هل يمكن أن تلعب تكنولوجيا المعلومات والاتصالات دورا في قضية الدعم؟ وما هي حدود هذا الدور؟.. واقع الحال أن الدعم منذ أن بدأ تقديمه للناس لأول مرة في عام1945. وكانت قيمته مليونين فقط من الجنيهات وحتي بعدما تعدي ال53 مليار جنيه في نهاية2007, لم ينظر إليه نظرة معلوماتية جادة تستكشف إمكانات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إدارته والتعامل معه علي المستوي القومي وفق رؤية متكاملة تنبثق منها منظومة تعامل واحدة, بل كان مثل كثير من الهموم المصرية التي أثقلت كاهل الناس وتزايدت يوما بعد يوم حتي باتت صعبة الحصر, من دون أن يلتفت لأبعادها وأسبابها المعلوماتية, حتي أصبحت هذه الأبعاد كالفريضة الغائبة, أي الشيء الذي تفرض الظروف أن يكون موجودا لكنه غائب, الأمر الذي أدي إلي زيادة اشتعال هذه الهموم وتعقيدها وغموضها وتمديد عمرها واستعصائها علي الحل وتشديد وطأتها علي الحلقة الأضعف في الوضع برمته وهو المواطن البسيط, ولا ريب أن الأمر بهذا الشكل يجعلنا في حاجة ماسة لإعادة قراءة قضية الدعم من المنظور المعلوماتي والتعامل معه, وأن نستكشف كيف استطاع خبراء تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إبداع حلول غير تقليدية للتعامل مع هذه القضية التي تعمقت وتعقدت حتي أصبحت غير تقليدية. تفرض القراءة المعلوماتية للدعم أن نشير في عجالة إلي طبيعة القضية نفسها أولا, فالمقصود بالدعم من الناحية الإجرائية والعملية هو القيمة المادية التي يتحملها طرف ما نيابة عن طرف آخر, ليقدم له سلعة أو منتجا أو خدمة بتكلفة تقل عن تكلفتها الحقيقية لتناسب قدر الإمكان مع قدراته المادية والشرائية, وفي عالم التنمية المجتمعية وعالم الإدارة والسياسة والحكم هو مجموعة من برامج التمويل التي تعمل كأداة من أدوات تحقيق العدالة الاجتماعية عبر مساعدة الأفراد والأسر الفقيرة والأكثر تعرضا لخطر الفقر ماديا بصورة مباشرة أو غير مباشرة في صورة سلع ومنتجات وخدمات منخفضة التكلفة. وفقا لهذا التعريف فإن الدعم يشمل: أولا الأموال التي تخصصها الحكومة أو الدولة من أجل تخفيض أسعار سلع ومنتجات وخدمات بعينها وتقديمها للمواطنين بأقل تكلفتها الحقيقية وتحمل هي فارق التكلفة نيابة عن المواطنين, ويسمي في هذه الحالة الدعم الحكومي أو المقدم من الحكومة, وثانيا الأموال التي تقدمها الجمعيات والكيانات الأهلية غير الحكومية المختلفة لشرائح أو فئات بعينها من المجتمع, سواء علي نطاق جغرافي أو فئوي أو خلافه, من أجل تمكين هذه الفئات من الحصول علي سلع ومنتجات وخدمات بتكلفة تناسب قدراتهم المادية أو بدون تكلفة علي الإطلاق, ويسمي في هذه الحالة الدعم الأهلي المدني أو غير الحكومي. واستنادا إلي الدراسة المنشورة علي موقع بوابة معلومات مصر التابعة لمركز معلومات مجلس الوزراء بعنوان الدعم أداة لتحقيق العدالة الاجتماعية, فإن الدعم الحكومي بدأ تطبيقه عام1945 بحوالي مليوني جنيه, ثم ارتفع إلي15 مليون جنيه عام1952, ثم وصل1.6 مليار عام1981/1980 ثم4.9 مليار عام2001/2000, ثم حوالي53.96 مليار جنيه في2007 بعد تغيير طرق حساب الدعم ونقل دعم المواد البترولية من هيئة البترول إلي الدعم المقدم من ميزانية الدولة, وفي نهاية2007 كان يمثل24.35% من إجمالي الإنفاق العام, و7.9% من الناتج المحلي الإجمالي, وكان موزعا كالتالي: - رغيف الخبز:8 مليارات جنيه, حيث تتحمل الدولة20 قرشا من ثمن الرغيف ويتحمل المواطن خمسة قروش. - المواد البترولية:40.1 مليار جنيه,42.4% منها مخصص لدعم السولار, و20.9% للبوتجاز, فالأسطوانة تتكلف42 جنيها تبيعها الدولة ب3 جنيهات, وتتحمل39 جنيها دعم, و17% للغاز الطبيعي17%, و9% للبنزين. - السلع التموينية: وتتضمن دعم السلع الأساسية وهي السكر وزيت الطعام, والسلع الإضافية وهي الأرز والشاي والعدس والفول والمسلي والمكرونة, وبلغ1.4 مليار جنيه في2007, توزعت علي1.1 مليار جنيه للسكر,941 مليون للزيت. - الكهرباء:3.2 مليار جنيه. - التأمين الصحي للطلاب:207.3 مليون جنيه. - الأدوية وألبان الأطفال:130 مليون جنيه. - دعم فائدة القروض الميسرة:1.5 مليار. - الإنتاج الحربي:110 ملايين جنيه. - نقل الركاب في القاهرة والإسكندرية:479 مليونا. - صندوق الموازنة الزراعية12.6 مليون جنيه. - لمقاومة آفات القطن38.4 مليون جنيه. أما الدعم الأهلي أو غير الحكومي فلم أتوصل لمعلومات محددة بشأنه, وإن كان البعض يذكر حوله أرقاما تقترب من قيمة الدعم الحكومي, والبعض الآخر يذكر أرقاما أقل, لكنه في كل الأحوال مقدم من آلاف من الجمعيات والمؤسسات الأهلية غير الحكومية, معظمها يعتمد علي تمويل داخلي وبعضها يتلقي منحا وتمويلا خارجيا في صورة مختلفة, وهو يشكل أمرا واقعا ومنتشرا بصورة لافتة داخل المجتمع, ويعتبر هو والدعم الحكومي دعامتين أساسيتين لشبكة الضمان الاجتماعي التي تعد من أسس تماسك واستمرارية المجتمع المصري واستقراره. وعلي الرغم من أن حجم الدعم في صورته الحكومية والأهلية أصبح يناهز المائة مليار حسب بعض التقديرات, فهو يعد معضلة بالنسبة للحكومة والناس معا, فلا الحكومة راضية عما تدفعه أو قادرة علي تقديمه لمن يستحق, ولا الناس راضية عما تأخذ, وإذا أخذت فالكثيرون غير قادرين علي أخذ كل ما يستحقون, وكثيرون آخرون يحصلون علي ما لا يستحقون, وبين حالات عدم الرضا وعدم القدرة تسعي الدولة ويضغط المحتاجون من أجل تغيير أوضاع الدعم الحالية, فالدولة تتمني أن يقل أو يتلاشي, والمحتاجون يتمنون أن يزيد أو علي الأقل يصل كاملا غير منقوص. يمثل هذا الوضع المعقد تحديا مجتمعيا مهما, لا يجب أن تكون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بعيدة عنه, بل يتعين أن تكون في قلبه, وتلعب دور في التعامل معه بطرق إبداعية غير مألوفة, تخفف من وطأة التضاغط والاختلاف بين تطلعات وقدرات الأطراف الموفرة للدعم, وبين الأطراف المستفيدة منه. وعند النظر معلوماتيا إلي هذه القضية نجدها حبلي بالعديد من تيارات البيانات والمعلومات الضخمة التي تتحرك بين مختلف أطرافها والمشاركين فيها, وتشكل المادة الخام الأساسية المسئولة عن مستوي الكفاءة في إدارة الدعم وضبطه وترشيده والسيطرة عليه من مختلف النواحي لتحقيق أهدافه بدون أي انحراف من قبل أي طرف, وهذه التيارات المعلوماتية تتضمن: - تيار بيانات معلومات خاص بالجهات المقدمة للدعم سواء في القطاع الحكومي أو الأهلي, وهي تعد بالآلاف, وبالتالي تتضمن بيانات ومعلومات عن طبيعة الجهة ومقرها ومسئولياتها طبقا للقانون أو القواعد التي تعمل علي أساسها, ومدي انتشارها جغرافيا, وحجم أعمالها وموقع الدعم داخل هيكلها المالي وما تنفذه من خطط ومشروعات. - تيار بيانات ومعلومات خاص بالدعم المقدم من حيث الحجم والقيمة المادية, والصورة التي يقدم بها سواء منتجات أو سلعا أو خدمات, وهل ينتج بالداخل أم يستورد من الخارج, وتكاليف إنتاجه ونقله وتخزينه وتوزيعه, والكميات المطلوبة منه في كل منطقة أو إقليم بالجمهورية, وما يمثله هذا الدعم من نسبة إلي الدعم الكلي المقدم عبر الدولة أو القطاع الأهلي والمدني, ومدي توافره أو إتاحته في المواسم المختلفة طوال العام, ومدي ارتباطه بأنشطة أخري كالزراعة والنقل والتصنيع والتجارة وخلافه. - تيار بيانات ومعلومات خاص بقنوات وأدوات توفير الدعم وتوزيعه وتوصيله لمستحقيه عبر سلسلة التخزين والتوزيع وأساطيل النقل الممتدة من الجهة الموفرة للدعم, سواء مستوردة أو منتجة, ثم المخازن الرئيسية ثم مخازن التجار ووكلاء وقنوات التوزيع المختلفة علي الجماهير, بما يرتبط بذلك من بيانات خاصة بحالة المخزون والمنصرف والاحتياجات والفاقد والتالف والعجز وغيرها. - تيار بيانات ومعلومات خاص بالقائمين علي توزيع وتوصيل الدعم, وأبرز مثال علي ذلك آلاف التجار والبقالين والموزعين وأصحاب محطات الوقود وشركات توزيع الكهرباء, ومقار وفروع الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني والعاملين فيها. - تيار بيانات المستفيدين النهائيين من الدعم, وهم المواطنون المستحقون للدعم, وتتضمن هذه البيانات أسمائهم ووظائفهم وأعمارهم ومحال إقامتهم ومستواهم الاقتصادي والمعيشي والتعليمي, وطبيعة أعمالهم, إلي غير ذلك من البيانات والمعلومات التي يتعين استخدامها للحكم علي مدي أحقيتهم في الحصول علي الدعم. - تيار بيانات ومعلومات خاص بجهات مراقبة وضبط توزيع الدعم وترشيد إدارته. هذه التيارات المتلاطمة المتنوعة من البيانات والمعلومات تؤكد أن البعد المعلوماتي يعد جزءا أصيلا وأساسيا في قضية الدعم, سواء في صورتها الإيجابية الناجحة, أو في صورتها السلبية الكالحة, بل يمكن القول أن فعالية الدعم المقدم للناس ومدي رضائهم عنه, ومدي اقتناع الدولة أو الأطراف الموفرة للدعم بالنجاح في تقديمه للناس, كل هذا يعد أمرا مرتبطا ارتباطا وثيقا بمدي جودة البيانات والمعلومات المتعلقة بالدعم والمهارة في توظيفها عبر مراحل تقديم الدعم المختلفة, بدءا من قرار تخصيص الدعم وانتهاء بوصوله للمستفيدين. وعلي الرغم من هذا الوجه المعلوماتي القوي لقضية الدعم, لم يكن هناك من يلتفت إلي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أو يعتبر أن لها دورا يمكن أن تلعبه في تغيير أوضاع الدعم الحالية, وهو وضع بدأ يتغير في السنوات الأخيرة, حتي أصبحنا بصدد جهود عديدة تحاول إدخال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات حلبة المواجهة في قضية الدعم, وتستحق التوقف عندها... وإلي الأسبوع المقبل.