إذن, لا يزال السؤال قائما.. هل تندلع حرب جديدة في المنطقة؟ يقول محدثي الدبلوماسي المتابع بدقة للتطورات المتلاحقة في الشرق الأوسط, إن كل ما يحدث من تصعيد وتوتر, هو نوع من تمهيد الأجواء لحرب مقبلة تبدأ بضربة عسكرية ضد إيران, لتتسع الدائرة لتشمل سوريا ولبنان وبعض مناطق السلطة الوطنية ومعها غزة, الجديد في الأمر أن الجدل الأمريكي والغربي يدور الآن, حول حدود الضربة وهل تكون أمريكية خالصة, أم بمشاركة إسرائيلية؟! وتعلم واشنطن أنه حتي في حال عدم اشتراك إسرائيل فيها فإن الرد الإيراني سيكون عبر حلفائها في لبنان وغزة, وبالتالي ستدخل إسرائيل الحرب, التي تتمناها, وتطلب من واشنطن أن تكون وكيلها وأن تقوم بالمهمة بدلا منها, ولدي إسرائيل أسبابها فهي تري تصريحات قادة إيران بمحوها من الوجود, ودعم إيران للجماعات المسلحة في لبنان وغزة, تهديدا واضحا لأمن إسرائيل, الذي يتعرض أكثر للخطر, عندما تنتقل التقنية النووية لأيدي هذه الجماعات المعادية لإسرائيل والموالية لإيران, وترفض واشنطن أن تكون رهينة للقلق الإسرائيلي, وتري أن حساباتها, تختلف عن حسابات تل أبيب, وهي رغم أنها تعتبر أن كل خيارات التعامل مع إيران مفتوحة, بما فيها الخيار العسكري, تري أن هذا الخيار يحتاج لدعم دولي وهذا ما فعلته في جولة وزيرة الخارجية الأمريكية الأخيرة, والاتفاق علي شكل المقاطعة الاقتصادية لإيران, وإقناع روسيا بوقف صفقة الصواريخ لها, وعزل إيران عن حلفائها الاقليميين, بعودة السفير الأمريكي إلي دمشق واستئناف محادثات السلام بين سوريا وإسرائيل, واستبعاد أي دور إسرائيلي في الملف الإيراني, حتي لا يثير ذلك غضب الشعوب العربية والإسلامية, رغم كل هذا تتحرك إسرائيل وفق حساباتها الخاصة, وتحاول التعجيل بموقف أمريكي وأوروبي يبارك هذا التحرك. وفي هذا الصدد نشر الباحث الأمريكي ستيفن سيمون تقريرا صدر عن مركز الإجراءات القانونية التابع لمجلس العلاقات الخارجية, بعنوان ضربة إسرائيلية محتملة لإيران ويشير الباحث إلي إسرائيل ماضية وعازمة علي المضي قدما في استعداداتها لتوجيه ضربة عسكرية منفردة ضد المنشآت النووية الإيرانية, ويقول التقرير إن التعزيزات العسكرية الإسرائيلية في الفترة الأخيرة هي دليل قوعي ومؤشر خطير علي تطور موقف الإدارة السياسية في إسرائيل نحو اتخاذ قرار توجيه الضربة العسكرية, ويكشف الباحث في تقريره عن أن إسرائيل قامت بتدريبات جوية عسكرية طويلة المدي, تضم سربا مكونا من مائة طائرة, وكذلك تدريبات علي عمليات الانقاذ باستخدام المروحيات, وأيضا تدريبات علي عمليات إعادة التزود بالوقود نظرا لطول المسافة بين إيران وإسرائيل, ولم يستبعد التقرير وجود خيارات عسكرية أخري تتمثل في استخدام الغواصات البحرية, إلي جانب حالة الاستنفار الاستخباراتي من خلال تجميع معلومات شديدة الدقة عن المواقع والمنشآت الإيرانية, فضلا عن حالة الاستعدادات الداخلية في إسرائيل والمتمثلة في توزيع أقنعة واقية من الغازات, والأسلحة الجرثومية وتوفير الملاجئ وتجهيزها, وإجراءات أخري وقائية ضد أية هجمات انتقامية تأتي من إيران في حالة تنفيذ الضربة العسكرية, مع تأمين الجبهة الشمالية وهي حدود إسرائيل مع لبنان لمواجهة احتمالات دخول حزب الله الحرب ضد إسرائيل. بدورها تحاول واشنطن أن تحبط هذه الضربة أو علي الأقل تأجيلها, حتي تستنفد واشنطن كل جهودها لتطويق البرنامج النووي الإيراني, وإيجاد إجماع دولي مناهض للسياسات الإيرانية, ومن ثم يتم التحدث عن الخيار العسكري, الذي قد يكون مهما وضروريا لواشنطن, ليس فقط بسبب الملف النووي, بل بما تمثله إيران من خطر علي المنطقة, خاصة دول الخليج, وما تشكله من تهديد لإسرائيل نفسها, وهو لن تسمح به واشنطن, التي تري, أنها يجب أولا العمل مع دول المنطقة وتعزيز الدفاعات الجوية في العراق ودول الخليج ومناقشة تداعيات العمل العسكري ضد إيران علي العراق وعلي القوات الأمريكية فيه وهم نحو150 ألف جندي, تعتبر واشنطن وجودهم في العراق قد حولها إلي جارة لإيران وأقرب جغرافيا لها, في حين يعتبرهم الإيرانيون أسري قريبين من أيديهم ورهائن يمكن استخدامهم في حال قيام واشنطن أو تل أبيب بأي عمل عسكري ضدهم. ولا تمنع كل هذه الحسابات الأمريكية في ظروف معينة من إعطاء موافقة ضمنية لإسرائيل بعمل ما, أو تقوم هي بالعملية, بعد أن أصاب الإدارة الأمريكية الإحباط من إمكانية اقتناع إيران بتغيير موقفها الراهن, والولايات المتحدة, لا تريد إشعال الحرب في أكثر من منطقة, وهي باختصار تريد حصر القضية في الملف الإيراني وأن يقتصر أي عمل عسكري علي إيران ومنشآتها النووية وألا يمتد التصعيد إلي مناطق أخري, ولكن الرسائل الإيرانية والتصعيد السياسي لقادة إيران يهدد بإشعال المنطقة ونقل الحرب من إيران إلي لبنان وغزة والعراق بل وإلي إسرائيل, وهو أمر عزز موقف إسرائيل ومخاوفها أمام حليفها الأكبر واشنطن, التي أعربت عن دهشتها ومعها فرنسا لتصريحات الرئيس السوري بشار الأسد, عندما قال ان لبنان علي أبواب حرب أهلية, ويمكن أن تندلع في غضون أيام, وهو ما اعتبره المراقبون تهديدا سوريا واضحا بتفجير الأوضاع داخل لبنان, في حال تعرض سوريا لأية هجمات أو توجيه ضربة لإيران, واعتبر المراقبون أن هذا الحديث, يعني بوضوح ان دمشق لم تنه غلق ملفاتها في لبنان ومازالت تصر علي فتحها واستخدام أوراقها في الغزل السياسي المستمر بينها وبين واشنطن من جهة, وباريس من جهة أخري. ولكن الجميع اعتبر أن الحديث عن حرب أهلية في لبنان يعني أن الوهم الأمريكي في اقتصار الحرب علي إيران لن يتحقق, ومع ذلك فإن الخبرة الأمريكية في التعامل مع المواقف الإيرانية والسورية قبلها أكدت أن إيران لم تفعل شيئا عندما تم الهجوم علي غزة, ولا سوريا تحركت عندما هاجمت إسرائيل لبنان وضاحيته وجنوبه, بل إن سوريا التي تم انتهاك مجالها الجوي بطائرات حربية إسرائيلية فوق القصر الجمهوري بدمشق, وتعرضت لعمليات عسكرية ضد بعض المنشآت في عمقها لم تفعل شيئا, تماما مثلما لم يفعل حزب الله شيئا أمام اغتيال أحد قادته العسكريين في دمشق برغم تهديداته بأنه سيأخذ بالثأر من القتلة, ولهذا تعلم واشنطن أن إيران تقف وحيدة, وأنها تواجه نوعا من حرب التصريحات والبيانات, وهي أي واشنطن ستحدد نوع الخطوة الأخيرة أو الخيار الأخير, ولهذا يمكن أن تندلع حرب الصيف أو حتي الشتاء, فالأجواء مازالت غائمة ومضطربة وكلها تمهد الأرض لحرب مقبلة, لا أحد يعلم متي تندلع ومن سيشعلها ومن سيكون وقودها؟! وهذه قصة أخري!. المزيد من مقالات مجدي الدقاق