كتب: أبو العباس محمد- منذ أن صدر العدد الأول من هذا الملحق ونحن نكاد نعيش حالة شبه يومية من الحوار الدائم مع الزملاء والأصدقاء والقراء من أهالي محافظات الصعيد وخارج الصعيد. فهناك فريق من الزملاء يري أن هذه فكرة صحفية وطنية جيدة وغير مسبوقة وتستحق التشجيع والمؤازرة, وفريق آخر يراهن علي أنها حالة صحفية طارئة وستذهب إلي حال سبيلها وتنتهي مثل تجارب كثيرة سابقة جاءت وذهبت, وفريق ثالث يعتقد أن هذا عمل صحفي قد يضر بصميم وحدة الوطن, وآخرون مازالوا يسألون: أين الصعيد وأين ناسه وأهله, أين مشاكله وهمومه وأوجاعه, فهو حتي الآن ليس موجودا ولم يتم العثور عليه أو رؤيته. في الحقيقة لم أكن أتصور كل هذا الاهتمام سيناله ملحق الصعيد لم أكن أتصور أن يثير كل هذه الضجة والمناقشات التي لامعني لها بالمرة في رأيي سوي أننا صرخنا منذ مولدنا بل كانت صرختنا مدوية سمعها الجميع وشعر بها, وهنا قد يهز البعض رأسه ويقول: وهل سيتغير الصعيد وتتحسن أحواله بعد هذا الملحق ؟! فأؤكد لهم أننا لن نفعل المعجزات, فزمن المعجزات انتهي وولي, ولكن بالطبع نستطيع أن نفعل شيئا, علي الأقل ربما ننجح في أن نغير الصورة الذهنية التقليدية المألوفة عن الصعيد, وهذا هو بالضبط ماحاولنا أن نفعله وكنا نقصده في البداية. كان الصعيد رمزا للجهل والتخلف والقتل والعنف والوحشية والكآبة والفقر والمرض, ولم أجد مقالا أو برنامجا أومسلسلا إلا ورسخ هذه الصورة وأكد هذا المعني فهجره وخافه وتجنبه أهله قبل أن يهجره ويطفش ويفر منه الغرباء, فالمضحك أننا كلما حاولنا نحن الصعايدة الذين نعيش في القاهرة أن نفكر في العودة إليه وتوجيه الدعوة للآخرين والمستثمرين الذهاب إلي هناك تحضرنا هذه الصورة لتكسر مقاديفنا لدرجة أنها يمكن أن توقفنا عن التفكير, إن لم تكن تمنعنا في أن نتحدث في الموضوع أصلا. إذن كان لابد من السعي إلي تغيير هذه الصورة, وأن يكون ذلك هو أول همومنا الصحفية التي شغلتنا وتشغلنا وهذا بالضبط مانفعله ونؤمن به الآن ويجب أن يكون في الأعداد الأولي من الصدور, فلابد أن يعرف الناس حقيقة هذا المكان العبقري وتاريخه, لابد أن يحبه ويعشقه ويتفاخر به أهله قبل أن يتفاخر به الآخرون, وهذا لن يتحقق إلا بالبحث عن المخبأ والمجهول من كنوز هذا المكان بشرية كانت أو مكانية أو تراثية ونحن هنا لن نكذب أونتجمل, إنما نروي حقائق ونكشف عن وقائع وتفاصيل وحكايات وشخصيات واثقون أنه إذ طالعها الناس وتعرفوا عليها سيكتشفون أنهم كانوا يعيشون في وهم وخداع عظيم دفعهم للخطيئة في حق هذا المكان وأن الصعيد ليس كما تقول الصورة وخيال المسلسلات. للأسف لقد ظلمنا أهلنا وناسنا وظلمنا أنفسنا عندما صدقنا مثل الآخرين أن الصعيد بكل هذه الصورة السيئة والموحشة والكارثة التي تتحدث بها هذه الأقلام والأفلام والمسلسلات والبرامج حتي صرنا أسرابا تائهة في سراديب مظلمة نتلاطم ونتخبط وتركنا الآخرين يتخيلون ويكتبون ويعبثون. إني لا أعرف بالضبط كيف تفكر حكومتنا في مستقبل الصعيد وكيف تنظر إليه وتراه, ولكن الذي أعرفه أن الصعيد لابد أن يكون واحدا من ركائز الدولة وعمادها, لا أن يكون مصدر مشاكلها وإثارة قلقها ومبعث فتنها.. وهذا هو الهدف. [email protected]