انتفاضة الثلاثاء25 يناير مرت بسلام لكنها انقلبت بغم يوم الأربعاء وصولا ليوم الجمعة, حيث أدت الاشتباكات التي جرت ين المتظاهرين والشرطة إلي خروج الشرطة تماما من الساحة, خروج يبدو طبيعيا نتيجة لتصادم الشرطة مع شعب كبير العدد, لكنه من المؤكد مدبر حتي يتم القضاء علي جهاز الشرطة. بغرض فرض واقع علي الأرض تختفي فيه سلطة الدولة, الشارع المصري أصبح مباحا لتيار ديني يريد أن يصبغ المجتمع بما يراه لازما لدولة لابد من فرضها بالقوة, هناك مخالفات في البناء والمنشآت والمقاهي والورش والعشوائيات يبغي كل انتهازي إعمالها في لحظة انعدام الأمن. تحول المجتمع المصري إلي البدائية القانونية واصبحت الأسلحة البيضاء وسيلة الحوار والاقناع بدلا من المنطق والنقاش. الشرطة المصرية فقدت الأقسام ومديريات الأمن وكثيرا من السجون بحيث لم يعد لها نقاط تمركز, وخسرت ايضا هيبتها وسطوتها بحيث انعدمت قدرتها علي الحركة الفعالية في الشارع المصري ارتبطت الشرطة بالقمع واستغلال النفوذ والفساد وحماية النظام لا المواطن, وهو ما اخفي جهودا كثيرة بذلتها واحس بها المواطن المصري لما غابت. المجتمعات الحديثة لاتعيش بدون شرطة تحميها, وهو ماعاد بالمجتمع المصري لحالة تقترب من المأساة الصومالية وكذلك اللبنانية في أوقات الصراعات.. الشرطة تحفظ مفهوم الدولة علي الأرض وهي رمزها, وهو مالايريده في المقام الأول تيار ديني لايرتضي إلا اجندته ومافيا مصالح لاتزدهر إلا مع الفوضي. ومن الضروري في المرحلة الحالية أن تقف الشرطة المصرية علي قدميها وأن تتعافي في أسرع وقت من كسر اصاب يدها اليمني ورجلها اليسري بحيث لم تعد قادرة علي التعكز والسير ولو جزئيا ومن الضروري أن يعاد تأهيلها نفسيا من شرخ عظيم ضربها ومن الضروري ان تطهر في أسرع وقت من قيادات طغت أو اخطأت في هذه الأزمة وقبلها, ويستحيل تحميل القوات المسلحة عبء الأمن الداخلي والخارجي, فما لهذا أنشئت. من الضروري ايضا معرفة ابعاد مؤامرة خططت بعناية لمهاجمة سجون وتحرير مساجين وتهريبهم عبر مسالك ودورب وأنفاق محددة مسبقا. نظرية المؤامرة حيلة العاجز لكنها في هذه الأزمة مؤكدة, استبيحت مصر, أرضا وحدودا, ووضح تماما اعداؤها الذين إدعوا دوما أنهم أشقاء وتأكدت أجندة المذهبيات الدينية علي حساب الوطن والجنسية. النظام المصري أخطأ لما تجاهل دعوات التغيير وانغلق علي نفسه بينما الدنيا حوله في فوران شديد, وهاهي النتيجة المنطقية, لكنها مع كل الحزن مأساوية قد تخسر فيها مصر أرضا طالما قاتلت مع أجلها وتفقد فيها استقرارا نسبيا غدا بعيدا في المستقبل المنظور. لابد ان تعود الشرطة لاتجلدوها, لاتلقوا الطين عليها, هي منكم, لاتكسروا أنفها.
د. حسام محمود أحمد فهمي استاذ هندسة الحاسبات بجامعة عين شمس