ربما يطرح التفجير الدامي الذي حدث أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية, و الذي راح ضحيته أكثر من عشرين مواطنا مصريا, فضلا عن العشرات من الجرحي والمصابين, سؤالا مركزيا يتصل باللحظة الراهنة, تلك اللحظة المأزومة علي مسارات مختلفة, ومستويات متعددة. الواقع أن قيم المواطنة أصبحت الآن علي المحك, بما يستلزم حضورا أشد للجماعة الثقافية في هذا الهم العام, والمنفتح علي جرح الوطن, وبما يعني أن يصبح سؤال التلاحم الوطني هاجسا أساسيا لدي جمهرة المثقفين, أولئك الذين غابوا, أو تم تغييبهم, عن المشهد الحياتي الراهن, لنعيد معا الاعتبار إلي مفهوم المثقف العضوي, الملتزم بتاريخه, والملتحم بواقعه, والمنغمس في قضاياه, الساعي دوما إلي الانتصار لقيم الحداثة, والتقدم, والحرية, المنحاز إلي الاستنارة بوصفها خيارا أصيلا للدولة المصرية في لحظتها الآنية. هذه اللحظة التي تمور بتباينات فكرية, وتماوجات أيديولوجية مختلفة, ولو كان هناك اتكاء علي أساس يلتف حوله المجموع الآن, فإنه ولابد من أن يصبح سؤال التلاحم الوطني, بوصفه سؤالا يتصل بالحاضر, وينفتح علي المستقبل, لنؤسس معا عقدا اجتماعيا جديدا يستند علي العدل, والحرية, والمساواة, تصبح نقطة البدء فيه( لا إكراه في الدين) نعيد مساءلة ماكان, لنصحح ما هو قائم, نراجع الماضي لنبني عليه, ونهدمه في آن, نفعل الممارسة الإيجابية وننميها, ونعالج التراكمات السلبية حتي نجنب القادم إياها. لقد أصبح التعصب جزءا من مناخ عام, يمتزج فيه الذاتي بالموضوعي, فتآكل الطبقة الوسطي أفضي الي افتقاد المجتمع لآليات التوازن الطبقي, والمد السلفي وجد ضالته في الظرف المعيشي الراهن, وبما أفضي إلي خلق أجواء ذات طابع منغلق, يوظفها التيار الأصولي لتحقيق غاياته, وأغراضه, وبما يشي بأن هذا العمل الإرهابي محاولة دنيئة للنيل من هيبة الدولة المصرية. إن حاجات المصير المشترك, واللغة الواحدة, والجغرافيا المسكونة بتاريخ من الكفاح بين رافدي الأمة يمثل حجر الزاوية في صياغة وعي جديد, ومغاير, وعي يحتفي بقرابة الوطن الواحد ويقدمها, يؤمن بالتعدد, ويحتمي بالتسامح, يكره العنف, ويدين التطرف, يتأسس علي عناصر الثقافة الوطنية المصرية, فيعيد الاعتبار لمفهوم( الدولة المدنية) كصك وجود, ومنظور أصيل للحياة والعالم. وفي سياق بالغ التعقد والتشابك كالذي نحياه الآن, صارت وياللكارثة إثارة النعرات الطائفية ديدناي, وهاجساي لبعض القنوات التي تتوسل بالدين. وأصبحنا نري تحريضاي علنياي علي الفتنة بين عنصري الأمة, إن الميديا الخادعة التي تدغدغ مشاعر البسطاء تحت العباءة الدينية, تلعب الآن دورا معتما في شغل الرأي العام بقضايا هامشية, و إذكاء روح الفتنة بين أبناء الوطن الواحد, والمؤسف أننا قد نجد حفنة من أنصاف المثقفين قد تورطوا في الأمر, وأصبحوا لاعبين أساسيين في مسرح العبث بالناس والوطن, فيؤجرون أدمغتهم لمن يدفع أكثر, يحكمون الماضي في الحاضر, ويجعلون من التراث أداة وحيدة للتعاطي مع المستقبل. وبدلا من أن نري حثا علي قيمتي العلم والعمل, وتكريسا للعقلانية, والاستنارة, نري ترويجا للتطرف, والخرافة, والدجل, ارتزاق رخيص يتاجر فيه البعض باسم الدين, والدين كشأن سماوي مقدس براء من هذا كله, وفي لحظه فارقة سياسية/ ثقافية كالتي نحياها الآن, لحظة تمثل انعطافة تاريخية, تبدو فيها الجموع حائرة مرتبكة, والنخب خائفة مهادنة, يجب علي المثقف أن ينحاز وبشكل قاطع إلي ناسه, أن يتعامل مع الثقافة ليس بوصفها مجرد تجسيد لأنماط الإنتاج الإبداعي, والفكري, أو أنها مسلك حياتي, تنبيء عنه الممارسة اليومية فحسب, ولكن بوصفها في الأساس فعلا أصيلا للتحرر الإنساني, والأداة الرئيسية لتشكيل وعي الأمة ووجدانها, يتعامل معها بوصفها تعبيرا أصيلا عن قيم التسامح, والتقدم, والتنوير, الثقافة كشرط بقاء لمجتمع يريد البعض أن يعيده الي الوراء, أن يهرب به إلي الماضي, متذرعا بحجج واهية, تحقيقا لمكاسب هزيلة, تأتي علي جسد الناس و الوطن. إن الأقباط شركاء معنا في الوطن, لهم ما لنا, وعليهم ما علينا, نشكل معا نسيجا فريدا, ونبيلا في آن, نسيجا تعرفه مصر وحدها, وعبره تكتشف صوتها الحقيقي, صوت الإخاء, والمواطنة, والمحبة العارمة لوطن يسكننا, افتديناه معا, وسنفتديه دوما, وسنقف صفا واحدا ضد الإرهاب, والتطرف, هادفين إلي الحفاظ علي الوطن, ولاشيء سواه.