مازال الجدل محتدما حول سياسات الرئيس أوباما الداخلية والخارجية, وما تحقق منها علي أرض الواقع بعد سنة واحدة من فوزه في سباق الوصول الي البيت الأبيض, ومن بين هذه الحزمة من السياسات. وأكثرها طموحا ومثالية, كانت السياسة النووية وما التزم به أوباما أمام الجمهور الأمريكي والعالمي بتبني الوصول الي عالم خال من الأسلحة النووية من خلال ربط سياسات منع الانتشار الحالية بهدف الإزالة الكاملة لهذه النوعية من أسلحة الدمار الشامل, وكان من الطبيعي أن يسبق تحقيق هذا الهدف الطموح عدد من الانجازات المرحلية تتلخص في تجديد اتفاقية خفض الأسلحة النووية مع روسيا الي مستويات جديدة, والتصديق علي معاهدة حظر التجارب النووية, وكذلك مراجعة السياسة النووية الأمريكية بشكل عام في اتجاه تقليص عدد الرءوس والأسلحة, واستبدالها ببدائل أخري, مع تضييق مساحة الأسباب والظروف التي قد تدعو الي استخدامها في المستقبل, وبذلك يكون مفهوم نزع السلاح النووي قد وجد ولأول مرة وبصورة صريحة مكانا له في السياسة النووية الأمريكية, وصار شعار الزيرو العالمي والمقصود به الزيرو النووي العالمي جزءا من فعاليات المجتمع الأهلي والمؤتمرات والمنتديات الدولية, وأصبح التحدي المطروح علي الجميع الرد علي عدد من الأسئلة المحورية: هل تحقيق الزيرو النووي علي المستوي العالمي ممكن؟ وهل ذلك في صالح الأمن والاستقرار الدولي؟ وما هي معالم الطريق الهادية الي هذا الهدف؟ والزمن المطلوب لتحقيق ذلك؟. وللإجابة عن هذه الأسئلة يجب أن نتعرف أولا علي حجم المشكلة, يتكون النادي النووي من9 دول أقدموا بالفعل علي تفجير رءوس نووية وامتلاك عدد منها, وباعتبار أقدمية الامتلاك: الولاياتالمتحدةالأمريكية, وروسيا( الاتحاد السوفيتي سابقا), والمملكة المتحدة, وفرنسا, والصين, والهند, وباكستان, وكوريا الشمالية, وإسرائيل, ويوجد في العالم الآن نحو8000 رأس نووية جاهزة للنشر والاستخدام من بين23000 رأس, حيث الباقي موجود في المستودعات بدون تجهيز نهائي أو في صورة أجزاء مفككة, وعلي رأس القائمة تأتي روسيا وعندها4650 رأسا نوويا جاهزة, والولاياتالمتحدة(2626), وفرنسا(300), وبريطانيا(160), والصين(180), وباقي الدول تمتلك كلا علي حدة من60 الي90 رأسا نوويا وغير معلوم علي وجه التحديد العدد الجاهز منها للاستخدام. هذ الترسانة الرهيبة من الأسلحة النووية نجحت في إيجاد مجال أمني خاص حولها يستشعره الناس والدول من زوايا إدراك مختلفة, فالبعض يري في الأسلحة النووية وسيلة للردع المتبادل قد تمنع أو تقلل من احتمالات الصدام العسكري بين الدول, وهذا ما حدث علي طول سنوات الحرب الباردة, حيث اعتمدت الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي علي الأسلحة النووية كوسيلة فعالة للردع المتبادل خوفا من النتائج المأساوية المتوقعة للحرب والتي يمكن أن تصل الي حد محو الدولة وسكانها من الوجود, والمهم في المنطلقات الفكرية لهذه المدرسة ايمانها العميق بأن الردع النووي لن يخفت تأثيره مع الزمن, ولن تستجد أوضاع عالمية تقلل من قدرته علي تحقيق السلام والأمن المتبادل, ومن زاوية أخري كان هناك من يري أن الردع النووي قابل للانهيار في ظروف معينة من التوتر الدولي, وانحطاط الثقة, وفشل الحسابات, ولاشك أن التكنولوجيا, وأيضا لأسباب تتعلق بطبيعة القيادة ودرجة ميلها الي الشطط والمغامرة, ولاشك أن انتشار الإرهاب علي المستوي العالمي قد أوجد عبئا اضافيا وخوفا من وصول الأسلحة النووية الي جماعات إرهابية لا تخضع نفسها لمعايير الردع التقليدية المعروفة, واحترامها لقدرات الخصم, فضلا عن ميلها المتكرر الي المغامرة بدون حساب لمقدار الضرر الناتج من استخدام أسلحة الدمار الشامل ومن بينها الأسلحة النووية. والمدهش أن التفكير في الحد من انتشار الأسلحة النووية أو إزالتها قد بدأ مع بزوغ العصر النووي, وضرب الولاياتالمتحدة لهيروشيما ونجازاكي في أغسطس1945 بالقنابل النووية, وحجم التدمير الهائل وغير المسبوق في الحالتين, ومن هذه اللحظة بدأ الصراع بين فكر الانتشار النووي من جهة, وفكر حظر الانتشار الي حد الخفض والازالة الكاملة من جهة أخري, والعجيب أن الولاياتالمتحدة كانت حريصة في12 أغسطس1945 وبعد أيام قليلة من ضربها لليابان بالقنبلة النووية علي الافراج عن أول تقرير عن القنبلة تحت اسم تقرير سميث نسبة الي الفيزيائي هنري دي وولف سميث بعد أن تمت مراجعته بواسطة مجموعة من العاملين في المشروع, وذلك للتأكد من أن التقرير لا يحتوي علي معلومات يمكن أن تساعد أحدا في بناء قنبلة نووية, وبرغم هذه المراجعة الدقيقة لتقرير مسبق مازال هناك من يري أن المعلومات التي احتواها التقرير قد ساعدت الاتحاد السوفيتي في بناء قنبلته النووية الأولي, خاصة فيما يتعلق بذكر الاحتياجات الضرورية من معامل ومصانع وخبرة بشرية. ومنذ مشروع مانهاتن مشروع القنبلة الأمريكية الأولي وحتي الآن تجمع أغلبية الجماعة العلمية علي قدرة أية دولة صناعية حديثة بناء قنبلة ذرية لو وضعت الهدف صوب أعينها وصممت علي الوصول إليه, والمشكلة لن تكون في معرفة الجانب العلمي والفيزيائي للقنبلة, ولكن في توفير الامكانات المعملية والصناعية اللازمة لمثل هذه النوعية من المشاريع الحساسة, فضلا عن المناخ السياسي المحيط بالمشروع علي المستوي الاقليمي والدولي, وتمثل سهولة انتشار المعلومات والتكنولوجيا من جهة الي جهة أخري احدي الصعوبات التي يمكن أن تواجه حلم الزيرو النووي في ظل بقاء المعرفة داخل رءوس العلماء والبشر, والقدرة علي توظيف التكنولوجيات الأولية في تطويرات أخري مركبة في المجال النووي وغيره من المجالات ذات الطابع الاستراتيجي والعسكري. وعلي الأرجح لن يتحقق حلم الزيرو النووي بقرار لحظي من الجماعة الدولية, ولكنه سوف يتحقق بفعل التطور البشري والحكمة الإنسانية التي قادت البشرية الي فكرة الحرب ثم السلام وانشاء الأممالمتحدة وما تلا ذلك من انحسار للحرب في مناطق كثيرة من العالم, وهناك سيناريوهات كثيرة للوصول الي الزيرو النووي معظمها يقوم علي فكرة البناء علي ما تحقق حتي الآن من خطوات في هذا المجال, وكلمة السر في هذا المشروع ستكون التدرج النشط والطموح في اتخاذ خطوات متتالية حتي الوصول الي الهدف المنشود, والخطوة الأولي المقترحة هي الوصول بنظام منع الانتشار الحالي الي حدود العالمية الكاملة بانضمام الدول التي مازالت خارجة, ونفس الشيء يجب أن يتحقق بالنسبة لمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية والتي لم تدخل بعد مرحلة التطبيق برغم انضمام عدد كبير من الدول إليها, كذلك يجب الانتهاء من معاهدة الحظر الشامل علي انتاج المواد النووية الانشطارية للاستخدامات العسكرية. وبالتوازي مع الخفض المتتالي للأسلحة النووية التكتيكية والاستراتيجية يجب التحقق من الإزالة الكاملة لكل الأسلحة التكتيكية النووية والتي مازالت موجودة بأعداد كبيرة في كثير من دول العالم, ويستتبع ذلك الانتهاء من مشاريع إنشاء المناطق الخالية من أسلحة الدمار الشامل ومن بينها المنطقة الخاصة بالشرق الأوسط, وبعد ذلك يجب أن يتركز الاهتمام علي وسائل حمل الرءوس النووية من صواريخ عابرة للقارات وغواصات وغيرها من وسائل, ومثل كل الأحلام الكبري سوف يواجه حلم الزيرو النووي تحديين رئيسيين بالإضافة الي ما سبق: الأول كيفية التحقق من التزام كل الدول بما وقعت عليه من معاهدات وأنها لا تخفي شيئا من وراء الجميع في صورة أجزاء أو أسلحة كاملة, والثاني معضلة الأسلحة التقليدية وانتشارها وتطورها في غيبة الأسلحة النووية, ويومها سوف نسمع عن الردع التقليدي كبديل عن الردع النووي وهي قصة أخري ربما نعود إليها في وقت قريب.