بعد اقرار الرئيس الامريكي بفشله في التوصل الي اقناع الاسرائيليين بتجميد بناء المستوطنات وصعوبة اقناع الاطراف المعنية باستئناف المفاوضات المباشرة تحاول موسكو أن تبدو اكثر نشاطا. من خلال تحركات ممثليها علي مختلف المستويات والاصعدة وإن غلب الشكل علي الجوهر. فها هي تعود الي محاولات تلمس السبل المناسبة لاعادة الاطراف المعنية الي مائدة الحوار من خلال جولات مكوكية يقوم بها الكسندر سلطانوف نائب وزير الخارجية والممثل الشخصي للرئيس الروسي في الشرق الاوسط لعواصم المنطقة قبل وصول الوسيط الامريكي جورج ميتشيل الي المنطقة في جولة مماثلة اعقبت' المكلمة' الدورية التي عقدها ممثلو عدد من المؤسسات المدنية والعلمية الروسية وضيوفهم من العرب في مالطا بعد جولة' البحر الميت' في العام الماضي تحت شعار' البحث عن سيناريوهات وافكار جديدة للتسوية في الشرق الاوسط'. وقد جاءت دورة العام الحالي عقب سلسلة من التصريحات التي تتباين بقدر تباين مواقف اصحابها ومنطلقات طرحهم للمشكلة والحلول. ففيما وجدنا من يقر بعدم جدوي الاستمرار في المباحثات ويطرح تأجيل فكرة بناء الدولة الفلسطينية الي ما بعد القرن الحادي والعشرين حسب قول فلاديمير جيرينوفسكي نائب رئيس مجلس الدوما في تصريحاته ل الاهرام وجدنا من يتوقع احتمالات قيامها في عام2011 علي حد ظن فيتالي ناؤومكين مدير معهد الاستشراق في نفس الوقت الذي يدعو فيه سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسية الي' تفعيل تنسيق الجهود الدولية المشتركة لتجاوز المأزق الحالي' حسب قوله خلال مكالمته التليفونية الاخيرة مع عمرو موسي الامين العام للجامعة العربية مؤكدا ان فكرة المؤتمر الدولي لاتزال مطروحة من جانب موسكو حسبما سبق اشار في تصريحاته ايضا ل الاهرام. وعلي الرغم من الحشد الاعلامي الضخم الذي حاولت موسكو ان يكون دعما لتوجهاتها ومحاولات احياء دورها في الشرق الاوسط من خلال ندوة اصرت علي عقدها في مالطا فان ما خرجت به من توصيات حاولت ان تعود بها الي صدارة الجهود الدولية ينسف كل ما سبق أن جري التوصل اليه من قرارات ومقترحات ومنها' خطة الطريق' و' المؤتمر الدولي' وقبل هذا وذاك قرارات الاممالمتحدة التي تستند الي الشرعية الدولية. ولعل ما كشفت عنه' ندوة مالطا' يقول ضمنا ان حوارا حقيقيا لم يحدث بعد ان بدا المتحدثون وكأنهم' يكلمون' انفسهم في غياب الطرف الرئيسي الذي يظل يملك اليد العليا في ادارة الوضع الراهن وهو اليمين الاسرائيلي الذي تمثله في معظمه ولسخرية الاقدار دوائر المهاجرين الروس. وقالت مصادر شاركت في الندوة ان ممثلي اليسار الاسرائيلي يقتربون في مواقفهم من مواقف المتحدثين بمن فيهم العرب الذين شاركوا في هذه الندوة التي ثمة من وصفها بانها كانت بمثابة خيمة اخري حاولت موسكو ان تجري تحت سقفها بعض مشاهد التطبيع برغم وجود عميد المستشرقين واكثرهم خبرة ورصانة يفجيني بريماكوف رئيس الحكومة ووزير الخارجية الاسبق. وثمة ما يشير الي ان ما أقره المشاركون من توصيات يبدو عمليا اقرارا بالعجز امام ممارسات الطغمة الاسرائيلية ووكيلها أفيجدور ليبرمان المسئول عن ملف العلاقات الروسية الاسرائيلية. فقد اقر المشاركون في الندوة ان' عددا كاملا من العوامل الخارجية والداخلية ولا سيما محاولات الحكومة الاسرائيلية الرامية الي ترسيخ الوضع القائم لا يسمح بوضع حد للنزاع العربي الاسرائيلي في الوقت الراهن'. وكان بريماكوف يبدو الوحيد الذي طرح افكارا محددة في اطار اهتمامه الجدي بالبحث عن الحلول والسبل الرامية الي الخروج من المأزق الراهن. قال بضرورة وضع خطة جديدة لعملية السلام بدلا من' خريطة الطريق' التي يتعثر تنفيذ بنودها لما يقرب من العشر سنوات. واشار الي ضرورة تنشيط لجنة الوساطة الدولية الرباعية واشراك الدول الاقليمية الرئيسية الي جانب الصين والهند في رعاية عملية السلام. واضاف بريماكوف ايضا فكرة تبادل بعض الاراضي بين الجانبين والاعتراف بحق اللاجئين في العودة بعد قيام الدولة الفلسطينية وضمان امن الدولتين الي جانب تحديد مصير القدسالشرقية عبر التقسيم اعتمادا علي خطة كلينتون مشيرا الي إمكان اقامة كونفيدرالية بين الدولة الفلسطينية والاردن في وقت لاحق. الغريب ان الكسي فاسيليف الممثل الشخصي للرئيس في افريقيا ومدير معهد افريقيا كان طرح في منتدي البحر الميت في العام الماضي التخلي عن فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة وقبول الدولة الواحدة التي تضم الفلسطينيين والاسرائيليين!!. ومن الملاحظ ايضا ان بريماكوف اغفل ما سبق أن طرحه حول امكانية اعلان قيام الدولة الفلسطينية من جانب واحد علي اعتبار ان اسرائيل لم تظهر الي الوجود نتيجة مباحثات وإن اشار لاحقا الي ضرورة ضمان اعتراف الولاياتالمتحدة بالدولة الفلسطينية شرطا للاقدام علي هذه الخطوة في نفس الوقت الذي قال فيه بعدم جدوي المؤتمر الدولي الذي لا تزال موسكو تصر علي عقده. تلك هي اهم ما تناولته ندوة مالطا حسبما وصلنا من مصادرها التي اكدت ان ما قيل غير ذلك يمكن تناوله من منظور' دعاية العلاقات العامة' التي اعلت الخاص علي العام وهو ما جاء علي حساب جدية البحث عن مخرج حقيقي استنادا الي ما صدر من قرارات دولية ومبادئ مدريد وخريطة الطريق وما اعتبره بعض المشاركين العرب كمحاولة للالتفاف حول الحقوق الفلسطينية والقرارات الدولية واضاعة الوقت ما تستفيد منه اسرائيل لترسيخ الوضع القائم. ولعل مثل هذه التوقعات تحديدا تحمل في طياتها تحذيرا من احتمالات الانفجار علي ضوء ماقيل حول ان تعثر عملية السلام سيؤدي الي توطيد مواقع ايران ويدعم محاولات المتشددين الاسلاميين الرامية الي ضرب استقرار دول المنطقة وفي مقدمتها مصر والمملكة العربية السعودية, وذلك يعني ان الامر ليس في حاجة الي افكار جديدة بقدر ما هو في حاجة الي إعمال ميثاق الاممالمتحدة وتطبيق بنود ميثاقها التي تتضمن سبل الضغط علي المعتدي وارغامه علي تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وليس من خلال ذر الرماد في العيون في ندوات لا طائل حقيقيا من ورائها مادام هناك من يواصل عقد اتفاقيات المشاركة والتعاون مع اسرائيل بما في ذلك في المجالات العسكرية كما تفعل روسيا التي تعمدت هذه المرة ان' تؤذن' في مالطا لاسباب ليست في حاجة الي تفسير!.