في ظل سياق سياسي/ثقافي فائر وموار, يتسم بقدر هائل من التعقد والتشابك, يصبح لزاما علينا الانحياز للقيمة, ولاشيء سواها بحيث يصير الانتصار للجمالي وحده ديدنا وهاجسا للجماعة الثقافية. .ومن ثم تأتي محاولة لجنة القصة بالمجلس الأعلي للثقافة ومقررها الروائي الكبير خيري شلبي باستعادة المنجز الابداعي للكاتب الفذ الراحل عبدالحكيم قاسم, ولتمثل هذه الاحتفالية المقرر عقدها بالمجلس الأعلي للثقافة بحضور أمينه العام المثقف المحترم الدكتور عماد ابوغازي في الخامس والعشرين من نوفمبر في جوهرها محاولة منهجية رصينة للتماس مع الملامح الفكرية والجمالية المميزة للمشروع السردي لقاسم, هذا المشروع الذي لايمكن التعاطي معه بوصفه كتلة واحدة, حيث ثمة تنويعات حاضرة داخل المتن السردي لنصوصه المختلفة ايام الانسان السبعة المهدي محاولة للخروج, طرف من خبر الأخرة, الظنون والرؤي, والاشواق والأسي, قدر الغرف المقبضة, ديوان الملحقات, فضلا عن كونه ليس مجرد مشروع مائز داخل النسق السردي الستيني من الكتابة الابداعية, بل انه يعد وبامتياز واحدا من أهم المشاريع السردية في مسيرة القص العربي. ان عالم عبدالحكيم قاسم يمتاز بغناه الفكري, والروحي, وبزخم هائل, وحضور اشد لعناصر الثقافة الشعبية بتجلياتها, المختلفة, فضلا عن ولع خاص بالمكان وتوظيف دال له, فالمكان لديه ليس كيانا جغرافيا انطولوجيا ماديا فحسب, ولكنه بالاساس حيز انساني مسكون بانفعالات البشر وهواجسهم, وتظل اللغة عنده بناء جماليا رهيفا يوجد علي نحو خاص, ووفق استعمال مغاير, يتجاوز فكرة الانحراف عن المسارات التقليدية للمفردات والتراكيب, إلي تخليق بصمة اسلوبية تخصه وحده, تتواشج معها طرائق مختلفة في السرد, تعيد الاعتبار للمنحي التقني, لابوصفه غاية في حد ذاتها, ولكن بوصفه وسيلة تتشكل عبرها رؤية العالم في نصه الادبي. انها محاولة لاستعادة الذاكرة الادبية التي تعرضت كثيرا للمحو والتشويه, وهي جزء من مشروع بدأته لجنة القصة باستعادة الطيب صالح, وشكري عياد, وعلي الراعي وغيرهم, وبما يشي بأن ثمة وعيا حادا من قبل اعضاء اللجنة من الكتاب الكبار: خيري شلبي, ويوسف القعيد, وابراهيم اصلان, وابراهيم عبدالمجيد, وابوالمعاطي ابوالنجا, وفؤاد قنديل, وسعيد الكفراوي, وهالة البدري, وغيرهم, بأن شيئا اصيلا يجب فعله, والحفاظ عليه في ظل واقع آسن, عابث وزائف, في آن هنا, وباختصار تكتشف الثقافة المصرية صوتها الحقيقي, لا في مهرجاناتها الصاخبة, ولكن في احتفالياتها العلمية الرصينة, والتي تحتفي بكل ماهو جمالي, وجوهري ودائم, ونبيل.