ويقطف المصريون ثمرة أخري من ثمار الثورة المجيدة. فواجب علينا جميعا أن نمد يد العرفان والشكر للمجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي لم يتردد منذ اندلاع الثورة في الاستجابة لمطالبها الشرعية. , وآخرها حل الحزب الوطني الذي ترك المجلس الأعلي مصيره يقرره القضاء المصري النزيه. ولكننا يجب أن ننتبه إلي أن حل هذا الحزب لا يعني أنه قد رحل عن الحياة السياسية. فكل ما حدث أننا أزلنا عن هذا التنظيم السياسي الصفة الرسمية له, وأسقطنا اللافتة التي تحل اسمه, وأعلنا بذلك موته الظاهري كدولة داخل الدولة.ولكنه في الحقيقة ككيان لم يمت بعد! فأعضاؤه الذين يعدون بالآلاف موجودون في كل مكان من أجهزة الدولة ومؤسساتها, وفي القلب منها المجالس المحلية التي تدير شئون الأحياء والمدن. وهؤلاء الأعضاء تشربوا علي مدار ثلاثين سنة منهج الحزب القائم علي احتكار السلطة وإقصاء جميع التيارات السياسية الأخري. وسبيلهم إلي ذلك كان التزوير والكذب والتدليس والرشاوي, فنشأوا وتربوا علي قيم الفساد التي مكنت حزبهم من احتكار الحياة السياسية, وإفساد المجتمع حتي بات الفساد منظومة متكاملة تنخر في عظام الوطن ومنهجا يشيع في سلوكيات وأخلاقيات المجتمع. هؤلاء الأعضاء والقيادات الفاعلة في تنظيمات ولجان الحزب وأمانته العامة أصبحوا يمثلون في واقع الأمر طابورا خامسا يشكل خطرا مؤكدا علي الثورة وعلي مصر, ليس فقط لأن الفساد قد تمكن من نفوسهم وعقولهم حتي بات الخلاص منه أمرا مستبعدا, ولكن أيضا لأنه باتت تسيطر عليهم مشاعر جارفة من البغض والكراهية والغل تجاه الثورة ويتوقون للانتقام من الشعب الذي هب ثائرا علي قلب رجل واحد, وأجبر حاكمه المستبد علي التنحي, وهو الذي كان في نظرهم رمزا مقدسا لا يجوز الاقتراب منه بكلمة نقد واحدة! وإذا كان منظوق الحكم التاريخي للمحكمة الادارية العليا قد جاء فيه أنه لا يستقيم عقلا أن يسقط النظام الحاكم دون أدواته وهو الحزب, فإنه رضوخا للعقل والمنطق يتعين أن ندرك أن أدوات النظام الفاعلة تتمثل في قيادات وأعضاء الحزب الناشطين. وهم الذين يجهرون اليوم بعدائهم للثورة ويرفعون لافتات التأييد للرئيس المخلوع رغم كل جرائمه في حق مصر دون أدني حياء أو حرج مما يعد في حقيقته خروجا سافرا علي الشرعية الثورية التي يعمل في إطارها المجلس الأعلي للقوات المسلحة ومجلس الوزراء! وهو أمر ليس له مثيل في تاريخ الثورات الإنسانية عبر التاريخ أن تسمح ثورة شعبية لأعدائها بالهتاف للحاكم المخلوع, والمطالبة بعودته في استفزاز صارخ لمشاعر الأغلبية الساحقة من المصريين وأهالي الشهداء الأبرار, وهو ما يعني ضمنيا تأييد هذه الفلول لجرائم وفساد النظام السابق!!! ولذلك يري كثير من المثقفين والسياسيين ضرورة بل وحتمية إصدار قرار بمنع قيادات الحزب الوطني المنحل وأعضائه الفاعلين ونوابه في البرلمان الأخير المزور بصفة مؤقتة من الترشح للانتخابات النيابية القادمة حماية لمصرمن كيدهم ونهجهم الفاسد, خاصة ونحن نعلم أن البرلمان القادم هو الذي سوف يختار أعضاء الجمعية التأسيسية التي يناط بها وضع الدستور الجديد. وهو إجراء احترازي طبيعي اتخذته جميع الثورات الشعبية عبر التاريخ تحت مسمي العزل السياسي حماية لها من تآمر وكيد الوجوه القديمة في عهود الاستبداد. ولذلك يتوجب علي اولي الأمر في مصر أن يأخذوا بالحيطة وألا يخاطروا بمستقبل مصر ويضعوه أمانة في أيدي من دأبوا علي خيانة الأمانات. محمد سعيد عز