انطلقت لتوي مع وفود الرحمن إلي رحاب بيت الله أهلل بالتلبية والتكبير والتلبية القلبية والروحية أسبق لمن أختصه بالسماع الرحماني هنا يلبي وجدا لا توجدا. ها هي الكعبة المشرفة عن يساري هأنذا ذا أعبر منطقة الذات الشخصية بكل مقاييسها ومشكلاتها لأصبح حرفا أو جزءا من حرف في شفرة الوحدانية فلا وجود لذات بجوار ذوات تنبض ذكرا وتنشد التوحيد فحسب. لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو علي كل شئ قدير, اللهم زد بيتك هذا تشريفا وتعظيما ومهابة ورفعة. أنوار بيت الله تغمر القلوب, تطهر الدماء في الحنايا, تزجي العيون بالدمع المواطر, فتشف الروح, ويستشعر الطائف بمقام القرب فينبض قلبه بالدفقات الإيمانية التي تشبع الشرايين والأوداج في ثوان.. الله الله يا مكة. وكأني أري البيت محمولا علي زبد الموج المتلاحق, تعجز لغات الدنيا أن تصف حبات القلوب التي تهدر بأعظم تسبيح, الطائفون تمهلوا وأرملوا واضطبعوا واستلموا وأقبلوا وتباكوا واستبشروا. كانت هذه ومضات مشعة بالنور من رحاب البيت لحظات هي عمري, وأمني ويقيني, وأماني, لحظات علي طولها لحظات فقد طويت الصحف, وجفت الأقلام. وآن للغريب أن يعود إلي دياره, وانسلت جموع العائدين يودعون البيت فرادي, فرادي متثاقلين كأنهم من رفاتهم ينسلون, حبات القلوب تفجر الدمع المواطر, سحابة ندية تقاطر الرحاب بهتان مطهر لينزل بردا وسلاما علي القلوب والعيون إخالها لحظة قبول, سلمت من آخر صلاة, ليتني مازلت بين تكبير وتسليم, وانتهيت من آخر طواف, ليتني خفقة صمت لم تزل في مداها تطوف, وخرجت من الرحاب العامرة إلي حيث تنتهي أبواب الجنة علي الأرض.