كان إعلان الاخوان اعتزامها تأسيس حزب سياسي باسم الحرية والعدالة مع الاحتفاظ بالجماعة كمؤسسة دعوية مثارا لتعليقات عدة, ولانني كنت ولا أزال ادعو الجماعة إلي حسم اختيارها إزاء تأسيس حزب سياسي ببرنامج سياسي لدولة مدنية حقا, ديمقراطية حقا, تحترم حقوق المرأة تماما كما احترمتها الدول الإسلامية التي تشكل أكثر من80% من المسلمين في العالم وهي اندونيسيا وباكستان وبنجلاديش فأعطت المرأة حق رئاسة الدولة( الولاية الكبري) وتحترم حقوق الاقباط استنادا إلي حقوق المواطنة الفعلية التي تكفل مساواة كاملة في الحقوق, فإنني استأذن الاخوان راجيا منهم ان يفسحوا صدورهم لملاحظات استعيد بها عددا من محاولات جماعتهم لتأسيس حزب أو قوة سياسية منظمة, بهدف لفت نظرهم إلي ما كان, ودعوتهم إلي تجنب العثار في مسيرة الحزب الوليد الذي اعتقد بضرورة وجوده ولكن علي اساس صحيح. والمحاولات عديدة لعل أولاها جاء في المؤتمر الثالث للجماعة والذي قدم فيه الاستاذ البنا برنامجا سماه منهاج الجماعة, ولعل الخطأ الاساسي جاء من اصرار المرشد علي ان كل مسلم عليه ان يعتقد ان هذا المنهاج كله من الإسلام وان كل نقص منه نقص من الإسلام ذاته,( مذكرات الدعوة والداعية) وهو الأمر الذي دفع احد الباحثين المرموقين إلي القول بأن الجماعة تحاول بهذا النص, أن تصادر الدين لمصلحتها, ومن ثم فإن من يقف ضد برنامجها يكون خارجا عن الإسلام ذاته, ثم يكون الترويع علي لسان والد المرشد الشيخ عبدالرحمن الساعاتي اشد قسوة, فعلي صفحات العدد الأول من مجلة النذير المحرم1357 ه يدعو الاخوان إلي تقديم الدواء للأمة: فان الامة ابت فأوثقوا يديها بالقيود واثقلوا ظهرها بالحديد وجرعوها الدواء بالقوة وان وجدتم في جسمها غضوا خبيثا فاقطعوه, أو سرطانا خطيرا فأزيلوه, فكثير من ابناء هذا الشعب في اذانهم وقر, وفي عيونهم قذي, ثم ان الاستاذ البنا استقوي علي الجميع فهاجم الاحزاب جميعا مناديا اتباعه, ستخاصمون هؤلاء جميعا, ودعا إلي قيام حزب واحد فقال, لقد آن الأوان لان ترتفع الاصوات بالقضاء علي نظام الحزبية في مصر وان يستبدل به نظام تجتمع فيه الكلمة ثم فحل الاحزاب سيتلوه قيام حزب واحد علي اساس برنامج إسلامي اصلاحي حزب سياسي عبئا ثقيلا علي الجماعة, فتهب في وجهها معارضات عديدة, وانقسامات تدفع بمجلة النذير إلي يد المنشقين الذين اسسوا جماعة شباب سيدنا محمد ثم كان هناك خلاف كبير اخر بين البنا وشريكه وزميل عمره في تأسيس الجماعة احمد السكري الذي دعا إلي توحيد العمل بين الجماعة وحزب الوفد حتي يتكامل الروحي مع السياسي, ويبقي هذا الدرس عالقا دوما في ذهنيه الجماعة التي ظلت تتحدث كثيرا عن السياسة دون ان تفتح صفحة تأسيس( حزب سياسي), وتظل ذات العقبات تعرقل مسيرتها نحو حزب سياسي, الموقف من المرأة والاقباط والخلافة والدساتير والقوانين الوضعية, الجهاز الخاص( السري) التنظيم الدولي, وتتبدي اكثر من محاولة للفكاك من هذه المشكلات بتحويل الجماعة إلي حزب سياسي, ويطرح ابوالعلا ماضي( حزب الوسط) تساؤلا حاسما هل شمولية الإسلام كدين تعني بالضرورة شمولية الجماعة كحزب؟ ونقرأ عبارة موحية قالها ماضي: ونجحنا لأول مرة في تاريخ الحركة الإسلامية في صياغة مشروع لحزب سياسي إسلامي مدني وليس دينيا اي ذي مرجعية إسلامية لكنه يرتكز علي قاعدة المواطنة التي لاتفرق بين مسلم ومسيحي. ( نقلا عن حسام تمام تحولات الإخوان المسلون ص93) ولعل السماح القانوني لحزب الوسط سوف يتيح الفرصة لنا جميعا للتعرف علي التفسير والتوضيح لهذه الآلية الجديدة. ثم تأتي دعوة إصلاحية جديدة علي يد الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح, وهنا نتوقف لنتأمل, فدعاة الاصلاح في جماعة الاخوان أتوا في الاغلب من رافد كان الأكثر تشددا وهو الجماعة الإسلامية كذلك كان ابوالعلا ماضي في جامعة المنيا وكذلك ايضا كان عبدالمنعم ابوالفتوح في جامعة القاهرة, واذ نطالع افكار أبوالفتوح نكتشف تشابها كبيرا بينها وبين مفردات برنامج حزب العدالة والتنمية التركي. وينقل لنا حسام تمام( المرجع السابق ص54) قائلا يقبل أبوالفتوح الديمقراطية كآلية لاتخاذ القرار في كل مراحل العملية السياسية, فالديمقراطية تجربة وتراث انساني فريد يعبر عما وصلت إليه البشرية من تطور وايضا الاحتكام للشعب مطلق ايا كانت توجهات او ديانة مواطنيه ثم يتمادي الشريعة لاتحكم إلا إذا ارادها الشعب, ولايجوز فرضها عليه دون إرادته اما الخلافة فهي مسألة سياسية لاعلاقة لها بنصوص دينية, وهي من قبيل الوحدة السياسية المعاصرة مثل الاتحاد الأوروبي, ومبدأ المواطنة يشمل غير المسلمين عامة, ويقبل بمبدأ توليهم كل المناصب حسب الدستور بما فيه منصب رئيس الجمهورية, وكذلك حق المرأة في تولي كل المناصب بما فيها منصب الرئاسة, وبعد ذلك تصفية الجماعة بشكلها وهيكلها الحالي وإعلان التحول إلي حزب سياسي علني وإنهاء العمل السري وإنهاء التنظيم الدولي وتحويله إلي ملتقي فكري ثقافي علي غرار المؤتمر القومي العربي أو منتدي الاشتراكية الدولية. ولان النص منقول وغير مباشر فإننا نتمني ان يكون صحيحا, فإن كان فإنني أتمني علي الجماعة ان تتدراسه بإمعان وان تتعامل معه بجدية وايجابية فلعله يكون مخرجا لها.. ولنا, فعلي المدي الممتد من صيحة السكري وحتي صيحة أبوالعلا وأبوالفتوح جرت مياه كثيرة في النهر, لكنها لم تغير كثيرا في العقلية التي فكرت في تحويل الجماعة إلي حزب سياسي واعتقد انه أوان التغيير المرتقب. المزيد من مقالات د. رفعت السعيد