صحيح أنها مجرد عشرة أعوام أنقضت من عمر القرن الوليد. لكن أول عقود القرن كان بمثابة ألف عام و في الأغلب أن كل ما سيأتي بعده سيكون مجرد تباعات لما كان من أمره. فأوروبا مثلا جرت بها خلال السنوات العشر الماضية الكثير من التحولات الفارقة و تبدلت علاقات دولها ببعضها البعض وعلاقتهم بالعالم. فالقارة البيضاء كانت تتفاعل بطريقتها مع قضايا عالمية الطابع مثل الإرهاب والأزمة الإقتصادية, و في الوقت نفسه كانت تتعامل بنكهة أوروبية خالصة مع ملفاتها مثل الثورات الملونة سعيا للديمقراطية, توسعة الإتحاد الأوروبي ومساعي القارة للوحدة, و إنعطاف القارة يمينا بعد أن كانت التسعينيات إعلانا لازدهار يسار الوسط وهيمنته سياسيا ليواجه الأن مصيرا مجهولا. مثل أمريكا و العالم, كانت إعتداءات11 سبتمبر علامة فارقة بالنسبة إلي أوروبا. فعند صياغة المسألة علي أنها صداما بين حضارات و ثقافات من الطبيعي أن تجد أوروبا نفسها في خندق واحد مع الولاياتالمتحدة وتشارك في حربها العالمية ضد الإرهاب وتدخل المستنقع الأفغاني.لكن أحداث العقد الإرهابية والتي نالت أوروبا منها نصيبا عظيما, فتحت ملفات شديدة الحساسية بخصوص صدق إندماج و مواطنة الجاليات المسلمة بأبعاده الأمنية و الإجتماعية, بل منحت صوتا و جددت المخاوف أسلمة أوروبا التي كانت تدور همسا ثم علت نبرة المحذرين منها بلا مواربة. فكان هناك مثلا إكتشاف أن منفدي إعتداءات7/7 اللندنية( يوليو2005) من الجيل الثاني من المهاجرين الذين تلقوا تعليمهم و شبوا في كنف بريطانيا ليروا انها مجرد دار حرب يتوجب الجهاد ضد أهله و لا يعرفون لهم أوطانا إلا أوطانهم الأم في باكستان وبنجلاديش و الصومال.التعامل الأوروبي مع هذه المسألة كان مزيجا من محاولات التقارب مع قيادات وعناصر ذات عقل راجح داخل الجاليات المسلمة, علاج أسباب الحنق لدي أبناء الجالية مثل عدم عدالة الفرص الإجتماعية والمهنية المتوفرة لهم داخل المجتمعات الأوروبية وطبعا القضية الأزلية بخصوص فلسطين. و هناك أيضا مسعي به قدر من العصبية للحفاظ علي هوية المجتمعات الأوروبية وإجبار الجاليات المسلمة علي الإنصياع لقيم وعادات أوطانهم الجديدة, فكانت أزمات من شاكلة حظر بناء المأذن في سويسرا(2010) والتي انتشرت كعدوي في أوروبا, حظر فرنسا للرموز الدينية و في مقدمتها الحجاب(2004), وأزمات النقاب في بريطانيا(2006) و فرنسا(2010). كلها أزمات تعكس التوجس و غياب التفاهم المتبادل بين أوروبا ومسلميها. بخلاف ملف الإرهاب, فعلاقة أوروبا بالجاليات الأجنبية- مسلمة و غير مسلمة- تتقاطع مع ملف الهجرة. أوروبا خلال العقد الماضي واجهت تحديين مع لونين من الهجرة أولهما تنامي الهجرة غير الشرعية متمثلة في قوارب محملة بوارد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مثيرة جدلا حول الحقوق الإنسانية للواردين والصعوبات القانونية الحائلة دون سهولة وسرعة ترحيلهم و الضغط الذي يشكلونه علي مرافق الدول, فضلا عن الأزمات الإجتماعية و الحساسيات الإثنية التي يفجرونها كضيوف غير مدعوين في مجتمعات تعاني من البطالة. حاولت أوروبا التعامل مع قصور آليات حل الأزمة, فكان إنشاء عدد من الهياكل الجديدة من بينها فرونتيكس(2005) للتعاون في إدارة المناطق الحدودية بين دول الإتحاد الأوروبي, أعضاء مجموعة الشينجين, و غيرهم من دول القارة, و التي نشرت رجالها قبل إنقضاء العقد بأسابيع في أول مهمة طواريء لها علي الحدود بين تركيا و أثينا في محاولة للسيطرة علي تدفق المهاجرين غير الشرعيين عبر هذا المنفذ. وهناك أيضا الوقاية قبل العلاج بالتعامل مع جذور الأزمات التي دفعت براكبي القوارب إلي قلب المتوسط بدعم برامج تنموية وسياسية واسعة في كبري الدول المصدرة لهذه الظاهرة. أما اللون الثاني من الهجرة فكان في الوافدين إلي دول أوروبا الغربية من شقها الشرقي الذي أنضمت دوله إلي الإتحاد الأوروبي خلال العقد الماضي. كانت هذه الموجة من المهاجرين نعمة مزدوجة علي الدول الأوروبية, فهي من جانب تسد حاجتها لعمالة رخيصة الثمن ترضي بالمهن التي يستنكف عن إمتهانها أبناء أوروبا الغربية, و في الوقت نفسه تكون ذات ثقافة وعادات إجتماعية إن لم تكن متقاربة. لكن عمالة شرق أوروبا تدفقت بشكل يفوق التوقعات لتشكل ضغطا عظيما علي المرافق و تثير حفيظة الساعين وراء فرصة عمل من أبناء الدول المضيفة. بذكر مهاجري الشرق الأوروبي, يذكر أن أول عقود القرن شهد أكبر حركة توسع في تاريخ الإتحاد الأوروبي تمت علي مرحلتين أولهما في مايو2004 والثانية في يناير2007, ليتجه الإتحاد شرقا و يرفع إجمالي عدد الدول الأعضاء إلي27, في انتظار حركة التوسع السابعة بإنضمام عدد من دول البلقان التي قد يتأخر مرادها قليلا مع تداعيات الأزمة المالية. أما تركيا, فأن مفاوضاتها التي تقدمت بطلب الإنضمام لاول مرة عام1987, فمازالت في إنتظار الرضا الأوروبي ويتوقع أن لا يحسم ملفها قبل عام2015, خاصة مع التصريح المباشر من قبل عدد من الدول الأعضاء(فرنسا و ألمانيا الأكثر رفضا وبريطانيا الأعظم تشجيعا) برفضهم إنضمام أنقرة وعرض حلول وسط مثل وضعية شراكة مميزة مثلا.مسألة التوسع عامة كان يلزمها إرادة أوروبية موحدة لتطوير تشريعات ومؤسسات الإتحاد. صحيح أن العقد بدأ بإنقسام عنيف بين دول أوروبا بسبب جدلية المشاركة في حرب العراق وتصريحات وزير الدفاع السابق في الولاياتالمتحدة دونالد رامسفيلد حول أوروبا القديمة المتمثلة في فرنساوألمانيا, وتلك الجديدة مثل بولندا و بالطبع بريطانيا. لكن مسألة الإنقسام الأوروبي تشبه موجات المد والجزر, تتجدد و تتراجع, كما كان الحال مع الأزمة المالية الأخيرة والخلاف حول خطط إنقاذ الإقتصاد اليوناني من تعثره. كذلك الحال مع مشروع تطوير مؤسسات الإتحاد الأوروبي و تشريعاته للتعامل مع التوسع المستمر في رقعته المطروحة منذ عام2001 في هيئة دستور موحد لمخاوف الدول الأعضاء من شبح الفيدرالية الأوروبية. ثم جرت عدة تعديلات عليه وطرحه كمعاهدة باسم معاهدة لشبونة. بخلاف هذا الإنجاز, شهدت القارة الأوروبية تحولات سياسية بارزة خلال العقد الماضي. أهمها كان سقوط تيار يسار الوسط من علي منصة الحكم الأوروبية التي احتلها خلال تسعينيات القرن الماضي, مفسحا المجال أمام يمين الوسط الذي جاء مرتديا عباءات جديدة في كل من فرنسا و بريطانيا و غيرهما. و لكن المقلق هو الحضور البارز لتيار اليمين المتطرف علي الساحة السياسية والبراهين عليه تتراوح بين إنجازاته السياسية كما هو الحال في الانتخابات المحلية بعدد من الدول. صعود تيار أقصي اليمين سياسيا, جاء مصحوبا بفوران التنظيمات اليمينية المتطرفة والحركات المعادية للمهاجرين و الأقليات. و الأسباب وراء ذلك تتنوع بين فشل اليسار الأوروبي في تجديد نفسه وعمق الخلافات داخل صفوفه, ناهيك عن استمرار الأزمة الإقتصادية و ارتفاع معدلات البطالة مما غذي المشاعر المعادية للأجانب. العقد الماضي أيضا كان عقد ثورات الإصلاح الديمقراطي في أوروبا الجديدة. و المقصود هنا ما كان من أمر الثورة البرتقالية في أوكرانيا(2004) و التي أطلقت احلام الإصلاح السياسي و القضاء علي الفساد. لكن ستة أعوام انقضت دون تحقيق أي من هذه الأحلام وترجم الأوكرانيون عن غضبهم بالإطاحة برموز الثورة. وكان هناك أيضا الثورة الوردية في جورجيا عام2003 والتي جاءت بحكومة موالية للغرب و لتعاليم الديمقراطية والإصلاح, ثم فقدت الثورة الوردية الكثير من عبقها مع المواجهات الأغسطسية بين تبليسي و موسكو(2008) و التي أتضح خلالها مدي ضعف جورجيا و مدي تمنع أوروبا عن خوض مواجهة مع روسيا من أجل مستقبل ثورتها الوردية.إن كانت هذه أبرز أحداث العقد الماضي في اوروبا, فمن غير اللائق مخالفة التقليد الراسخ بتسمية شخصية للعام المنقضي, أو ليكن العقد المنقضي في هذه الحالة. وشخصية العقد الأوروبية هي: توني بلير, رئيس وزراء بريطانيا السابق و ممثل الرباعية الدولية حاليا والذي بدأ العقد به كأحد أسباب الإنقسام العاصف الذي ضرب أوروبا بسبب حرب العراق ثم الفائز في واقعة استثنائية بفترة ولاية ثالثة كرئيس لوزراء بريطانيا, ثم رمزا للصراعات داخل أحزاب اليسار المتخبطة في محاولات التجديد تشبثا بالسلطة كما حدث مع الضغوط وراء تنحيه عام.2007 وأخيرا كان مرشحا لشغل منصب أول رئيس للإتحاد الأوروبي وفقا لمعاهدة لشبونة لكن الجدل الدائر حوله حال دون تحقيق حلمه.