كتبت جيهان الغرباوي:داخل الصيدلية التي تهشمت ابوابها الزجاجية من اثر الانفجار الشديد في كنيسة القديسين, قابلت رجلا عجوزا سألني بلهفة وكأني اعرف كل الاجابات: متي سينتهي حظر التجول, انا اعمل هنا منذ سنوات طويلة, والان اغلقنا الصيدلية, اين نذهب وكيف نعيش؟ حاولت ان افتعل اجابة مقنعة فقلت له: شكلك متعب للغاية, اعتبرها اجازة لتستريح. هز رأسه ينفي التعب, وقال: أنا حزين.. حزين.. لكني لا احب الاجازات! ذلك الرجل العجوز الذي يعمل في صيدلية الدكتورة بثينة في شارع خليل حمادة, ليس الشخص الوحيد القلق بشأن حياته و(أكل عيشه), وما تحمله الايام القادمات لسكان هذا المكان..فلا أحد يعلم متي سترحل قوات الامن, وصفوف العساكر المدرعة التي تسد الطريق من كل اتجاه, ولاشيء يضمن ان ينتهي( القلق) قريبا, وتترك العربات المصفحة العملاقة ارصفة هذا الشارع المنكوب, وتعود من حيث اتت. السكان يترقبون يوميا ان تعود الحياة الطبيعية في المنطقة, ويتخوفون ان يدوم(وقف الحال), وبعضهم قال انه مضطر لإغلاق محله الي اجل غير مسمي, وجميعهم يسأل( هو هايبقي موت وخراب وديار)؟! تركية عبدالمنعم ام وربة منزل نزلت الشارع بجلبات البيت تجري نحو محل المنظفات القريب منها حين علمت ان عم جورج صاحب المحل, ينوي اغلاقه, خشية ان يتعرض للهجوم او طوب المظاهرات, او اي اعمال شغب غاضبة في الشارع, وتكمل لنا السيدة تركية تقول: عم جورج جارنا وعشرة عمر, بعد الحادث قلت له, افتح محلك وانا هنا(معاك, ووقفالك ومحدش يقدر يهوب لك طول ما احنا حواليك), ولن نسمح ان تدمر الفتنة حياتنا مع بعض, صحيح انا فعلت مثله تقريبا حين خشيت ان تذهب ابنتي لمدرستها(سيكرت هارت القلب المقدس), لكن ذلك كان في اليوم التالي للحادث مباشرة, اما الان فهي تذهب للمدرسة عادي, ولم نعد نتمني غير ان ترفع المتاريس الحديدية من الشارع, وتعود الحياة الطبيعية دون ان يسألنا الظباط عن البطاقة وسبب دخول الشارع من هنا أو من هناك. أحمد بكر موظف بشركة المياه قال ان زوجته واولاده تركوا الشقة وذهبوا ليعيشوا عند حماته بعيدا عن الشارع الذي لم يعد مأمونا بسبب المظاهرات وتوقع تدخل الشرطة في اي وقت بالقنابل المسيلة للدموع او حتي مواجهات مباشرة( بالضرب) ولايعرف احد كيف يحمي زوجته او اطفاله وقتها. وحكي مختار الفقي فني تركيب كابلات انه شديد القلق علي اولاده, ومع ذلك لايستطيع ان يمنعهم من الذهاب لشارع خليل حمادة يوميا في الليل, لانهم يأخذون دروس الثانوية العامة عند مدرس هناك, ولا يستطيع تعطيل دراستهم والعبث بشيء يخص مستقبلهم لوقت لايعلم غير الله متي ستكون نهايته. والمهندس ايمن حسني, اشار للسيارات المحطمة تحت عمارته وقال انه اغلق محل اجهزة الكومبيوتر الذي يمتلكه خوفا مما لاتحمد عقباه, ويفكر ان يترك بيته مؤقتا ويذهب للعيش عند بعض اقاربه الذين يعرضون استضافته مع الاسرة, الي ان تزول الغمة. أما الدكتورة بثينة كريم صاحبة الصيدلية شديدة القرب لكنيسة القديسين محل الانفجار, فقد قالت وهي تتفقد الزجاج المهشم تحت قدميها: ربنا يعوض علينا.. انا لا انتظر ولا اتوقع ان تعوضني الحكومة, لكن الوضع لو دام علي هذا الحال(مش هانلاقي نأكل عيالنا).., هذه الصيدلية مصدر الرزق الوحيد لكل من يعملون بها,ماذا سيفعلون ونحن مضطرون لإغلاقها؟, لا أحد يمشي في الشارع بسبب حظر التجول, و(مستشفي جيهان) اغلقوا بابها المفتوح علي شارعنا والمواجه للصيدلية تماما, ومستشفي( مار مرقص) القريبة عليها حراسة مشددة ودخولها ممنوع علي كل من ليست له صلة قرابة بالمرضي, ماذا سنفعل ؟ رحمتك يارب... ملحوظة: في نفس الشارع فرن ومحل ذهب ومكتب لشركة نقل ودكان بقالة وباعة علي باب الله, يفترشون مكانا ثابتا علي الرصيف المواجه للجامع والكنيسة منذ سنوات, وحتي اليوم لم يستطع احد سماع شهاداتهم او الحديث اليهم لانهم تركوا الشارع واغلقوا المحال حتي اشعار جديد!