أمام منفذ السلوم.. حقائب مبعثرة وأحذية ملقاة علي الارض وكراسات وأفلام وعدد من كتب سلاح التلميذ الذي منعه وزير التعليم السابق وسيارة مقلوبة مهشمة بجوارها ينام قائدها أحمد حسن علي مساعد علمي بكلية العلوم حسب رخصة القيادة التي التقطت من الأرض. قد لبي نداء ربه بعد الحادث الذي تعرض له مع زوجته التي ترقد علي الأرض وتجيب بصعوبة أنهما قادمان مع أولادهما الثلاثة من طبرق, ربما السرعة الكبيرة نتيجة الفزع والخوف علي الأبناء الذين ساءت حالتهم, وربما الاجهاد حسب تفسير الطبيب العسكري كان هذا المشهد الأول الذي استقبلنا, فيما كانت صفوف السيارات وعدد من الاتوبيسات وميكروفونات المحافظات التي أيضا كان ينادي سائقو الميكروباص عليها وكأنها ساحة موقف أحمد حلمي القديم أو عبود, آلاف من العمال الكادحين الشرفاء يهرولون حاملين أغطيتهم وحقائبهم واحتياجاتهم حتي وابور الشاي وقصعة الأسمنت. كانت الحكايات تتناثر من أفواه الهاربين من الجحيم عن غلظة ودموية القذافي وابنه المتعجرف القاسي وكتائب الأفارقة الذين يبيدون الناس في الشارع, محمود ماهر صالح وأمير الزبيدي من قطور يحكيان عن ذبح الناس كما القطط التي حكي عنها العقيد الدموي والكتيبة التشادية التي تذبح البعض بعد قتلهم بالرصاص واستطاع الليبيون القبض علي6 جنود منهم, فمنعهم شيخ المسجد من قتلهم بعد أن ذبحوا اهلهم وأمره للناس أن يعاملوهم كأسري ويحسنوا معاملتهم في درنة وأضافا أن البلد أصبحت خرابا وأن هناك اعتداءات علي المصريين ونهب أموالهم وأشيائهم الثمينة مثل اسلام محمد السيد من كفر الشيخ ورفيقه عمرو الاسكندراني اللذين يرقدان في مستشفي الهلال الأحمر في درنة بين الحياة والموت, بينما قال حسين عبدالرءوف عطا أن أغلب من يعرفهم من المصريين هناك بخير إلا في طرابلس وبني غازي الذين أخبروهم عبر الهواتف بسوء حالتهم وأن بعضهم أصبح لا يستطيع الخروج من مكان اقامته, وقد نفد الأكل والماء ويرغبون في ايصال اصواتهم الي مصر لكي تحضرهم بأي ثمن, وأن الجميع ينهب ويقتل خصوصا بعد حالة الفزع التي انتابت الجميع بعد مهلة ال84 ساعة التي أعلنها القذافي, ويقول مصطفي كمال إن اللجان الشعبية التي كونها الاخوة الليبيون لحراسة الطرق تتعامل مع المصريين معاملة طيبة جدا ويعرضون عليهم ما يريدون من طعام وشراب, وهو ما أكده مصطفي أبوالعلا في اتصال هاتفي معه من بني غازي أن أسعار المواصلات تضاعفت4 مرات تقريبا وأنه وأكثر من خمسين عامل معمار يعملون معه في شركة المعمار العربي لم يحصلوا علي أي أموال منذ3 أشهر, وأن صاحبها التركي أحمد الدينار تركهم وهرب وأنهم منذ يومين لا يجدون ما يأكلونه بعد أن تضاعفت الأسعار عدة مرات. وبرغم أن أعداد الوافدين الهاربين من جحيم العقيد الدموي المجنون تتزايد ساعة بعد ساعة برغم ارتفاع سعر الراكب من بني غازي الي السلوم006 كلم تقريبا من05 جنيها الي003 جنيه ليبي, فالجميع يدفع أو يقترض أو يتسول ثمنها للعودة الي مصر, فحسب المصادر الرسمية فإن ما وصل الي منفذ السلوم خلال اليومين الأخيرين وصل حتي ظهر أمس الي02 ألف مواطن تقريبا, بينهم عدد من السوريين, ويتوقع زيادة الأعداد, وان كانت سيمفونية العمل التي يقوم بها الجيش والشرطة وشهدتها الأهرام جعلت استقبال الناس ومحاولة مساعدتهم واجلائهم منتظمة, فقد وفر الجيش المصري مستشفيين جراحيين, ومخيما للراحة ولاستقبال العائدين ووجبات جاهزة ساخنة وجافة وعدد كبير من سيارات الاسعاف, إلا أن هذه الوجبات والاتوبيسات كانت عند بوابة مساعد الحدود الليبية لأن المسافة التي تصل الي5 كلم يقطعها العائد حاملا ما يحمل من أغراض وحقائب تجعلها صعبة عليه, ولذلك فالمأمول أن يتم توزيع الوجبات عليهم عندها وكذلك نقلهم في اتوبيسات حتي بوابة الجمرك المصري للتفتيش الأمني الذي لاحظنا دقته, فبرغم هذه الأعداد الهائلة والتكدس فإن أمناء الشرطة العاملين علي جهاز كشف الحقائب قد أجابوا للأهرام عمليا علي سؤالنا عن احتمال تسرب أسلحة أو غيرها خلال هذا التدافع بأن استوقفنا أحدهم وتفتيش حقيبته لاخراج ما ظهر أمامهم علي الجهاز من سلاح أبيض(2 مطوة قرن غزال) وكذلك طلقة آلي و2 طبنجة تم عمل محاضر بها وعرضها علي النيابة بالتليفون والافراج عن أصحابها بضمان محل الاقامة ومصادرتها, وبعضهم لم يعرف الاجازات منذ خمسين يوما, والحقيقة التي يجب أن نشهد لجهازي القوات المسلحة والشرطة أن التعامل علي أفضل المستويات وقد بدأت الصورة الذهنية عن الشرطة تتغير في أذهان العائدين مما لمسوه من التبسيط والتعامل الإنساني بصورة جيدة, أما اللجان الشعبية التي تكونت من أبناء السلوم والتي شكلها علي الأخرس وبعض رفاقه لمساعدة العائدين وحمايتهم من السرقات فإنها تؤكد نبل وأصالة الشعب المصري. وبدأت شركة مصر للطيران أمس في تسيير8 رحلات جوية الي مطار طرابلس لإجلاء الرعايا المصريين الموجودين هناك في إطار الجسر الجوي الذي بدأته الثلاثاء. صرح أيضا أيمن نصر رئيس شركة مصر للطيران للخطوط الجوية, ان الطائرة الأولي غادرت في الثامنة والنصف صباح الأربعاء. وكشفا لحجم المأساة يتحدث العائدون ومنهم حميده محمد عثمان الذي أكد أنه كان يعمل في أحد المطاعم السياحية بمنطقة اجدابيا التي تبعد عن بنغازي بنحو200 كيلومتر, وأنه استطاع أن يتجه إلي مدينة بنغازي بمجرد بدء أحداث العنف وظل يومين في بنغازي حتي تمكن من ركوب سيارة أجرة إلي منفذ مساعد الحدودي مع مصر وأنه يوجد الكثير من المصريين بمناطق اجدابيا وسرت لا يستطيعون السفر إلي مصر لعدم وجود سيارات أجرة تنقلهم إلي الحدود المصرية. ويقول رجب مصطفي علي عامل سباكة من البحيرة انه كان في يعمل بنغازي وشاهد الرصاص المتطاير في كل مكان والأدخنة المتصاعدة من المباني الحكومية وعمليات إطلاق النيران بين مرتزقة أفارقة وأهالي المدينة من المتظاهرين المطالبين باسقاط النظام في ليبيا فجمع نقوده وملابسه واستطاع الفرار في سيارة نقل مصرية كانت تفرغ شحنة من المعلبات لأحد المستوردين الليبيين وأكد أن هناك الكثير من المصريين لا يستطيعون العودة إلي مصر نظرا لتوقف حركة الطيران في بنغازي وليس أمامهم سوي سيارات الأجرة التي يخشي عادة أصحابها تسييرها في هذه الأجواء خوفا من تعرضها للتلف أو السرقة. ويضيف علي محمد جابر عامل بناء من أسيوط انه كان يعمل في منطقة طبرق القريبة من السلوم وشاهد أحداث العنف في بدايتها, حيث تم قتل الكثير من الأهالي وشباب اللجان الثورية التابعة للقذافي داخل المدينة التي استطاع أهلها السيطرة عليها حاليا. أما هنداوي محمد خميس عامل خراطة فقال انه يعمل في مدينة سرت وأنه بمجرد أن وقفت أحداث التظاهر والعنف من جانب المؤيدين للعقيد القذافي فر هاربا إلي طبرق هو ومجموعة من المصريين واستطاعوا أن يستقلوا سيارة أجرة رفض سائقها زيادة أجرتها ووصلنا إلي منفذ مساعد, حيث ترجلنا حتي منفذ السلوم الذي كان حلم حياتنا أن نصل إليه. ويقول أحمد حسين زكي عامل بناء من القليوبية انه كان يعمل في مدينة زليطة التي تقع بين مدينتي بنغازي وطرابلس, وشاهد في الفضائيات أحداث العنف التي وقعت في مدينة بنغازي, وقرر علي الفور العودة إلي مصر واستقل أكثر من3 سيارات أجرة للوصول إلي الحدود مع مصر وانتابه الرعب مع توقف تلك السيارات التي استقلها أمام اللجان الشعبية ولكن كانت السيارات تمر بعد تفتيشها فقط. وقد فوجيء العائدون المصريون من ليبيا عند تحويل ما معهم من دينارات ليبية في أسواق العملة بالسلوم بأن قيمة الدينار الليبي قد انخفضت بنحو50% أمام الجنيه المصري, حيث كان الدينار الليبي سعره يتراوح بين4 جنيهات وعشرين قرشا و4 جنيهات و35 قرشا, واصبح حاليا جنيهان و25 قرشا فقط بعد تصاعد الأحداث في ليبيا, مما أغضب الكثير من العائدين الذين كانوا يتحملون الغربة من أجل فرق السعر بين الدينار الليبي والجنيه المصري. وقد اكد الدكتور محمود زهران وكيل وزارة الصحة بمطروح أنه قد تم تزويد منفذ السلوم البري بعدد17 سيارة إسعاف مجهزة بأحدث التجهيزات, بالإضافة إلي تزويد مستشفي السلوم بطاقم من الاخصائيين والاستشاريين من جميع التخصصات الطبية والطواريء وتوفير أكثر من100 كيس دم بالثلاجات بالمستشفي و30 سيارة إسعاف طواريء موجودة بالقرب من السلوم.