بالأمر المباشر, وقعت تجاوزات, ومخالفات.. وتغلبت المصلحة الخاصة علي العامة.. وصار استخدام هذا الحق نافذة للتحايل, علي القواعد التي حددها قانون المناقصات والمزايدات!. وبالأمر المباشر نتساءل: كم من أموال ضلت طريقها الي الخزانة العامة للدولة؟ وكم من موظفين عموميين استغلوا الامر المباشر في تحقيق منافع خاصة؟.. وحين نص القانون علي الاسناد بالامر المباشر وسمح به, فقد وضع شروطا محددة بمبالغ محددة, ولظروف محددة, بعيدا عن الروتين الاداري.. لكن البعض استغلوه أسوأ استغلال.. وربما تكون مدينتي هي إحدي وقائع استغلال الامر المباشر, لكنها ليست الحالة الوحيدة, فقد طالت التجاوزات مستشفيات, وهيئات, ومرافق عامة.. والكل في المخالفة سواء! ولمن لا يعرف فقد جاء في المادة السابعة من قانون المناقصات والمزايدات, انه يجوز في الحالات العاجلة التي لا تحتمل اجراءات المناقصة او الممارسة بجميع انواعها ان يتم التعاقد بطريق الاتفاق المباشر بناء علي ترخيص من: رئيس الهيئة, او رئيس المصلحة, ومن له سلطاته في الجهات الاخري, وذلك فيما لا تجاوز قيمته خمسين ألف جنيه بالنسبة لشراء المنقولات أو تلقي الخدمات او الدراسات الاستشارية او الاعمال الفنية او مقاولات النقل, ومائة الف جنيه بالنسبة لمقاولات الاعمال. والحال كذلك بالنسبة للوزير المختص ومن له سلطاته, او المحافظ فيما لا تجاوز قيمته مائة الف جنيه بالنسبة لشراء المنقولات أو تلقي الخدمات أو الدراسات الاستشارية أو الاعمال الفنية أو مقاولات النقل وثلاثمائة الف جنيه بالنسبة لمقاولات الاعمال.. ولرئيس مجلس الوزراء, في حالة الضرورة القصوي, ان يأذن بالتعاقد بالطريق المباشر فيما يجاوز الحدود المنصوص عليها. ويجوز استثناء, وبقرار مسبب من السلطة المختصة, التعاقد بطريق الممارسة المحدودة في الاشياء التي يخشي عليها من التلف ببقاء تخزينها, وحالات الاستعجال الطارئة التي لا تحتمل اتباع اجراءات المزايدة, والاصناف التي لم تقدم عنها اية عروض في المزايدات, او التي لم يصل ثمنها الي الثمن الاساسي. والحالات التي لا تجاوز قيمتها الأساسية خمسين ألف جنيه ويتم ذلك كله وفقا للشروط والاوضاع التي تبينها اللائحة التنفيذية, ويجوز في الحالات العاجلة التي لا تحتمل اتباع اجراءات المزايدة او الممارسة المحدودة, أن يتم التعاقد بطريق الاتفاق المباشر بناء علي ترخيص من: رئيس الهيئة, أو رئيس المصلحة ومن له سلطاته في الجهات الاخري, وذلك فيما لا تجاوز قيمته عشرين الف جنيه..وكذلك الحال بالنسبة للوزير المختص ومن له سلطاته او المحافظ فيما لا تجاوز قيمته خمسين الف جنيه. المسموح والممنوع وفي رأي الدكتور أنس جعفر عميد كلية الحقوق بجامعة بني سويف ومحافظها الأسبق, فإن قانون المناقصات والمزايدات يسمح لبعض الوظائف القيادية في حالات الاسناد بالامر المباشر بالا يتجاوز الحد الاقصي في حالة شراء المنقولات نحو50 ألف جنيه, و100 ألف جنيه في حالات المقاولات, ويرتبط ذلك بحالات الاستعجال, مع اشتراط الحصول علي موافقة السلطة المختصة, والتي ربما تكون وزيرا, أو محافظا, أو رئيس مصلحة,أو هيئة, بينما يسمح القانون للوزير أو المحافظ, أو رئيس الهيئة بأن تتم الموافقة علي المشتريات, بالامر المباشر في حدود100 الف جنيه, و300 الف جنيه في حالات الانشاءات والمقاولات, ولرئيس مجلس الوزراء صلاحيات أوسع فيما يتعلق بالامر المباشر, وفي حالات الضرورة القصوي, وأذكر اننا في جامعة القاهرة, حصلنا علي موافقة من رئيس مجلس الوزراء علي شراء أدوية بالأمر المباشر بقيمة مليوني جنيه حين اشتعلت النيران في مخزن الادوية بمستشفي أبو الريش, والتهمت محتويات المخزن, ولمقتضيات الضرورة, توجهنا للحصول علي موافقة بالامر المباشر. فقدان الثقة.. والاسناد بالامر المباشر كما يراه الدكتور سمير رياض مكاري استاذ الاقتصاد بالجامعة الامريكية يفتح الباب أمام العديد من المخالفات التي ترتكب باسم هذا الحق الذي قرره قانون المناقصات والمزايدات, ناهيك عن الآثار السلبية المترتبة عليه, ومنها ان الناس يفقدون الثقة في اداء الاجهزة الحكومية, ومشترياتها, وتثير شبهات التربح, كما تفقدهم الثقة في الشفافية في تطبيق القانون, ومع انه ربما تكون هناك نية حسنة في الاسناد او التخصيص بالامر المباشر, فإنه يثير الشكوك, واعتقد ان ما حدث في قضية مدينتي لا يمثل خطأ من الناحية الاقتصادية في رايي, لا سيما انه حدثت تنمية عقارية في مكان بعيد عن العمران الي حد ما, وقت صدور قرار التخصيص, لاسيما أن دولا كثيرة قد تمنح الارض في مثل هذه المواقع بالمجان للمستثمرين في مقابل تعمير, وتنمية المكان, لكنه من ناحية أخري يثير شكوكا, وتساؤلات من نوعية: لماذا هذا المستثمر بالذات الذي يحصل علي قرار بالتخصيص بالامر المباشر؟ وخطورة الامر المباشر كما يقول استاذ الاقتصاد بالجامعة الامريكية انه لا يقع الاختيار علي افضل الشركات, ولا أفضل الناس, كما انه يقضي علي روح المنافسة الشريفة بين الأفراد, وان كانت ميزته الوحيدة هي اختصار الوقت فيما يتعلق بروتين البيع والشراء في الجهاز الاداري الحكومي, في مقابل آثار سلبية تتعلق بالفساد المالي, والاداري, وتشجع عليه, وهنا يجب تطبيق القانون بحزم, لحماية الناس من الوقوع في الخطأ, وتقليل احتمالات حدوث وقائع فساد. الاستغلال السلبي الامر المباشر كما يقول الدكتور حمدي عبد العظيم والخبير الاقتصادي وعضو مجلس ادارة لاقتصاد السياسي والتشريع ثم النص عليه في القانون رقم89 لسنة1998, ولاسباب وظروف معينة, منها ان قيمة المشتريات للجهة الحكومية يجب ألا يزيد علي50 ألف جنيه, وحالات الضرورة القصوي اما للاستعجال, أو فوات الوقت, أو تلف اشياء معينة لا تحتمل التأخير, أو تعطل جهازا مهما بما قد يؤدي الي حدوث كارثة. وفي بعض الاحوال, وباستغلال الامر المباشر قد تتم مخالفة القانون مجاملة لاشخاص معينين, بما ينطوي علي ذلك من ارتكاب وقائع فساد, أو تربح, أو استفادة للترسية علي شركة معينة, أو شخص معين بدون منافسة, وفي هذه الحالة لا يكون هناك مجال للشفافية, او الاعلان, او الافصاح, حيث لا احد يعرف شيئا عن الاجراءات التي تتم, ولا أسماء المتقدمين, ولا السعر المقرر, بل يتم صياغة العقود بشكل يحدده المستفيد بعد الاتفاق علي القيمة بأقل الحدود التي يقابلها تربح من جانب بعض المسئولين, في مقابل التغاضي عن اعلي سعر ممكن للشراء, ومن ثم البيع بأقل سعر أيضا, وفي كل الاحوال لا يجب أن يكون السعر الاعلي او الاقل علي حساب الجودة, لان تحقيق المصلحة العامة يجب أن يكون الهدف الاساسي اثناء عمليات الشراء أو البيع. وتكشف العديد من الوقائع الخاصة بالاسناد او التخصيص بالامر المباشر, ان مثل هذه الممارسات تمت في الاونة الاخيرة اكثر من أي وقت مضي, وهو ما تكشف عنه تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات بين الحين والاخر في هيئة او مؤسسة أو شركة حكومية, أو مستشفي, مما تضع علي الخزانة العامة للدولة مبالغ مالية كثيرة, فقد ذكر مؤخرا أن عقد مدينتي أضاع علي الدولة نحو300 مليار جنيه, وفي المتوسط يمكن تقدير خسائر الاسناد بالامر المباشر في مسائل التوريدات الحكومية, وتخصيص اراض للمستثمرين في مشاريع التنمية الصناعية, والزراعية, والعمرانية, بنحو50 مليار جنيه سنويا في أشد حالات التفاؤل. ولا يمكن ان يكون قانون المناقصات هو المسئول المباشر عن وقوع مثل هذه المخالفات, ذلك ان القانون ينطوي علي الكثير من الضوابط, ولكن البعض يحلو لهم مخالفتها بحثا عن منفعة او مصحلة, وفي كل الاحوال فإن التراخي في تطبيق القانون يشجع علي الاستمرار في المخالفات, ويحدث كثيرا ان يعد الجهاز المركزي للمحاسبات تقارير كثيرة- كما ذكرت في شأن مخالفة قانون المناقصات والمزايدات, ويتم رفعها الي المسئول المختص, الذي يقوم بدوره بإحالتها الي الشخص الذي ارتكب المخالفة, والذي تكون تأشيرته في الغالب سوف نراعي ذلك في المستقبل , وفي هذا الصدد نقترح أن يتم ارسال تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات الي النائب العام للتحقيق في الشبهات الجنائية والمخالفات التي ترتكب بالمخالفة لقانون المناقصات والمزايدات, وما يحدث من تحايل علي بنوده لتحقيق مصلحة ما, ومن ثم تطبق العقوبات الرادعة علي المخالفين حتي لا تتكرر مثل هذه المخالفات, وكذلك الحال بالنسبة للوزراء, فعليهم ان يحيلوا طلبات الاسناد أو التخصيص بالامر المباشر الي مستشاريهم, لتقرير مدي قانونية او استحقاق الحالة المتقدمة للحصول علي قرار يسمح لها بالاستفادة بالامر المباشر الواردة في قانون المناقصات والمزايدات, حتي لا يساء استخدامه بأية صورة من الصور. قانون المناقصات والمزايدات, واضح, وصريح, والاستثناء لا يلغي الاصل, إلا اذا كانت هناك مصلحة, أو كسب معين.. هكذا يقول الدكتور إبراهيم عبد الله عميد معهد البنوك والتمويل بالجامعة الأمريكية, ولاشك في أنه إذا كانت هناك اية منافع عامة, فيجب أن تعرض بأسلوب المناقصات والمزايدات, وصولا لأعلي سعر, لصالح الخزانة العامة للدولة, مع ضرورة توافر جميع شروط الشفافية, والافصاح, وفقا لما جاء في القانون الدولي لمكافحة الفساد, رغبة مكبوتة في المخالفة وما من شك, في أن التخطيط لمخالفة القانون من جانب بعض المسئولين, من خلال مجموعة من الاجراءات, والتربيطات, والمبررات, هو في حقيقة الامر التفاف علي القانون, وخروج علي قواعده الصريحة, بما يعكس رغبة مكبوتة للحصول علي مكاسب مجرمة او مؤثمة, بالمخالفة للقانون, ولا يمكن تبرير ذلك بالخطأ الاداري, الذي لا اري ان هناك فارقا بينه وبين الفساد الاداري, فهما في رأيي وجهان لعملة واحدة, واذا كان البعض يبرر مخالفة القانون بالخطأ الاداري, فهو خطأ متعمد, وتم التخطيط له مسبقا مع سبق الاصرار والترصد, مما يستوجب محاكمة مرتكبيه بنصوص القانون ايضا, ولا شك في ان نسبة غير قليلة من عمليات الاسناد بالامر المباشر, تنطوي علي مخالفة للحقيقة, ولا يمكن تفسيرها بأنها خطأ متعمد, أوتهدف الي الحصول علي منافع, ومكاسب شخصية.