أحد من معهد أسيوط إلي أن يكون أول القطر, وقد آثر بحكم ميله إلي الثقافة والأدب, أن يدرس في كلية اللغة العربية المنشأة لتوها مع تطوير التعليم الأزهري وإنشاء الكليات الجامعية, وسرعان ما عبر عن نفسه. ذهب إلي لقاء ربه راضيا مرضيا شيخ المجمعين والأزهريين, والسياسيين, والوطنيين, والأكاديميين جميعا.. الأستاذ الدكتور الشيخ محمد نايل.. الذي كان طيلة حياته منارة حب وعرفان, وراية ثورة وإصلاح, وعلما علي اقتران الكفاح بالصلاح, والولاء بالعطاء, والأخوة بالوفاء في سبيكة نادرة لم تتح علي مدي تاريخنا إلا للندرة النادرة, ويكفي أن نذكر أن هذا الرجل العظيم كان من أبرز قادة ثورة الأزهر في الثلاثينيات, وهي الثورة التي فجرت ثورة الطلبة في1935, وقادت زعماء الحركة الوطنية في الأحزاب المختلفة إلي العودة إلي الائتلاف والتعاون, مما مهد للنجاح الذي أحرزته مصر بتوقيع معاهدة1936, ثم بإلغاء الامتيازات الأجنبية في العام التالي, ومنذ ذلك الحين ظل اسم الرجل العظيم علامة علي كل رغبة مدروسة في التقدم, وعلي كل نية حسنة تتجه إلي الاصلاح. وقد قاد رحمة الله زملاءه وتلاميذه, بمن فيهم الباقوري, والشعراوي وغيرهما من أعلام الأزهر في القرن العشرين, إلي مزج السياسة بالعلم, وإلي تطعيم الدراسة بالوطنية, وإلي تنقية العمل الوطني من النمطية والانتهازية معا, وإلي الارتفاع عن الصغائر, وإلي الانحياز للقيمة, وإلي حب المنهج, ونهدان الأفضل, وقد آثر لنفسه أن يبحث في الأدب والبلاغة, وأن يعيد إلي الأذهان الأكاديمية مجد الدراسات البلاغية الأولي, وأن يثبت لها طابعها العلمي, وأن يبحث فيها عن عناصر التميز والتفوق, وأن يصوغ من كل هذه الاجتهادات رسالة للأستاذية مقارنا البلاغة في عصري السكاكي والجرجاني, وقد كانت رسالته من أوائل الرسائل العلمية التي نوقشت في جامعة الأزهر, ونال عنها تقدير أساتذته ومناقشيه في الأزهر ومن خارجه, ثم التفت إلي بناء جيل من أساتذة الأدب العربي في الجامعة الأزهرية, ورحب بكل ما كان يستطيع الافادة به من مؤلفات المعاصرين وبحوثهم, بل توجهاتهم أيضا, واتسع صدره لقبول الاختلاف, بل وتقبل الشطط( حتي وإن كان قبولا علي مضض) ذلك أنه كان بحكم ثقافته الرفيعة, يدرك طبيعة الأدب, وخصوصية النقد. ولد عليه رحمة الله في مطلع العام التاسع من القرن العشرين في دشلوط, وهي إحدي قري ديروط في محافظة أسيوط, وانتظم في التعليم التقليدي الذي كان أقرانه ينتظمون فيه, وسرعان ما أتم حفظ القرآن الكريم وهو في الثانية عشرة من عمره, مما أهله للالتحاق المبكر بالأزهر الشريف, وكان أول الثانوية الأزهرية علي مستوي القطر المصري كله(1931), ولم يسبقه وعن أمنياته, وعن توجهاته بالثورة, وشارك في الثورة علي الشيخ الظواهري, فكان الفصل من الدراسة جزاءه, ثم كان واحدا من الذين أعيدوا لدراساتهم مع عودة الشيخ المراغي شيخا للأزهر, وسرعان ما أنجز دراسته ثم تابع دراساته العليا حتي نال الدكتوراة مبكرا(1943), ومنذ نال الدكتوراه وحتي رحيله وهو الأستاذ الأثير للبلاغة والأدب والنقد, ورئيس قسمها, وعميد كلية اللغة العربية(1967), ثم هو الأستاذ والعميد المؤسس في السعودية وليبيا, ثم هو الأستاذ المتفرغ في مصر. كان الشيخ محمد نايل رمزا للاصلاح وللدعوة إليه, والعمل من أجله( دون نظر إلي تمذهب أو تحزب), ولهذا فقد كان في بداية حياته ممثلا لطلاب الأزهر في مكتب الارشاد الخاص بجماعة الاخوان المسلمين في مطلع عهده, كذلك كان في كهولته ممثلا للأزهر الشريف في المؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي(1967 1971).. وكما تذكر له مصر دوره في تطوير تعليمها الجامعي والأزهري, فإن الأمة الاسلامية تذكر له دوره في إنشاء دار التوحيد بالطائف( وهي ثاني أهم المعاهد التعليمية المستحدثة في السعودية) فيما بين1949 و1951, كما تذكر له دوره في إنشاء الكليتين اللتين كانتا نواة لانشاء جامعة الامام محمد بن سعود بالرياض, ثم لانشاء الكلية التي كانت نواة لانشاء جامعة الملك عبدالعزيز بجدة, ثم في إنشاء الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة, وجامعة بنغازي بليبيا. رحمه الله.. فقد عاش لأمته أكثر مما عاش لنفسه, وعاش لوطنه بأكثر مما عاش لأسرته, وعاش لفكره أكثر مما عاش لمذهبه, وعاش لتلاميذه أكثر مما عاش لمؤلفاته, وعاش لأخلاقه أكثر مما عاش لأعماله. المزيد من مقالات د. محمد الجوادى