بكل الحسابات السياسية، يعتبر الاجتماع الذى عقده الحزب الوطنى الديمقراطى يوم الأربعاء الماضى، اجتماعاً غير عادى بدءاً من حضور الرئيس حسنى مبارك له بوصفه رئيس الحزب وزعيمه مروراً بالمستويات التنظيمية التى حضرته حيث شمل الحضور أعضاء المكتب السياسى وأعضاء الأمانة العامة وأمناء اللجان المركزية النوعية وهيئات مكاتبها، وأمناء المحافظات وأعضاء المجلس الأعلى للسياسات، إلى جانب رئيس مجلس الوزراء وعدد من الوزراء انتهاء بإطلاق السيد جمال مبارك لبرنامج الحزب فى الانتخابات التشريعية القادمة. هذا الاجتماع كان ذا أهمية خاصة وزادت أهميته مع الخطاب الذى ألقاه الرئيس مبارك ليس فقط بوصفه رئيس الحزب بل بصفته الأهم والأبرز وهى كونه رئيس كل المصريين وقائد الأمة المصرية العظيمة. فى بداية هذا الاجتماع المهم تحدث السيد صفوت الشريف الأمين العام للحزب وقدم قائد الحزب والأمة مؤكداً أن شعب مصر فخور بقيادة زعيمه حسنى مبارك، ووسط تصفيق حاد ومستمر جاءت كلمة الرئيس لتشرح بدقة طبيعة المرحلة التى تمر بها البلاد، وخصوصاً وهى تستعد لانتخابات بالغة الأهمية حيث يسعى الحزب الوطنى بعد اختياره لمرشحيه، لكسب ثقة وأصوات الناخبين وفى إشارة واضحة تدل على متابعة الرئيس لعمليات الاختيار قال لمن لم يحالفهم التوفيق فى هذا الاختيار، بعبارات تحمل كثيراً من الود والتقدير لأدوارهم أن الحزب يحمل لهم جميعاً كل الفخر والتقدير والاعتزاز، وأن الباب سيظل مفتوحاً أمامهم للترشح فى انتخابات قادمة.. ودعا الرئيس الذين لم يتم اختيارهم لمواصلة أدائهم الحزبى مؤكداً أن الحزب الوطنى سيظل فى حاجة لإسهامهم وجهودهم على ساحة العمل الحزبى والوطنى باعتبارهم أبناء الحزب وأبناء الوطن فى الوقت نفسه. وضع الرئيس مبارك قيادات الحزب الوطنى أمام مسئولياتها السياسية والحزبية بل الوطنية حينما أكد أكثر من مرة على أن الحزب يسعى لكسب ثقة الناخبين وأن مرشحى الحزب تقع عليهم مسئولية كبيرة وهم يواجهون منافسة قوية مع الأحزاب الأخرى فى انتخابات ارتضى الجميع - وفق قواعد الممارسة الديمقراطية - أن تكون إرادة وصوت الناخبين هى الفيصل والحَكَم. لقد أعرب الرئيس مبارك عن اعتزازه بما تحقق لوضع أسس الإصلاح وترسيخ دعائمه، وقال: «لقد مضينا فى خطوات صعبة كى يتحول اقتصادنا من نظام مركزى موجه من الدولة، لنظام يعتمد على المبادرة ودور القطاع الخاص، نجحنا فى مضاعفة قيمة الناتج المحلى الإجمالى، زادت تدفقات الاستثمار نحو عشرين مرة عما كانت عليه منذ خمس سنوات، ضاعفنا صادراتنا غير البترولية، أتحنا أكثر من 4 ملايين فرصة عمل جديدة، قمنا بتوصيل خط الغاز حتى أسوان، أقمنا طريق «الصعيد/ البحر الأحمر» ووضعنا محافظات الصعيد فى قلب جهود التنمية الشاملة. نعتز بما حققناه لزيادة الدخول الحقيقية لفئات عريضة من المواطنين، ومضاعفة أجور العاملين بالجهاز الإدارى بالدولة من المعلمين والأطباء وغيرهم، نجحنا فى تطوير قانون المعاشات، ومضاعفة عدد المستفيدين من بطاقات التموين ومساعدات الضمان الاجتماعى، مضينا فى جهود تطوير التعليم وخدمات الرعاية الصحية، وبرامج الاستهداف الجغرافى للفقر، وحققنا إنجازا غير مسبوق فى مشروعات محطات المياه والصرف الصحى، إننا نعتز بكل ذلك، وبغيره مما حققناه من خطوات الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى كما نعتز بما حقنناه من إصلاح سياسى، أعطى لحياتنا السياسية زخما جديدا جعل اختيار رئيس الدولة بانتخابات تعددية وتنافسية مباشرة، بدلاً من الاستفتاء على مرشح واحد، وعزز دور البرلمان واستقلال القضاء، وأكد على التوسع فى اللامركزية دعما لدور المحليات. وأضاف أننا فى الحزب الوطنى، نعتز بأننا تعاملنا مع قضايا الداخل المصرى، واضعين نصب أعيننا قضايا منطقتنا والعالم من حولنا، وسط منطقة صعبة بصراعاتها وأزماتها، وعالم يموج بالتحديات والتحولات، نجحنا فى أن نجنب مصر وشعبها ما لحق بدول أخرى فى منطقتنا وخارجها من ويلات ودمار، لم يغب عنا للحظة ما يهدد أمن مصر القومى من تحديات ومخاطر، وما يهدد أمن مواطنينا من قوى الإرهاب والتطرف، والمحاولات المتتالية للنيل من وحدة أبناء الوطن، من المسلمين والأقباط. إن هذا قليل من كثير، حققناه خلال السنوات الخمس الماضية، وإننا إذ نحمل مشاعر الفخر والاعتزاز بهذا السجل المشرف، نقبل على الانتخابات المهمة القادمة وأعيننا على المستقبل، وما نتطلع لتحقيقه لمصر وأبنائها، إننا نخوض الانتخابات المقبلة، بسجل مشرف لما تحقق على أرض الواقع، وعلى امتداد أرض الوطن، سجل حافل هو نتاج الرؤية الاستراتيجية الحاكمة التى طرحها الحزب للتعامل مع مختلف السياسات العامة وقضايا التغيير والتطوير والإصلاح على كافة محاوره. إصلاح سياسى عززته التعديلات الدستورية عامى 2005 و2007، استهدف ترسيخ دعائم نظامنا الجمهورى وإرساء أسس دولة مدنية حديثة بما تعنيه من الابتعاد بالدين عن السياسة، وإعلاء مبدأ المواطنة، وتعزيز استقلال القضاء، وتدعيم دور البرلمان وضمان توسيع قاعدة المشاركة السياسية للأحزاب، وتفعيل مشاركة المرأة، والتوسع فى اللامركزية، ونشر قيم الوسطية والاعتدال.. والثقافة الداعمة للتطوير والتحديث والتنمية. إصلاح اقتصادى أعاد صياغة دور الدولة، لتلعب دور المنظم والمراقب للنشاط الاقتصادى، إصلاح اجتماعى.. كان وسوف يظل فى قلب سياسات وأولويات الحزب.. يسعى لتوسيع قاعدة العدالة الاجتماعية.. يولى أكبر قدر من الرعاية للفئات الأكثر احتياجاً». لقد حرص الرئيس على تقديم كشف حساب للمواطن والناخب معتزاً بما تم تحقيقه خلال السنوات الخمس الماضية، وبإدراك سياسى لا يغيب عن عين المراقب، أكد الرئيس فى قراءة مهمة وواعية للمستقبل أن انتخابات مجلس الشعب ونتائجها سوف تحدد مسار العمل الوطنى خلال السنوات الخمس القادمة ولكنه أعرب فى نفس الوقت عن ثقته فى قدرة الحزب الوطنى على قيادة العمل الوطنى موضحاً أن العمل الحزبى والوطنى مسئولية وعطاء. ولأن الحزب يدرك أنه مقبل على هذه المرحلة ويدرك أكثر أن مرشحيه سوف يخوضون منافسة شرسة فقد اعتبر الرئيس هذا السجل المشرف الذى تحقق خلال السنوات الماضية ما تحقق فى الواقع لا يمثل نهاية المطاف، فمصر كغيرها من الدول، لا تزال أمامها المزيد من العمل الشاق لتحقق آمال وتطلعات أبناء شعبها، ولأن عين الرئيس ونهجه الدائم هو الانحياز لأبناء الوطن وفى مقدمتهم البسطاء والفقراء ومحدودى الدخل فقد أشار فى جملة لا تخلو من دلالة تؤكد اهتمامه الأول أنه لا يزال هناك من أبناء شعبنا، من لم تصلهم بعد ثمار ومنافع الإصلاح والنمو والتنمية، لا يزال هناك من ينتظرون فرصة للعمل والرزق الكريم.. ومن ينتظرون أن تصل إليهم شبكات الضمان الاجتماعى والتأمين الصحى.. ومن يتطلعون إلى خدمات أكثر تطوراً.. فى التعليم والرعاية الصحية والمواصلات والإسكان والمرافق. هناك من الفقراء والبسطاء من يعانون عناء الحياة.. ومن الفئات محدودة الدخل من يعانون ارتفاع الأسعار ونفقات المعيشة.. هناك من يشعرون بالقلق على مستقبل أسرهم.. ويحتضنون آمالاً وطموحات لأنفسهم.. وللأبناء والأحفاد، لهذا يخوض الحزب الوطنى الانتخابات القادمة وعينه على هؤلاء، على أبناء الشعب ويأتىبرنامجه الانتخابى من أجل المزيد من النمو وفرص العمل وتحسين الدخول.. والمزيد من التصدى للفساد. والحماية للأسرة المصرية، والسيطرة على التضخم وضبط الأسواق والأسعار.. من أجل البسطاء والفقراء والمهمشين.. لسكان العشوائيات والقرى الأكثر حرمانا واحتياجا.. لمن لم تصلهم بعد خدمات الصرف الصحى.. للساعين للمسكن اللائق، والتعليم المتطور، والتأمين الصحى الشامل لأسرهم.. للفلاحين بمزارعهم فى القرى والنجوع.. لأصحاب المعاشات.. للعمال فى مصانعهم وورشهم.. لأبناء الطبقة المتوسطة المصرية الآخذة فى الاتساع.. ولأهالى المحافظات المتطلعين للمزيد من اللامركزية.. لكل هؤلاء، ولكل أبناء الشعب.. يطرح الحزب.. برنامجه الجديد أمام أبناء الشعب.. لنبنى على ما تحقق لهم وبهم منذ عام 2005. عندما يتحدث الرئيس مبارك عن برنامج الحزب.. هذا البرنامج الذى يتعهد بتحقيق أهداف محددة على المستوى القومى خلال السنوات الخمس القادمة فإنه يتحدث عن انطلاقة جديدة للمجتمع المصرى ككل، انطلاقة تعزز البناء الديمقراطى وتعطى الأولوية للاستثمار والنمو وفرص العمل ورفع مستوى معيشة المواطنين، انطلاقة ترتقى بمستوى أفضل للخدمات وتساعد على توسيع قاعدة العدل الاجتماعى وتستمر فى الدفاع عن أمن البلاد القومى وسيادتها ومصالحها العليا وتحمى وتصون أراضى وشعب مصر من أية مخاطر أو تهديدات. يؤمن الرئيس مبارك أن ما تشهده ساحة العمل الوطنى من تعدد فى الرؤى الحزبية وتوجهاتها هو أحد مصادر قوة الوطن وحيويته ويؤمن الرئيس ويعتز بتجربة المرأة المصرية ومشاركتها فى العمل الحزبى والعام ويؤمن بقدرة المرأة المصرية على أداء دور متميز سواء فى الانتخابات أو تحت القبة ويزيد إيمان الرئيس وتصميمه بإرادة سياسية ترتكز على قناعات ديمقراطية بأن الانتخابات التشريعية القادمة سوف تجرى فى أجواء حرة ونزيهة تحت إشراف اللجنة العليا ومراقبة منظمات المجتمع المدنى المصرية وسط مشاركة واسعة من الناخبين للتعبير عن إرادتهم واختياراتهم ويبقى الإيمان السياسى الأكبر للرئيس وهو قدرة المصريين على صناعة المستقبل والمضى قدما للأمام كأمة واحدة وشعب واحد. لقد كان خطاب الرئيس فى اجتماع الحزب الوطنى خطابا للمستقبل وصناعته، انطلق مما تحقق وأعاد التأكيد على ثوابت وسياسات الرئيس مبارك منذ توليه المسئولية وحتى الآن. إنها سياسات استندت على الانحياز لقضايا الوطن والمواطن وخصوصا البسطاء والفقراء ومحدودى الدخل وسياسات لم تفرق بين أبناء الوطن الواحد وظلت ملتزمة بنهج الدولة المدنية الحديثة والمواطنة التى لا تفرق بين المصريين فتقدم الأمم والشعوب لا يتحقق كما يقول مبارك إلا بتضافر جميع أبنائه.