تحقيق جيهان الغرباوي: ماليش بديل شعار كوميدي تضعه بعض عربات التوك توك فوق زجاجها الخلفي, بالرغم من بؤس حالها وتواضع قيمتها وضعف مستوي الخدمة التي يمكن أن تقدمها لعدد محدود من الركاب لكن الشعار نفسه ينقلب واقعيا جدا, لو أن شركة الدلتا للنقل والسياحة وضعته علي عربات اسطولها البري المكون من نحو700 أتوبيس, تتحرك علي الطرق السريعة ما بين القاهرة وعشرات المدن والاقاليم في مصر, يعتمد عليها كل عام عدد ضخم من الركاب, معظمهم لا يصدق الشعار الذي تضعه الشركة علي تذاكرها, وبعضهم حرر في أقسام الشرطة محاضر رسمية لإثبات الحالة, التي لا توحي مطلقا بخدمة متطورة دائما كما هو المكتوب علي كل تذكرة!. تذكرة أتوبيس شرق الدلتا بالذات مثل الكشري, تذكرة أصلية وتذكرة كمالة, والتذكرة الصغيرة الكمالة تشمل سعر خدمة التكييف والفيديو, وكأن الشركة تدين نفسها بنفسها لأن كلا الخدمتين لا يعملان, لدرجة تهدد أحيانا بالاختناق.. هكذا بدأ الناقد الرياضي لطفي السقعان, تعليقه علي خدمات الشركة التي يعتمد عليها في سفره كل أسبوع من وإلي القاهرةالمنصورة, ثم أكمل بحماس: السفر علي خطوط هذه الشركة هو العذاب بعينه, السائقون والمشرفون في المحطة يعاملون الركاب أسوأ معاملة, ومستوي النظافة في الأتوبيسات مزري, ولا أحد يلتزم بلائحة المواعيد المعلقة في المحطة, وكأنها مجرد كمالة سماح الديب سكرتيرة في شركة خاصة تسافر يوميا رأس البر القاهرة ذهابا وعودة, ومع ذلك لم يمنعها التعود من أن تقول: اعطال الأتوبيسات مشكلة تتكرر بشكل مزمن ومستفز, وأحيانا ينزلنا السائق علي الطريق, ويقول لنا اعملكو ايه.. قضاء وقدر.. كل واحد يتصرف بمعرفته, وأذهب فعلا أبحث عن بيجو أو سيارة أجرة علي الطريق لتوصيلي بسعر مضاعف. في المقابل, يصر القطب سلامة تاجر من دكرنس علي ركوب أتوبيس شرق الدلتا بالذات, ولا يرضي بسواه بديلا, حين سألته عن السبب قال:لن أكف عن ركوب هذا الأتوبيس قبل أن أجد اللصوص الذين اشتركوا مع السائق في سرقة1800 دولار من أخي, بعد أن افتعلوا معه الود والصداقة, وجلسوا إلي جواره في الكنبة الخلفية, وقدموا له مشروبا فيه مخدر, غيبه عن الوعي, وحين أفاق لم يجد حقائبه ولا المبلغ الذي كان معه عقب عودته من دبي. وطبعا حررنا محضرا بالواقعة رقم12499 قسم ثاني المنصورة في يوليو الماضي, لكن الشركة والسائق تنصلا من المسئولية الركاب لم يعودوا مثل زمان.. كل واحد أعصابه متوترة بيطلع همه في السواق ولا مؤاخدة الناس مش زي بعضها.. هكذا رد السائق عاطف التهامي وقال مبتسما: مرة واحد من الركاب عمل لي محضر وكان مستشارا في القضاء لأن حقيبته سرقت من الأتوبيس أثناء الرحلة, وطبعا لم يعرف من سرقها فمسك في أنا, لكن الحمد لله النيابة افرجت عني. أما في محطة القللي بالقاهرة, فقد كان مشرف المحطة محمد عبدالرحمن واضحا وصريحا إلي أبعد حد قال: ما المشكلة لو تعطل الأتوبيس علي الطريق ساعتين أو ثلاث؟ دي حاجات بتاعة ربنا, قضاء وقدر, وما علينا هنا في المحطة غير الاتصال وإبلاغ غرفة العمليات لإنقاذ الأتوبيس., ويروي علي السيسي حكاية مأساوية له مع أتوبيسات شرق الدلتا ويقول بانفعال: ذات يوم اتصلوا بي من البلد أخبروني أن ابنة خالتي توفاها الله, فأسرعت بالسفر ولحقت بميعاد الثالثة والربع ظهرا, لكن الأتوبيس ما كان يفارق القاهرة إلا وتعطل في الطريق, فجلست والركاب لا حول لنا ولا قوة, حتي اصلحوه ووصل المنصورة في التاسعة والنصف مساء, وبالطبع لم اتمكن من حضور الجنازة. في الوقت الذي يسافر فيه الناس من القاهرة إلي السعودية في ساعة, يسافر البعض من القاهرة إلي بلبيس شرقية في نحو4 ساعات! هكذا علقت نهي منير معيدة في جامعة القاهرة علي رحلة عذابها اليومي كما تسميها من القاهرةللشرقية في أتوبيس شرق الدلتا للنقل والسياحة, وقد اكملت تقول: للأسف يتعاملون معنا ركاب الاقاليم علي اعتبار اننا الفلاحون الذين لا يستحقون عناء المعاملة الحسنة أو الخدمة الجيدة تاركين لنا العربات الخردة, التي تحرضني طوال الطريق علي تكرار دعاء يونس في بطن الحوت لا اله إلا أنت سبحانك.. إني كنت من الظالمين!. السعادة ليست في الأتوبيس المفاجأة أن الدكتور يحيي الأحمدي أستاذ العلاج النفسي جامعة المنيا, يري أن شكوي المواطنين غالبا من سوء مستوي النقل الجماعي في مصر, أساسها رغبة داخلية في التمرد والتنفيس عن مشاكل أخري لا علاقة لها بالأتوبيس ومن فيه. ويبدو أن اللواء منصور العايدي رئيس مجلس إدارة شرق الدلتا كانت عنده أسباب أهم, لنفس نظرية أنك لن تجد السعادة في الأتوبيس, وعلي هذا قال: الشركة خاضعة للقانون203 الخاص بقطاع الأعمال وتتبع في ملكيتها وزارة الاستثمار, إلا أننا مطالبون في الوقت نفسه بمراعاة قوانين وقواعد وزارة النقل المسئولة عن تشغيل الشركة وإعطاء التراخيص اللازمة لعملها, لذا لا نستطيع أن نرفع سعر التذكرة, علي البسطاء, الذين يعتمدون علي أتوبيسات الشركة عادل عبداللطيف سائق علي خط نويبع يروي آخر حوادثه علي الطريق, فيقول ببساطة: منذ يومين تعطل الأتوبيس علي الطريق, وهذا أمر عادي جدا يحدث لي ولزملائي في جميع الخطوط, فلم انزعج وتحملت اهانات بعض الركاب العصبيين. في النهاية يؤكد المهندس محمود عز الدين مدير الشركة الجديد, أنه منذ تولي قيادة الشركة من قبل ثلاثة أشهر مضت, وهو يفكر بجدية في توفير اليونيفورم المناسب للسائقين, هذا غير الملصقات التي تحرض السائق والركاب علي التزام الاخلاق الحميدة والسلوك القويم, طوال الرحلة, يقول:حرصي علي تقديم خدمة أفضل لركاب شرق الدلتا, دفعني لاستدعاء أحد رجال الدين, ليخاطب في السائقين الوازع الديني والاخلاقي ويفهمهم أهمية الروح الإنسانية, المكلفين بنقلها وحمايتها من الاخطار علي الطريق, وأحيانا أكون فريق عمل سري, يركب أتوبيسات الشركة دون أن يتحقق من مهمته أحد, ليكتب لي تقريرا عن مشاكل الأتوبيس والركاب وحقيقة الوضع علي الطبيعة نحن مكبلون بعمالة ضخمة ولدينا مشاكل مع المحافظات التي تريد أن تستولي علي محطات الشركة داخل المدن لتبيعها وتستفيد منها, في حين أن شركة شرق الدلتا بالذات, لها أكبر وأفضل محطات أتوبيس ليس في مصر فقط بل علي مستوي افريقيا كلها.