إلي أي مدي يمكن للرقابة علي الإنترنت-محلية أو إمبريالية- أن تؤثر في إعادة كتاب التاريخ؟ .. هذا هو السؤال الذي طرحه لا يتوقف عند دور الحكومات التقليدية وإنما يجاوزه إلي الحكومات التي تنبهت لدور أدوات العصر وتقنياته في تشكيل الرأي; ولا يتوقف عند النشر الورقي وحسب وإنما تصل اليوم إلي التنبه إلي دور الهواتف المحمولة أو الشبكات الرقمية, خاصة الاجتماعية منها; وهي معروفة وشائعة الآن.. وكما نري الآن الندوة التي تقيمها الأهرام هنا.. لقد تجاوز الأمر الوسائل العامة إلي أساليب مترامية في المعلومات وأدوات الرقابة.. لقد أصبح الحديث عن الإعلام العام عبثا أو عبئا تشغل به المجتمعات المتخلفة نفسها اليوم أو تشغل به قراءها أو أصحابها, في حين تحولت شبكة الاتصالات إلي أداة لم يعد بمقدورها التشبث بالرقابة التقليدية التي يصيح عند أو تجاوز فيها إلي ضرورة التنبه لحرية الرأي, وحرية النشر وما إلي ذلك من الأدوات التقليدية التي شغلنا بها سنوات بعيدة.. وقد دهشت في ندوة العربي الأخيرة حول'الثقافة العربية في وسائل الاتصال الحديثة' من رد فعل الحاضرين, من المثقفين و'الشبكيين'-نسبة الي الشبكة العالمية-.., فحين أثيرت قضية الرقابة المركزية علي العالم فإذا بعدد كبير من مثقفينا وعلمائنا الحاضرين يرفضون وجود هذه الرقابة, ويرون استحالة ممارسة هذه الرقابة علي الواقع العربي بأدواته ورموزه خاصة علي شبكات أو مواقع عربية وغير عربية من مثل جوجل والفيس بوك وتويتر ويوتيوب وفليكر.. وما إلي ذلك مما ينفي السيطرة علي المواقع أو المدونات العربية بأية حال, بل إن بعضهم راح يؤكد أمرا بدهيا, أو ما رآه أمرا بديهيا, من نفي هذه الرقابة, فلم تعد الحكومات العربية أو العالمية في حاجة لتلمس وسائل الحجب.. في حين أن كثيرا من مظاهر الرقابة المستمرة علي المواقع والمدونات وشبكات الاتصال تتعرض لرقابة لا نحتاج معها إلي تأكيد علي ممارسة هذه الهيئات وسائلها, إن لدينا في العالم الإسلامي_ علي سبيل المثال- قيودا تتخذ من خارج المنطقة, ممن يهمه تأكيد المصالح الغربية( والإسرائيلية بالتبعية), ولا بأس من أن نستعيد مع هذا وسائل كثيرة تستخدم اليوم بين مجتمعاتنا, لا نحتاج معها إلي تأكيد علي تسلط الرقابة علينا, من منا يستطيع أن يفسر لنا_ علي سبيل المثال_ انقطاع الكابلات المركزية والصمت المريب بعدها؟ ومن منا يغفل الرقابة المباشرة التي تتمثل في هذه الرقابة المؤكدة في وسائل كثيرة منها-علي سبيل المثال- والأمثلة تتعدد-.. تخفيض السرعة علي وصلات الإنترنت, بل وإغلاق شبكات المحمول من آن لآخر أو انقطاعها أو حجب هذا الموقع أو ذاك ثم في القبض علي بعض أصحاب المدونات ممن ينتمون إلي اتجاه معارض.. أو حتي_ أيها السادة-.. مما يمكن أن يكشف عنه في الرصد الدقيق للمادة الشخصية والمعلومات الشخصية.. وما إلي ذلك من الوسائل التي لا تخلو من رقابة تهدد التعبير أو الإسهام في عرض محتويات معارضة.. إن وسائل التعبير العادية اليوم تواجه الكثير في عصر سيادة التكنولوجيا الرقمية, لم تعد القضية ثقافة المنح التي يقدمونا لنا, أو يشيعون أنهم يقدمونها لنا عبر كل هذه الوسائل الحديثة بقدر ما أصبح المنع_ لا المنح_ هو الأسلوب الأول المسيطر علي أصحاب المدونات أو المواقع الإليكترونية, ولا نحتاج لمراجعة منظمات عالمية مثل منظمة فريدوم هاوس أو معهد ماساشوستس التقني أو شركة لا نعرف عنها شيئا( نتفليكس) أو هذه الدراسات الخطيرة في جامعات الغرب لندرك حجم هذه الرقابة وخطرها ليس علي الواقع وحسب وإنما_ قبل هذا وبعده_ علي التاريخ.. الخطر علي التاريخ العربي أيضا لم تعد القضية في التعبير العام تحتمل الرقابة علي هذه الوصلات الإليكترونية بقدر ما أصبحت تهدد المجتمع, بل ويمكن أن تهدد كتابة التاريخ نفسه أو إعادة كتابة التاريخ بعيدا عن زيف الدوائر الإليكترونبة وما يدبر لنا فيها; وهو أمر ليس به مبالغة, وهو ما يذكرنا- مع بعد السياق- بصياح وزيرة خارجية الولاياتالمتحدةالأمريكية في أحد لقاءاتها الأخيرة حول دور هذه الرقابة حين قالت إنها تعاني من الرقباء الذين يسعون بكل جهد لمحو كلماتي من سجلات' التاريخ'!!! وعلامات التعجب من عندنا.. وإذا كانت وزيرة خارجية الولاياتالمتحدة تصيح بالخوف من الرقابة التي تسعي لإعادة كتابة التاريخ, فماذا يقول, ويصيح, ويغلو في القول والصياح-أيها السادة- من أن الإنسان العربي الذي يواجه هنا في بلاده غول الرقابة البشعة علي وسائل الاتصال يواجه هنا أيضا في بلاده غول الرقابة الإمبريالية البشعة علي الشبكة الإليكترونية في العالم كله؟ إنه إعادة كتابة التاريخ عبر ضوابط ودوائر كثيرة أصبحنا تابعين لها.. أليس كذلك؟