تكشف تصريحات السيد حسن نصر الله امين حزب الله التي أعلن فيها أخيرا, ان الطريق الصحيح لحل الصراع العربي الاسرائيلي يبدأ بعودة الجميع الي لاءات قمة الخرطوم الثلاث. لا اعتراف ولا تفاوض ولا سلام مع اسرائيل, واغلاق جميع ملفات التفاوض المباشر وغير المباشر, والتركيز علي المقاومة المسلحة في جبهة عريضة تبدأ من باكستان شرقا, الي لبنان وسوريا وغزة شرق المتوسط أبعاد رؤية ايرانية, ظهرت اول ملامحها خلال الزيارة الاخيرة للرئيس الإيراني احمدي نجاد للبنان, تعيش احلام عصر مضي وانتهي, تريد ان تشطب أحداث ووقائع وآثار33 عاما مرت منذ هزيمة يونيو1967 حتي الآن, وتتجاهل حقائق عالم جديد يفرض معطيات جد مختلفة علي الاوضاع في منطقة الشرق الاوسط والعالم العربي, وتنكر علي الفلسطينيين حجم ما أنجزوه علي طريق قيام دولتهم المستقلة علي أرض الضفة والقطاع. كما تطالب العالم العربي بما يكاد يكون في حكم المستحيل, بأن يشن حربا شاملة ضد اسرائيل بعد انتهاء عصر الحرب الباردة وتوافق إرادات الدول الكبري, علي ان التسوية السلمية هي الطريق المشروع لحل الصراع العربي الاسرائيلي وتتجاهل الواقع العربي الراهن بكل انقساماته وخلافاته, وتنسي ان اللاءات الثلاث التي فرضتها مصر عبد الناصر علي نفسها في قمة الخرطوم بعد هزيمة67 المروعة التي ادت الي احتلال كامل لسيناء حتي شاطيء القناة والضفة الغربية بما في ذلك القدسالشرقية وكامل الجولان السورية, قد أدت وظيفتها وانتهي دورها بوقوع نصر اكتوبر عام1973, لان الهدف الاول لهذه اللاءات الثلاث كان حرمان إسرائيل من كسر الارادة العربية, وفرض الاستسلام علي مصر والعالم العربي بعد احتلال اراضي الدول الثلاث, واعتبار إزالة آثار العدوان الاسرائيلي وازاحة الاحتلال عن الارض العربية مسئولية عربية مشتركة, تفرض دعم الصمود العربي, وزيادة قدرة الجمهورية العربية المتحدة والاردن, الجبهتين الاساسيتين في حرب67 علي استعادة قدرتها العسكرية الي ان يتمكن العرب من ردع العدوان. وما يطلبه السيد حسن نصر الله من لاءات الخرطوم الثلاث يتجاهل حقائق عديدة جديدة وأساسية فرضت نفسها علي منطقة الشرق الاوسط عبر33 عاما من الصمود والمعاناة تخللتها أربع حروب, حرب الاستنزاف التي بدأت عقب هزيمة يونيو67 وبلغت أوجها بعبور عدد غير قليل من القوات المصرية الي الشاطيء الآخر للقناة وفرض سيطرتها علي جزء من سيناء لعدد من الساعات, وحرب73 التي انطلقت علي الجبهتين المصرية والسورية في التوقيت ذاته التي زلزلت كيان اسرائيل, ودفنت نظرية الامن الاسرائيلي في التراب, والحربان الاولي والثانية علي الجبهة اللبنانية اللتان كشفتا تآكل قوة الردع الاسرائيلي. اولي هذه الحقائق, ان العالم أجمع بات يعتقد بعد الهزيمة القاسية التي لحقت بإسرائيل عام73 وتآكل قدرتها علي الردع بعد ذلك, ان تحقيق نصر عسكري ساحق لأي من اطراف الصراع العربي الاسرائيلي يخضع إرادة الطرف الآخر السياسية علي نحو نهائي أمر يكاد يكون في حكم المستحيل, وان التسوية الشاملة لهذا الصراع هي الحل الامثل حفاظا علي امن واستقرار الشرق الاوسط. ثانيتها, أن هناك دولتين عربيتين هما مصر والاردن تمكنتا من ازالة آثار الاحتلال الاسرائيلي عن أراضيهما, انسحبت اسرائيل من كامل سيناء الي آخر شبر في حدودها, واستعاد الاردن حدوده بالكامل, وبات العالم اجمع يعترف الآن بان الجولان هي وديعة لدي اسرائيل تعود الي سوريا في اتفاق سلام شامل, وان القدسالشرقية ينبغي ان تكون عاصمة الدولة الفلسطينية التي تنهض علي الارض الفلسطينية في الضفة والقطاع التي جري احتلالها بعد حرب.67 ثالثتها, ان حالة الاستقطاب الحاد التي كانت تقسم العالم الي كتلتين متصارعتين والتي مكنت الدول العربية من الحصول علي سلاح سوفيتي دخلت به حربي67 و73 اضافة الي الصدامات العسكرية المتكررة علي الجبهتين اللبنانية والفلسطينية, انتهت بوفاق دولي رسم ملامح عالم جديد ينتقل من القطب الواحد الي عالم متعدد الاقطاب, فرض قيودا مشددة علي قدرة اي دولة إقليمية علي ان تشن حربا لا تريدها الدول الكبري, كما أعاد توزيع خريطة تسليح المنطقة بما يكاد يجعل من المستحيل ان يصطدم السلاح الامريكي في يد العرب بالسلاح الامريكي في يد اسرائيل!. رابعتها, ان العودة الي اللاءات الثلاث تعني ان يفرط العالم العربي في كل المكاسب التي تحققت له علي امتداد العقود الاربعة الاخيرة, والتي ادت الي زيادة تراكم التأييد العالمي لضرورة انهاء احتلال اسرائيل لما تبقي تحت ايديها من الارض العربية, وزيادة عزلة اسرائيل عن عالمها بصورة لم تحدث من قبل, كما ادت الي وقوع متغير اساسي في الصراع العربي الاسرائيلي, جعل الولاياتالمتحدة تدرك ربما للمرة الاولي منذ بداية الصراع ان انهاء كل اوجه الصراع الاسرائيلي العربي بإزالة الاحتلال عن الارض العربية, وقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدسالشرقية تعيش جنبا الي جنب الي جوار اسرائيل يمثل مصلحة امريكية اساسية لا غني عنها, لانه بدون تحقيق هذين الهدفين تصبح المصالح الامريكية في العالمين العربي والاسلامي في خطر بالغ. وقد لا يكون في امكان أحد ان ينكر أو يتجاهل المصاعب الضخمة التي تواجه عملية السلام بعد سيطرة اليمين المتطرف علي حكومة اسرائيل والتي تكاد تأخذ جهود السلام بأكملها الي حائط مسدود, لكن أيا كانت المعوقات التي تعترض عملية السلام الان, فإن انجاز سلام شامل يعيد الارض المحتلة ويضمن قيام دولة فلسطينية هو الهدف الاكثر قربا في تحقيقه, والذي يكاد يكون في متناول اليد من العودة الي اللاءات الثلاث التي يريدها الشيخ حسن نصر الله واعادة تثوير الجبهات العربية كلها كي تمتد جبهة المقاومة من باكستان الي البحر الابيض المتوسط شرقا!, وشن حرب شاملة نظامية أو غير نظامية علي اسرائيل برضاء أو رغم انف النظم العربية ودون حساب لعلاقات القوة في عالمنا المعاصر, لان العالم بأكمله ينحاز الي هدف التسوية الشاملة, ولأن اسرائيل تفقد عاما وراء عام انصارها واصدقاءها كما تفقد قدرتها علي الردع, ولأن تكاليف الدور الاسرائيلي في لعبة الامم أصبح باهظ الكلفة يهدد الامن والاستقرار الدوليين, ولان العالم مشغول الآن بمعركة اخري مختلفة هي التنافس علي التقدم ومحاولة كسب الاسواق وتجاوز الازمة الاقتصادية التي لا تزال تعتصره. ولا يعني الالتزام بالتسوية الشاملة الصبر إلي ما لا نهاية علي صلف صقور اليمين الاسرائيلي, أو إنكار كل صور المقاومة التي ربما تكون ضرورية في أحوال كثيرة لمجابهة بلطجة المستوطنين الاسرائيليين الذين لا يتورعون عن إيذاء الفلسطينيين في بيوتهم وأرضهم وحقولهم, أو التوقف عن تحدي القدرة العسكرية الاسرائيلية من خلال عمليات مقاومة منتقاة تقوم بها المقاومة الفلسطينية, تتوجه إلي الجنود الاسرائيليين في الأرض المحتلة. لكن ما من شك ان اقتراح السيد حسن نصر الله بالعودة الي اللاءات الثلاث يعني ببساطة تصدير الفوضي وعدم الاستقرار الي منطقة الشرق الاوسط والعالم العربي, والعمل علي سقوط الانظمة العربية تباعا, ابتداء من لبنان الذي يعاني الآن من ضغوط متزايدة يمارسها حزب الله تهدد سلمه الأهلي, وتكاد تعصف باستقراره وحكومته وتوافقه الوطني الهش, وصولا الي حالة الثورة الشاملة في العالم العربي التي تعتنق مبدأ الكفاح المسلح علي كل الجبهات المحيطة باسرائيل, وجميع ذلك لا يعدو أن يكون اضغاث احلام كاذبة هدفها الوحيد تعطيل العالم العربي, والابقاء عليه بأكمله وليس جزءا من ملفاته رهينة لإرادات آيات الله في طهران الذين يريدون ان يملكوا وحدهم قرار الحرب والسلم وفق مصالح فارس وطموحاتها, ويرجون لو أن ولاية الفقية حكمت لبنان كما اعلن حسن نصر الله وزحفت الي سوريا وفلسطين, وفرضت سيطرتها الكاملة علي جبهة المقاومة العريضة المزعومة التي تريد طهران ان تقودها وتمتد من باكستان الي شرق المتوسط, والتي بشرنا بها الرئيس الايراني أحمدي نجاد في خطابه الشهير خلال زيارته الشهيرة لقرية- بنت جبيل في جنوب لبنان, وهو- عشم ابليس في الجنة لانها اضغاث احلام كاذبة هدفها خدمة المصالح الاستراتيجية لايران علي حساب امن العالم العربي واستقراره.{