مازال السؤال الذي طرحناه هنا قائما:إلي أي مدي يمكن للرقابة علي الانترنت- محلية أو إمبريالية- في إعادة كتابة التاريخ العربي؟ وبشكل اكثر دقة.هل ما يطرح عبر هذه الوثائق- بتعمد وترو-.. يسعي للسيطرة علي الإرادة العربية في المنطقة خاصة وأنها تستمر في النشر من بدايات هذا القرن حتي اليوم؟ وهل يصل بنا ذلك عبر تحريك مخطط متعمد( متعمد) إلي إحكام السيطرة علي المنطقة ؟ وبشكل اكثر مباشرة: هل ما افرج عنه بتعمد شديد يشير حقا إلي تسريب متعمد ضدنا؟ لنرجيء قضية إعادة كتابة التاريخ الي ما تثيره هذه الوثائق من أسئلة حائرة تنال من الذاكرة العربية وتجلياتها الأدبية في الواقع الثقافي الراهن.. إن إعادة النظر إلي ما نشر عبر أكثر من المليون ونصف وثيقة عبر أكثر من عشرين دولة يؤكد لنا أن طبيعة الصراع بين الشرق والغرب انتقل عبر هذه الوثائق من قضية صراع الحضارات إلي قضية التحامل علي الحضارة أو-بشكل أدق- علي الواقع الإسلامي الراهن, بما يحكمه هذا الواقع اليوم من تغيرات شتي خاصة, بعد11 سبتمبر, او التحامل علي أحداث المنطقة خاصة وأن هذه الوثائق تحدد سياقها منذ بدايات هذا القرن; ففي هذه الفترة يمكننا إعادة رصد الدور الغربي في التحول من كتابات ممثليه: كهانتنجتون وبرنارد لويس ومارتن كريمر ودانييل بايبس وستيفن أيمرسون وغيرهم إلي كتابات ناشريه ومواقعه ودوافعه وفي هذه الفترة نلحظ تغير الصراع من الصراع الحضاري إلي الصراع ضد الإرهاب الإسلامي من الصراع الحضاري إلي الصراع ضد القاعدة.. من الصراع الحضاري إلي تغليب خطابات مريبة تنال من الحكام والمثقفين.. لقد تغير الخطاب من الصراع الحضاري الي الدفاع عن هذا النظام العالمي الجديد الذي تعبر عنه هذه الأساليب الغالبة العنيفة في الأرض وعلي وسائل التعبير الصحفية أو الرقمية سواء بسواء.. وبعد أن كنا نردد خطر صراع الحضارات عبر موجة الاستشراق الجديد عدنا نردد خطر الإرهاب, وهي العلاقة التي تعود الي جدلية( الإرهاب وأمريكا والإسلام)- وهو عنوان اختاره د.وحيد عبد المجيد عنوانا له محاولا أن يجيب عن السؤال المعلق: من يطفيء النار!؟, فقد تداخلت خيوط هذا المحيط الذي يمتد عبر وسائل الغرب وحيله ووثائق ويكيليكس من رموزها.. وقوي مريبة تثير الكثير من العداء علي المنطقة وتزيد من اشتعال النار هنا وهناك بشكل مريب حتي أصبحنا نلهث وراء التسريبات من أفغانستان إلي تركيا إلي إيران إلي العراق إلي الكويت إلي المغرب مرورا بمصر والجزائر إلي بقية مساحات الشرق.. وبعد أن رحنا نردد في كل هذا الزخم أسماء ومؤشرات مثل11 سبتمبر والإرهاب.. ويكفي أن نشير هنا إلي مثال واحد يرينا الحيرة التي تنال المراقب بعد نشر وثائق تدين بلد كتركيا حين يتهم متحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم هذه التسريبات التي نشرها موقع ويكيلكس بهدف إحراج تركيا في الوقت الذي كان قد أعلن فيه الرئيس التركي أن التسريبات هي نتيجة لعمل ممنهج للنيل من مواقف تركيا في الصراع العربي الإسرائيلي اليوم.. الخلط اليوم بين جدلية الحرب ضد الإرهاب تتركنا أمام حيلة أخري من حيل الغرب بعد مأزق11 سبتمبر, لتصل بنا إلي مأزق هذه الوثائق وعبر حيلة أخري لا نري أن الغرب برئ منها.. وسبق ان رأينا كيف استفاد الغرب من حيلة11 سبتمبر في مغامرات كثيرة تنال من الواقع العربي.. وسبق لصاحب ويكيليكس أن حصل علي حكم قضائي من المحكمة العليا بالولايات المتحدة التي برأته- في السابق- من أي مخالفة, عندما نشر ما بات يعرف باسم أوراق البنتاجون.. تتعدد هنا صور الرقابة من خطورة الرقابة الغربية الإلكترونية وأشكالها من صور فنية كثيرة منها: تدمير الواقع والسيطرة المعلوماتية وانتهاك الخصوصية فضلا عن استحداث قوانين الحجب والباب السحري واجوات مثل دودة كورجو وبرامج التجسس.. إلي غير ذلك من صور العنف والرقابة المركزية مما لا يمكن حصره ضمن ميكانيزمات السيطرة الغربية خاصة ومن ايكان علي وجه أخص.. بيد ان التوقف عند أهم صور الرقابة وتكثيف ما بها من خطورة يتهاوي تماما أمام ما حدث وهو ما لم نتنبه إليه بشكل كاف حتي اليوم في المنطقة العربية في الفترة الأخيرة, ونقصد بها ما حدث فجأة من تمزيق أدوات الشبكة في الفترة الأخيرة, أو ما نسعي لتجسيده في هذا السؤال: من كان وراء قطع كابلات الانترنت في المنطقة في الفترات الأخيرة بين عامي2008 و2009؟تساؤل يبدو عاما غامضا, غير أن محاولة الإجابة عنه بشكل علمي يعود بنا إلي الحديث عن الرقابة الإلكترونية الإمبريالية علي الشبكة.. خاصة وقد عانينا جميعا حالة الشلل التام التي ضربت المنطقة في الشرق بدءا من المناطق العربية مرورا بالشرق عند باكستان والهند ؟ يظل السؤال معلقا, لكنه قابل للإجابة التي تعود بنا من جديد إلي قضية الشبكة التي تأتي من الغرب الأمريكي, وتتهاوي في الوقت المناسب في الشرق أو.. في أي مكان في المنطقة العربية.. وهنا نعود إلي واقع جديد إزاء هذه الوثائق; وهو واقع يعود بنا إلي الأسئلة الحائرة اليوم: - كيف تم تسريب هذه الأخبار-حقا- ولم يمض خمسة وعشرون عاما شرط الإفراج عن الوثائق؟ وكيف حصل اسانج- صاحب الموقع حقا علي هذه الوثائق؟ - ثم كيف تم حقا- إغفال الرقابة الأمنية الهائلة علي النشر كل هذه السنوات؟ وكيف نفسر أن العديد من الوثائق لا تضر بحلفاء العم سام ؟ وهل يعود النشر إلي خلاف داخلي بين الجمهوري والديمقراطي كما يتردد؟ أم هو إعادة صنع استراتيجية العم سام بعيدا عن قضية صراع الحضارات ؟ أم هو زراعة الشقاق بين العديد من الأقطار في منطقة الشرق هنا ؟ أم يظل هو ضمن أهداف أخري للنيل من هذا الحاكم أو ذاك في الشرق؟ أم يظل يحمل إجابة غائبة غائمة عما يحدث هنا; والآن؟..