كان ذلك في عام1997 حيث علمنا في مكتب الأهرام في واشنطن, من مسئولين في البيت الأبيض, وهو ما تم ابلاغه لمراسلين آخرين أن الرئيس كلينتون سوف يعلن في نفس اليوم أثناء اجتماعه بالمكتب البيضاوي مع نيتانياهو رئيس وزراء إسرائيل, والرئيس ياسر عرفات, خطة أمريكية ملزمة لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. وتابعنا اللقاء علي شاشات التليفزيون, وفوجئنا بقنبلة سياسية, تنفجر في وجه كلينتون, عندما سأله صحفي في مكتبه البيضاوي قبيل بدء الاجتماع عن حكاية مونيكا لوينسكي. وظهر تأثير المفاجأة علي وجه كلينتون الذي أنكر معرفته بها. لكن الرسالة المقصودة وصلته واضحة ومحددة. وكانت أول مرة نسمع فيها هذا الاسم. وانتهي الاجتماع ولم تعلن الخطة التي طواها النسيان. أتذكر هذه الواقعة, وأنا أتابع أنباء عن خطة سيعلنها أوباما قريبا لتسوية النزاع. وأتساءل: هل ينتظر أوباما لغما مماثلا لقنبلة مونيكا, مع الاختلاف بالطبع في الأسباب وكيفية استغلال الظروف؟ إن أوباما وصل إلي البيت الأبيض, مدفوعا بقوتي دفع: الأولي رد فعل شعبي عارم, رافض لسياسات بوش, وما جلبته علي أمريكا من كوارث, وليست في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة, والثانية, أنه جاء يرفع علي حملته الانتخابية شعار التغيير, الذي لم يكن من اختراعه, لكنه كان تعبيرا عن تيار وطني تشكل عبر ثلاث سنوات. وتوالت أقوال أوباما وتحركاته السياسية في توليه الرئاسة, تنعش مناخا من التفاؤل فيما سيحققه حكمه, في الداخل والخارج. إلي أن بدأنا نري مع اقتراب اكتمال عام علي حكمه, تزايد مظاهر الاحباط وتراجع التفاؤل. أما عن احباط العالم الخارجي ونحن منه فإن التغيير يختلف مساره في السياسة الخارجية بشكل عام, عنه حين يتعلق الأمر بقضايا العالم العربي. فأوباما لم ينطق بمقولة التغيير, اختيارا وعن طواعية, لكنه كان نتيجة حسابات لكبريات المؤسسات السياسية, ومراكز صناعة القرار, داخل أجهزة الحكم, وخارجها, وجدت أن الأمن القومي لأمريكا الآن, يتعارض معه استمرار نفس الفكر الاستراتيجي, والسياسات التقليدية المتبعة, وأن العالم يتغير بصعود قوي بازغة خاصة في آسيا, وأن من شأن هذا الصعود أن يغير ميزان القوي, ويجذب إلي أيدي هذه القوي, كثيرا من خيوط إدارة العالم ومشاكله وأزماته, والتي تمسك بها الولاياتالمتحدة. وهو ما دفع أوباما نفسه لأن يعترف بهذا التحول, ويعلن أن أمريكا لن تستطيع الآن منفردة أن تحل مشاكل العالم, أو حتي التصدي للتحديات لأمنها القومي لكنها تحتاج إلي شركاء يتعاونون معها.. شركاء لديهم استراتيجيات, وآليات عمل, ورؤية واضحة, وأدوار إقليمية ودولية فما كان يشكل تهديدا للأمن القومي في فترة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية, وحتي انتهاء الحرب الباردة, لم يعد هو نفسه مايهددها الآن, حيث حلت محله مصادر جديدة للخطر والتهديد, وعابرة للحدود. أما عن العالم العربي وإسرائيل, فلا يمكن لمنطق التحليل السياسي, أن يغمض العين عن طريقة إدارة وصناعة السياسة الخارجية في أمريكا. فهناك عوامل داخلية لها سطوة عاتية علي صناعة القرار, أولها وأهمها جماعات المصالح وقوي الضغط, التي هي جزء أساسي من النظام السياسي. وحين يتخذ الرئيس قراره, فان قدرته علي الحركة, محكومة بتوازنات بين من يملك القدرة علي الضغط, من هذا الجانب أو ذاك. لقد اظهر أوباما رغبته في إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية, وطرح صياغة لرؤيته للحل تخرجه من كونه فقط نزاعا فلسطينيا وعربيا مع إسرائيل, وربطه مباشرة بالأمن القومي لبلاده, والذي يحميه حل الدولتين, والتسوية الشاملة للنزاع العربي الإسرائيلي. وقبل أن يعلن هذه الرؤية, كانت جماعات من الشخصيات ذات الوزن في الحياة السياسة فهم مستشارون للأمن القومي, ووزراء خارجية سابقون, قد وضعوا علي مكتب أوباما من أول يوم, أوراقا مكتوبة, تحمله مسئولية تغيير السياسات المتبعة تجاه العرب وإسرائيل, باعتبار أن هذا التغيير يتفق مع مصالح الأمن القومي الأمريكي. وكان يقابل ذلك علي الناحية الأخري, ضغوط أصحاب المصالح وقوي الضغط, المناصرة لإسرائيل, إما بتأثير ارتباطات مع القوة اليهودية, أو لأسباب ايديولوجية, أو انعكاسا لميراث ثقافة سياسية تري أن تأييد إسرائيل هو أمر مسلم به. ولما كان النظام السياسي, يسمح لكل طرف بأن يمارس ضغوطه, مستخدما مالديه من امكانات, تؤثر علي مصالح الولاياتالمتحدة, فان ترك العرب هذه الساحة المسموح لهم بالتحرك فيها فراغا, لابد أن يتيح الفرص للطرف الآخر, ليكون وحده الضاغط والمؤثر.. هذه هي طبيعة عمل النظام السياسي الأمريكي. ويبقي أن سياسات الدول هي حركة استراتيجيات, وموازين قوي, وضغوط من هنا وهناك, فاذا ظل الموقف العربي ملتزما بسكونه المزمن, فليس مستبعدا أن تأتي خطة أوباما متضمنة أفكارا تميل إلي ناحية مطالب إسرائيل, علي حساب المصلحة الفلسطينية والعربية, فهو في النهاية رئيس قوة كبري, تحركها استراتيجية هدفها مصالح أمنها القومي, ونظام سياسي داخلي له طريقة عمله.. فهل من نهاية لهذا الركود الاستراتيجي العربي الأزلي؟!