بعد تفكير عميق وتردد طويل قررت أن أكتب اليك بمشكلتي عسي أن أجد لديك حلا ينير لي الطريق بعد أن أظلمت الدنيا في وجهي وانفض الجميع من حولي. فأنا فتاة عمري27 سنة. نشأت في عائلة مرموقة وأبوين مخلصين ربيا أولادهما علي الفضيلة, وعرفنا طريق الاستقامة منذ البداية ولم أهتم بما يقولونه عني من أنني جميلة ورشيقة وخفيفة الظل, ورحت اركز كل جهدي في الدراسة, وحصلت علي بكالوريوس التجارة الانجليزية, والتحقت ببنك استثماري كبير واقبلت علي العمل بكل همة ونشاط. وتابع رؤسائي الأجانب أدائي واثنوا علي كثيرا, وتمت ترقيتي إلي أكثر من منصب, وتطلعت إلي أعلي المراكز.. لكن طموحي الزائد صار هو مشكلتي الكبري التي لا أجد لها حلا في مواجهة أهلي الذين تكتلوا ضدي رافضين انغماسي في العمل إلي هذا الحد القاتل من وجهة نظرهم. اتعرف السبب يا سيدي في رؤيتهم هذه؟.. إنه عزوفي عن الزواج ورفضي لفكرة الارتباط حتي أحقق كل طموحاتي في العمل, وقد دفعني ذلك دون أن اشعر الي كره الرجال إلي أبعد الحدود. وكلما أبلغوني بأن عريسا تقدم لي أرفضه دون أن أراه أو أجلس معه, أو حتي اعرف بعض التفاصيل عن حياته وعمله. هل تتصور أنني لم أفكر يوما في أي علاقة عاطفية أو أحلم ذات يوم بأن أكون عروسا وأما لها بيت وأولاد, ولم أهتم يوما بالصداقات مع الشباب وكنت أنفر من أي شاب يحاول الاقتراب مني. وقد انعكس ذلك علي شخصيتي, فمضيت في طريقي الذي رسمته لنفسي منذ البداية, ولم ألتفت الي أحاديث أسرتي الجانبية عن أنني مريضة نفسيا أو معمول لي عمل فأخذوا بمشورة بعض الأصدقاء بعرض حالتي علي الدجالين والمشعوذين فربما يكون هناك من عمل لي عملا لكي يوقف حالي ويجعلني أنفر من الرجال. وبرغم محاولاتي المستميتة لم يفهمني أحد من أهلي ولم يقتنعوا بأسبابي, وظلت قصتي كالبركان تثور تارة وتخمد تارة أخري.. وهناك من اتهمني اتهامات باطلة بأنني أخفي سرا خطيرا في حياتي, بل وأحسست في نظرات بعضهم بأنني أداري علي مصيبة ارتكبتها تمس شرفي, واكاد أصاب بالجنون من هول ما يدور حولي. لقد اعتدت أن أرمي كل ما أسمعه وراء ظهري وأواصل مسيرتي لكن ضغط اهلي وعدم تفهمهم, لما افكر فيه بلغ درجة لاتطاق.. حتي وصل الأمر إلي تهديدهم لي بحرماني من العمل واجباري علي ملازمة البيت إذا لم أقبل الزواج من شاب تقدم لي من طرفهم وليس فيه ما يعيبه. ان الخناق يضيق علي, واجدني وحيدة, ولا أدري كيف أتصرف مع عائلتي.. لقد صرخت في وجوه الجميع بان يتركوني وحدي. فابتعدوا عني, وصرت معزولة عنهم.. فهل أنا مخطئة؟.. وهل اتخلي عن طموحي بعد كل هذا المشوار الطويل؟.. ثم من أدراني أنني سأستريح مع العريس الذي جاءت به أمي لي, وهل سيوافق علي تأخري في عملي كما اعتدت منذ التحاقي بالبنك؟.. إنها أسئلة لم أجد إجابة عنها, فهل تشير علي بما ينقذني من الدوامة التي أعيش فيها؟ * لاتدعي طموحك في العمل والشهرة يقتل فيك هدف الزواج وتكوين الأسرة, وهو الهدف الذي تسعي اليه كل فتاة, وما يتطلع إليه كل أبوين لابنتهما. وليس هناك أي تعارض بين أن تعملي وتنجحي وتحققي مآربك في العمل, وبين أن تقيمي أسرة ناجحة ومستقرة.. وأنت فتاة طبيعية جدا ومثقفة ويتمناها كل شاب, وعدم انخراطك في علاقات عاطفية في أثناء الجامعة هو عين الصواب. ولكن ليس معني ذلك أن تغلقي قلبك أمام المشاعر والأحاسيس التي تشعر بها كل بنت عندما يأتيها العريس المناسب, ولا أدري لماذا ترفضين من يتقدمون إليك دون أن تمنحي نفسك فرصة التعرف عليهم, فربما يدق قلبك لأحدهم وتجدين فيه فارس أحلامك. فالأمر يحتاج إلي التأني في اتخاذ قرار الزواج, وإتاحة الفرصة لك كاملة لكي تتبيني جوانب شخصية من يتقدم لك. ويجب أن تكون أمامكما فسحة من الوقت خلال فترة الخطبة لتقريب أفكاركما.. وبعد ذلك يمكنك تحديد موقفك النهائي بالاستمرار في مشوار الزواج أو تؤجلينه إلي أن تلتقي بمن يناسبك, وتتوسمين فيه زوجا تكملين معه مسيرة الحياة. وبالطبع فإنه لايخلو إنسان من عيوب, فالمسألة نسبية, والمهم أن تكون العيوب بسيطة ويمكن تداركها, وأن يوجد تقارب في المستوي الاجتماعي والفكري والمادي, وفوق كل ذلك الأخلاق التي جعلها رسول الله صلي الله عليه وسلم فوق كل المعايير حينما قال إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه, فزوجوه والرجل الصالح إذا أحب المرأة أكرمها, وإذا كرهها لم ينقصها حقها.. وكذلك المرأة الصالحة تراعي ربها في زوجها, وتحرص علي ارضائه. وكما يقال دائما في نصح الزوجة كوني له أمة, يكن لك عبدا.. اما مسألة الند فلا مكان لها في قاموس الحياة الزوجية التي تقوم علي التراحم والتواد والتعاطف. انبذي الأفكار الخاطئة واستمعي إلي نصيحة أبويك.. وفقك الله وسدد خطاك.