنعون يرفضونها! وفيما بين الموافقين, والرافضين: يبقي طرفا الأزمة في مفترق طرق.. وتبقي180 مزرعة مرخصة مهددة بالانهيار, وتظل المصانع الوطنية مضطربة لأنها تري أن رفع سعر توريد الألبان يخرجها من دائرة المنافسة في الأسواق المحلية, ويهدد صادراتها للخارج! في سبيل النهوض بصناعة الألبان, أصدر وزيرا التجارة والصناعة المهندس رشيد محمد رشيد, والسيد أمين أباظة وزير الزراعة واستصلاح الأراضي, قرارا وزاريا مشتركا برقم375 لسنة2009 في26 إبريل2009 بتشكيل لجنة تنمية وتطوير إنتاج وصناعة الألبان برئاسة الدكتور سعد نصار مستشار وزير الزراعة, وعضوية السيد أبو القمصان مستشار وزير التجارة والصناعة, وممثلين عن وزارتي التجارة, والزراعة, ومربي, ومنتجي الألبان, وغرفة الصناعات الغذائية وذوي الخبرة, فضلا عن تشكيل لجنتين فرعيتين الأولي للإنتاج, والثانية للصناعة, ونص قرار تشكيل اللجنة الأم علي صدور قرار من وزيري التجارة والزراعة بما يتم الموافقة عليه من توصيات تقترحها اللجنة, علي أن يكون القرار ملزما للمزارعين والمصنعين.. ومن ثم اقترحت اللجنة المعادلة السعرية التي وافق عليها المربون, والمزارع المنتجة, بينما يرفضها المصنعون.. هكذا بدأ الدكتور سعد نصار مستشار وزير الزراعة واستصلاح الأراضي ورئيس اللجنة الوزارية لتنمية وتطوير إنتاج وصناعة الألبان حديثه عن بداية الأزمة بين المزارع المنتجة, والمصنعين, مشيرا إلي أن اللجنة اجتمعت في19 يناير2010, وناقشت المعادلة السعرية التي تأخذ في الاعتبار العوامل الأساسية المرتبطة بالسياسة السعرية والتسويقية للألبان, والتي تقضي بالمراجعة الدورية وفقا للمتغيرات المحلية والعالمية, وقد وافق المنتجون علي المعادلة التي تحدد سعر الكيلو جرام من اللبن الخام بنحو275 قرشا, مع مراجعة هذا السعر دوريا وفقا للمتغيرات المحلية والعالمية, بينما رفضها ممثلو مصانع الألبان وغرفة الصناعات الغذائية, مبررين ذلك بأن سعر الألبان في مصر يجب أن يحدد وفقا للسعر العالمي للبن الخام فقط, وبما يتماشي مع ظروف العرض والطلب, وأنهم غير مستعدين لدفع سعر أعلي من السعر الذي يدفعونه حاليا والذي يقدر بنحو240 قرشا للكيلو جرام من اللبن الخام, لاسيما أن ممثلي المصانع أكدوا أنهم سوف يقومون بشراء الألبان من صغار المربين, ومراكز التجميع حيث يبيعون لهم اللبن بسعر210 قروش للكيلو جرام, مطالبين في الوقت نفسه بقيام الدولة بدعم إنتاج الألبان, وحماية صناعة الألبان المصرية من الألبان المستوردة ومنتجاتها. وقد طلبت اللجنة من وزيري التجارة والزراعة إصدار قرار وزاري في شان المعادلة السعرية لأسعار اللبن الطازج النظيف عالي الجودة, والمطابق للمواصفات, والتي تأخذ في اعتبارها العوامل الأساسية المرتبطة بالسياسة السعرية والتسويقية للألبان, والتي تقضي بالمراجعة الدورية وفقا للمتغيرات المحلية والعالمية حيث أشار تقرير اللجنة إلي أنه لا توجد حتي الآن وسيلة تضمن التزام صناعة الألبان بهذه السياسة أو المعادلة السعرية.. ونحن في النهاية نهدف إلي تنمية صناعة الألبان, لا سيما إذا علمنا أن الألبان النظيفة عالية الجودة, ومنخفضة العد البكتيري, والمطابقة للمواصفات القياسية لاتزيد نسبتها حاليا عن20% من إجمالي الإنتاج. انتهت المذكرة التي تقدم بها السيد أبو القمصان مستشار وزير التجارة والصناعة, والدكتور سعد نصار مستشار وزير الزراعة واستصلاح الأراضي, إلي الوزيرين المختصين, بينما لاتزال الأزمة قائمة بين المزارع المنتجة للألبان, والمصانع المحلية!! الأزمة في نظر المصنعين * ويبقي السؤال: كيف يري مصنعو الألبان المعادلة السعرية ؟ المهندس حاتم صالح رئيس شعبة الألبان في اتحاد الصناعات المصرية, ورئيس مجلس إدارة المصانع يري أن مدخلات المعادلة السعرية للألبان غير صحيحة, مشيرا إلي أن السعر الذي يتم الشراء به هو240 قرشا للكيلو جرام من اللبن الخام, أي بما يعادل30 يورو سنت, في حين تشتريه المصانع في أوروبا بسعر23 يوروسنت, وفي أمريكا تشتريه المصانع بسعر24 يوروسنت, والسعر اقل في الدول النامية, باختصار نحن ثالث دولة علي مستوي العالم ترفع سعر اللبن الخام. ونحن نتوقع أن يتم تخفيض السعر للوصول إلي أسعار تنافسية نستطيع أن نتحدي بها المنتجات المستوردة في السوق المحلية, وننافس بها في السوق التصديرية, ولا يخفي علي أحد أهمية هذا القطاع الذي يصدر بما قيمته5,1 مليار جنيه سنويا من إجمالي الصادرات الغذائية التي تقدر بنحو10 مليارات جنيه سنويا. إذا كان المربون, أو المزارع المنتجة يتعللون بارتفاع أسعار المدخلات, والخامات, فنحن من جانبنا كمصانع لانري أية مبررات لزيادة أسعار توريد اللبن الخام, لاسيما أن الأسعار العالمية انخفضت مؤخرا. كما أننا نرفض رفع سعر البيع للمستهلك, ولذلك فإننا لا نستطيع الشراء بالسعر الذي يطلبه المربون والمزارع المنتجة للألبان, لذلك من الضروري أن تدخل الدولة لدعم الألبان. الدعم الحكومي هو الحل علي أي حال, لا توجد أزمة بين المنتجين والمصنعين.. هكذا يقول حمدي عبد الرؤوف رئيس إحدي مصانع الألبان الشهيرة, ولكل طرف وجهة نظره, فالمنتجون مثلا يؤكدون أن مستلزمات وتكاليف الإنتاج مرتفعة, بينما يري المصنعون أن هناك بدائل ارخص من اللبن المحلي, وبغض النظر عن رؤية كل الأطراف, فإنه أصبح من الضروري الحفاظ علي صناعة إنتاج الألبان, وتصنيعها علي حد سواء. ويسألني: لماذا لا تتدخل الدولة, وتدعم أسعار الألبان للحفاظ علي هذه الصناعة الحيوية والمهمة, كما تفعل دول كثيرة. في حين يري المهندس صفوان ثابت عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية, أن أي مصنع يراجع الأسعار في الأسواق العالمية حين يشتري المواد الخام اللازمة للتصنيع, وفي قضية الألبان قامت الحكومة بتشكيل لجنة لمناقشة الأسعار, وقمنا بتزويدها بالأسعار في20 دولة أوروبية من أمريكا اللاتينية, ودول أوروبا الشرقية, ومن أوروبا, وغيرها لكي تسترشد بها اللجنة عند مناقشة المعادلة السعرية, وهناك يتراوح سعر الكيلو من اللبن الخام بين185 قرشا و214 قرشا, وهكذا صارت مصر في المرتبة الرابعة بين20 دولة في العالم تعطي أعلي سعر للألبان, وإذا كان المربي يبيع الكيلو من اللبن بسعر أعلي من السعر العالمي بنحو35 قرشا, فكيف إذن تقبل المصانع بزيادة جديدة في سعر التوريد تتراوح بين40 قرشا و50 قرشا, وبالتالي لن يكون البديل هو رفع السعر علي المستهلك, ولا علي المصانع, وهذا الفارق في السعر لن أتحمله أنا كمصنع, ولا يجوز أن يتحمله المستهلك, من هنا لابد أن تتدخل الدولة لدعم هذه الصناعة وحمايتها. * في المقابل, كيف ينظر المنتجون إلي المعادلة السعرية للألبان؟ توجهت بسؤالي إلي محمد الطاروطي رئيس جمعية منتجي الألبان, والذي أكد لي أن المنتجين متمسكون بالمعادلة السعرية, لاسيما أن هذه المعادلة تمت مناقشتها من خلال لجنة تنمية وتطوير إنتاج وصناعة الألبان برئاسة الدكتور سعد نصار مستشار وزير الزراعة, وعضوية السيد أبو القمصان مستشار وزير التجارة والصناعة, وممثلين عن وزارتي التجارة والزراعة ومربي ومنتجي الألبان, وقد حضر المناقشات كل الأطراف المعنية بالقضية, وما تتفق عليه هذه اللجنة الوزارية ملزم للطرفين. وما يتردد بشأن انخفاض تكاليف الإنتاج في المزارع هو كلام مغلوط, مشيرا إلي أن السعر الأساسي الذي كانت المصانع تشتري به اللبن هو3 جنيهات للكيلو جرام, وتم تخفيضه بنسبة33%, بينما لم يستفد المستهلك إلا بنسبة8% من هذا الانخفاض.. ويضيف: أنا أحدثك الآن من ألمانيا, وهنا يباع لتر اللبن كامل الدسم, ومن أجود الأنواع بسعر54 يوروسنت, وبالتالي فإن سعر كيلو اللبن الذي يشتريه المستهلك الألماني اقل من سعر كيلو اللبن في مصر. أما من يتحدثون عن انخفاض تكاليف الإنتاج في المزارع, فهم لايعرفون شيئا عن أسعار مستلزمات الإنتاج التي نحتاجها, فأسعار الأعلاف التي نستوردها من الخارج مرتفعة, والأمراض التي تصيب الحيوانات تتسبب في تخفيض معدلات الإنتاج, فتصبح التكلفة أعلي, كما أن رفع سعر توريد الالبان سوف يشجع الكثير من المنتجين علي رفع مستوي الجودة.