لدي مواطني كوريا الجنوبية رغبة جامحة لا فكاك منها للانتقام ورد الصاع صاعين للأشقاء في الشطر الشمالي من شبه الجزيرة الكورية بعد أن خطت الحكومة الشيوعية في بيونج يانج حاجزا خطيرا في تجاوزاتها واستفزازاتها الطائشة بمهاجمتها جزيرة' يونبيويج' علي الساحل الغربي عند الحدود الفاصلة بين شطري كوريا. كل الشواهد الماثلة بوضوح أمامنا تبين أن الهجوم شكل صدمة قوية هزت بعنف قواعد المجتمع الكوري الجنوبي لأن الجيش لم يرد بالشكل الملائم عليه, وكان مقصرا في نظر المواطنين الذين اعتقدوا انه من الكفاءة والمهارة والمستوي التدريبي اللائق المؤهل لكي يرد سريعا علي اي اعتداء علي أفراده وثكناته فقد خرج من معركة الثالث والعشرين من نوفمبر الماضي مثخنا بجرح غائر. ولعل هذا يبرر تعهد قائد قوات المارينز في كوريا الجنوبية خلال المشاركة في جنازة الجنديين اللذين قتلا في الهجوم الأخير بأن زملاءهما سوف ينتقمون لمقتلهما عشرات المرات وذلك في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي لاهانة القوات المسلحة الكورية بهذه الصورة. الجانب الآخر الباعث علي صدمة الكوريين الجنوبيين أن المدنيين المقيمين في يونبيويج تضرروا كثيرا ماديا ونفسيا وعاشوا لحظات لاتنسي من الخوف والرعب القاتل استفاضت وسائل الإعلام المحلية والعالمية في سرد حكاياته ووقائعه. ولم يكن القلق والهلع من نصيب سكان الجزيرة وحدهم فقد شاركهم فيه قطاعات وشرائح مختلفة أخذت تتساءل: إذا كانت كوريا الشمالية لم تتورع عن مهاجمة أهداف مدنية فما الذي سيمنعها في مرحلة تالية من ضرب عمق كوريا الجنوبية وزعزعة استقراره وأمنه وما ينعم فيه من رفاهية اقتصادية واجتماعية. ومما عمق وزاد من أسي سكان الشطر الجنوبي أنهم عاشوا طويلا يظنون أن روابط الأخوة بين الشطرين ستحول دون الإقدام علي إيذاء المدنيين وان الخلافات مهما كان حجمها وطبيعتها لن تسفر عن تراجع الاعتبار الانساني لدي قادة الشطر الشمالي الذين أعماهم البعد الايديولوجي الولاء للنظام الشيوعي عن تذكر أن الموجودين علي الضفة الأخري للبحر الأصفر ليسوا أعداء بل أشقاء كتب عليهم التمزق والشتات منذ أن وضعت الحرب الكورية أوزارها في1953. حالة الغضب والاستياء العام كثفت من الضغوط علي إدارة' لي ميونج باك' رئيس كوريا الجنوبية لاتخاذ إجراءات وقرارات تعيد الهيبة والثقة في الجيش وقياداته وفي واقع الأمر فان الرئيس الكوري سيتعين عليه التفكير مليا فيما سيفعله ويقرره لأنه سيكون له مردودة وتأثيراته علي مستقبل العلاقات المتوترة بالأساس بين شطري كوريا والمسارات المحتم علي البلاد السير فيها في المنظور القريب لا سيما وان مواطنيه لن يقبلوا تخديرهم بجرعة زائدة من المسكنات بدون علاج مصادر الألم الشاعرة به الأمة ومن ثم تتجسد مشكلة الخيارات الواجب علي سول المفاضلة فيما بينها قبل اختيار احدها في نهاية المطاف. غير أن الهم الأكبر والأشد الذي سيواجه' لي ميونج باك' سيكون لملمة شتات المجتمع الكوري الذي تغير مزاجه العام وتوجهاته360 درجة لذلك وجدنا45% من مواطني الشطر الجنوبي يجاهرون برغبتهم في الرد بقوة علي ما فعله نظام' كيم جونج آيل' حتي ولو أدي ذلك لاندلاع اشتباكات مسلحة بين الطرفين بينما رفض16% القيام بعمل عسكري ضد الشطر الشمالي مفضلين المسار الدبلوماسي والعقوبات الاقتصادية للرد. وطال التبدل والتحول الجماعات والفصائل المؤيدة والمحبذة للتقارب مع بيونج يانج ارتكانا لمبدأ أن مصيرهما واحد وانه لا مفر من وحدة الشطرين مهما طال الزمن ولن يعود في مقدور واستطاعة هذه الجماعات رفع صوتها علي الأقل لبعض الوقت دفاعا وتبريرا لسلوكيات وتصرفات بيونج يانج وانه لايصح التعاطي معها انطلاقا من نقطة عدم الثقة وإغلاق كل النوافذ المساعدة علي تقريب وجهات نظرهما المتعارضة فلحظتنا تلك لا تشهد سوي الشك وانعدام الثقة التامة. وعبر عن هذا المعني بوضوح مواطن كوري صرح بأن ما جري علمنا ألا نثق في كوريا الشمالية أبدا موضحا انه كلما حصلت بيونج يانج من سول علي مساعدات مالية واقتصادية فإنها ترسل إليها برقية شكر بإطلاق الرصاص وقذائف المدفعية علي مواطني الشطر الجنوبي. فقبل أيام قليلة من الهجوم أرسلت كوريا الجنوبية مساعدات من الأرز والأسمنت لضحايا الفيضانات في الشطر الشمالي وعوضا عن إبداء القدر اليسير من العرفان فضلت بيونج يانج إظهار العين الحمراء لمن يمد لها يد العون وقت الشدة. وأغلب الظن أن' لي ميونج باك' سوف يستغل الظرف الراهن للتشدد أكثر مع الشطر الشمالي ولن يزعجه ويؤرقه دعوات الداخل المطالبة بالرأفة به ومراعاة أحواله غير الجيدة لكونه لن يلقي لها بالا من أساسه ومعلوم أن الرجل منذ توليه الرئاسة في خصام معلن مع الشطر الشمالي الذي لم يكف عن اتهامه بالتشدد حياله. ومما سيدعم سيره علي درب التشدد أن الطرف المقابل بيونج يانج يتعمد إطالة أمد الأزمة الكورية بسوء تصرفه وابتعاده عن طاولة المحادثات السداسية الرامية للتوصل لحل سلمي للازمة النووية الكورية وان المجتمع الدولي يقف في صف كوريا الجنوبية ولا يمانع في تلقين الحكومة الشيوعية درسا قاسيا عقابا لها علي هجوم' يونبيويج'. الرئيس الكوري الجنوبي أيضا سيركز في تحركاته القادمة علي جانب مهم وخطير لا يهدد بلاده فحسب بل الجوار الإقليمي بأسره فكوريا الشمالية لم يعد لديها وسيلة للبقاء سوي ترسانة أسلحتها التقليدية وغير التقليدية في ظل عسكرة المجتمع وسد كل المنافذ الطبيعية لنمو حركة المجتمع المدني القادر علي لجم المؤسسة العسكرية ووقف مغامراتها غير المحسوبة وهو ما يجعلها منفلتة العيار ويوجب التصدي الجماعي لها حتي لا يصحو العالم علي بث نبأ عاجل باحتراق شبه الجزيرة الكورية نتيجة حماقات العسكر في كوريا الشمالية.