يمكننا في إيجاز بلورة بعض المعالم الرئيسة للفكر والرؤية التي تؤطر سياسة إدارة المرحلة الانتقالية فيما يلي:1 بداية لابد من إيجاد تصور سياسي يؤطر إدارة الثقافة ومؤسساتها في المرحلة الانتقالية التي تمتد مراحلها الفرعية منذ الثورة. واستيلاء المؤسسة العسكرية الوطنية علي السلطة تأسيسا علي نتائج العملية الثورية في25 يناير وما بعد ومن ثم تشكيل حكومة تصريف الأعمال الثالثة حتي إجراء الانتخابات النيابية, والرئاسية. والمرحلة الانتقالية الثانية من اختيار الرئيس المنتخب حتي نهاية مدته الأولي. 2 التصور السياسي للثقافة والثقافوي في المرحلة الانتقالية, يعتمد هذا التصور علي أن الثقافي والسياسي لا ينفصلان وأن أهمية كليهما تتمثل في أنهما محددان محوريان في سياسة رشيدة تؤطر عمليات إدارة عديد مراحل الانتقال والصعد ومنها تمثيلا لا حصرا ما يلي: أ أن الثقافة مكون رئيسي من مكونات القوة الناعمة المصرية وإشعاعاتها الملهمة عموما, وتزداد أهمية هذا النموذج الملهم في المرحلة الانتقالية لدوره المؤثر علي عملية صنع قرارات السياسة الخارجية, ويشكل فائض قوة رمزي ومعنوي في عملية إدارة التفاوضات السياسية والاقتصادية, بالإضافة إلي أنه فائض قوة يشد عصب السلطة الانتقالية في سياساتها الخارجية. ب يلعب الرأسمال الثقافي والرمزي المصري التاريخي وفوائضه دورا مهما في مرحلة الانتفاضات الثورية العربية, ويؤدي من ثم دورا بالغ التأثير, وأكثر نفوذا من القوة الصلبة علي اختلاف مكوناتها والحدود المفروضة عليها. ج يؤثر الظهور والحضور الثقافوي في السياسة الانتقالية علي عملية توليد وتجديد الهيبة والمكانة الإقليمية والدولية ولاسيما في إطار عالم المعلومات والاتصالات والوسائط المتعددة, خاصة في ظل فضاءات الحرية الفكرية والإبداعية... إلخ. 3 أن إنتاج الثقافة والإبداع وإدارة المؤسسات الثقافية الرسمية واللا رسمية ليس محض ترف سياسي أو ثقافي وإنما يمثل أحد مكونات بناء القوة المصرية السياسية. ومن ثم يشكل الإهمال أو التهميش خطرا فعليا يساهم في إضعاف الدولة وأوراق القوة المتاحة لها ولدي السلطة الانتقالية. أن إيلاء عناية خاصة واستثنائية بالثقافة عموما والقوة الناعمة يضفي علي السلطة العسكرية الواقعية في البلاد صورة إيجابية جديدة ومغايرة ومقبولة للعسكريتاريا في السلطة في المرحلة الانتقالية, وتجعل حضورهم استثنائيا وانتقاليا ومقبولا في إطار تحول ديمقراطي شامل وناجز ومن ثم مغايرا للصورة النمطية السلبية عن العسكريتاريا الانقلابية في السلطة التي سادت تاريخيا في أجهزة الإعلام العالمية, ولدي قطاعات واسعة في العالم المتقدم لا يزالوا ينظرون بسلبية وريبة إلي حكم العسكريتاريا ومخاطره علي الحريات والتطور السياسي الديمقراطي والدولة الحديثة في هذه البلدان. 4 ضرورة إعمال مبدأ الشفافية والمحاسبة في العمل الثقافي وإدارته, والتركيز علي عديد الاعتبارات ومنها: أ استنفار الجماعة الثقافية والمنظمات غير الحكومية العاملة في المجال الثقافي, وذلك لكي تلعب أدوارها في حرية وبلا قيود بل وتقديم التسهيلات لها لإدارة بعض مكونات ومساحات الفراغات الثقافية في البلاد. ب تعبئة الضمير الثقافي من كبار وشباب الكتاب والمبدعين والمفكرين من أجل وضع إطار أخلاقي وقيمي للممارسة الثقافية وإداراتها في المنظمات الطوعية والرسمية معا. ج التركيز علي ضرورة إظهار أسس أولية للسياسة الثقافية وإداراتها ونظمها في ظل مرحلة تحول ذات ملامح ثورية نسبيا, فيها عناصر ورؤي وسياسات تنتمي إلي ما قبل وما بعد انتفاضة25 يناير2011 الثورية الديمقراطية, ومن ثم تسعي عملية إدارة الثقافة إلي حل بعض التناقضات بين الما قبل والما بعد, ومحاولة تسييد قيم اللحظة الثورية وبعض سيولتها وفوضاها علي نحو يتسم بالرشد السياسي. وهذا التوجه يحتاج إلي حضور فاعل وديمقراطي للمثقفين والمبدعين. د السعي إلي تحويل القاهرة وبعض المدن المصرية إلي مراكز وخلايا للعمل الثقافي بجميع صنوفه وأشكاله وتظاهراته, والأهم تبني الأفكار الجديدة وغير النمطية, والسعي إلي جذب رموز جيلية متعددة من أبناء الجماعات الثقافية العربية للانخراط في البؤرة النشيطة للعمل الثقافي, وتجاوز قوائم الأسماء التقليدية والنمطية التي كانت تدعي إلي المشاركة في الندوات والمؤتمرات والمعارض والسمبوزيم, والمهرجانات السينمائية والفنية من قبل البيروقراطية الرسمية وكهنة المعابد الثقافية الرسمية. من ثم يبدو مهما الانفتاح علي الوجوه المبدعة والشابةالجديدة وتجاربها في العالم العربي وإيران وتركيا والمناطق المهمشة عربيا, والاهتمام بدمج الأنشطة الثقافية والإبداعية في منطقة حوض النيل بالعمل الثقافي المصري, وذلك كمدخل جديد لمكون أفريقي في سياسة مصر الثقافية والخارجية. أن إقامة أسابيع ثقافية عربية وأفريقية ومع دول الجوار الجغرافي العربي تركيا وإيران ودول متوسطية ولاتينية, تبدو من الأهمية بمكان, خاصة أن مصر عليها أن تعود إلي الإقليم من خلال إبداعها وإنتاجها الثقافي مع شقيقاتها العربيات في لبنان وسوريا وتونس والمغرب.. إلخ وهو ما يزيد ويثري قوتها الناعمة التي تستطيع أن تساعد السلطة الواقعية الانتقالية علي أن تناور وتواجه بعض الضغوط التي تمارس أو قد تمارس عليها من قبل بعض القوي الإقليمية النفطية المحافظة, أو علي المستوي الدولي من أجل حصار التجربة الثورية المصرية الشابة, وتحويلها إلي مجرد تمرد جيلي يرمي إلي بعض الإصلاحات الجزئية وبعض من الديمقراطية والحريات المنضبطة أو المبتسرة حتي لا تمتد أثارها إلي إقليم النفط وتحديدا إلي دول منابع النفط والاحتياطات المالية الضخمة بكل آثار ذلك علي التوازنات الإقليمية في المنطقة وعلي الاقتصاد العالمي. أن الثقافة كسياسة وإنتاج وسلع ثقافية وطرائق إدارة تحتاج إلي إبداع وتجديد رؤية سياسية ثقافية جديدة ومختلفة ومن ثم إلي خيال سياسي وثقافي جامح وخلاق وقادر علي إضفاء ديناميكية جديدة علي مؤسسات ثقافية واهنة وتغشاها بيروقراطية بطيئة ومترددة تسيطر عليها شيخوخة فكرية وبيروقراطية وسياسية. المزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح