كتب:هاني عسل: بعيدا عن الانطباعات والشعارات الرنانة, الحقائق والأرقام تقول إن ثلاثة ملايين أمريكي فقدوا وظائفهم علي مدي العام الماضي. هذا الواقع يعيشه الأمريكيون بمختلف انتماءاتهم الحزبية, بمن فيهم قطاع كبير من الديمقراطيين الذين باتوا مقتنعين الآن أكثر من أي وقت مضي بأن المسئول عن ذلك هو سياسة. حزبهم وإدارتهم سواء عبر الكونجرس أو إدارة الرئيس باراك أوباما في التعامل مع الأزمة المالية, وهي السياسة التي دفعت الاقتصاد الأمريكي إلي تسجيل عجز قياسي في الميزانية لن يمكن معالجته قبل سنوات. 50% بالضبط هي نسبة الأمريكيين الذين يعربون عن معارضتهم لأسلوب إدارة أوباما لشئون بلادهم وفقا للاستطلاع الذي أجرته شبكة سي.إن.إن., و60% يرون أن أوباما لا يستطيع علاج مشكلات الطبقة الوسطي, ويهتم أكثر بالمؤسسات المالية الكبري, وبشكل عام, تراجعت نسبة من يرون أن أوباما ينفذ وعوده الانتخابية بشأن التغيير لتصل إلي أدني مستوي لها منذ توليه الرئاسة وهي55%. الديمقراطيون يعتبرون أن فترة رئاسة أوباما الحقيقية للبلاد قد انتهت, وهي فترة العامين الأولين, فانتخابات التجديد النصفي للكونجرس تأتي دائما بكل ما هو مفاجيء ومثير, وكثيرا ما تحول الرئيس الحالي إلي بطة عرجاء في مواجهة كونجرس من الحزب الآخر, وهو أمر متوقع هذه المرة, حتي إن الديمقراطيين أنفسهم يتوقعون حدوث ذلك, علي غرار ما حدث مع حزبهم في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون, بل إن قطاعا كبيرا من الديمقراطيين يعمل هذه الأيام علي أساس ما هو آت من احتمالات, وهو فقدان الأغلبية داخل مجلس النواب, مع محاولة التقليل من حجم الهزيمة قدر الإمكان, والحرص علي ألا يخسر الحزب كل شيء, وهم في ذلك يراهنون علي الانقسام الحاد في الحزب المنافس الجمهوري بسبب تزايد نفوذ تيار حفلات الشاي في المعاقل الرئيسية للجمهوريين أنفسهم. الديمقراطيون لم يتخلوا بعد عن أوباما, فما زال الموقف في صالحهم, واحتمالات الاحتفاظ بأغلبيتهم في مجلس الكونجرس ما زالت قائمة, وخاصة في مجلس النواب, كما أنهم يراهنون علي أن الناخب الأمريكي يدرك جيدا أن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي مرت بها البلاد كانت بالفعل بمثابة العاصفة التي كانت أقوي بكثير من قدرات أي رئيس ديمقراطي أو جمهوري علي مواجهتها, وقد فعل أوباما والحزب الديمقراطي ما يستطيعان في حدود الإمكانيات المتاحة لهم, صحيح أن الخسائر ما زالت فادحة, خاصة فيما يتعلق بأرقام البطالة, ولكن هذا الوضع لا يقارن بالموقف في وقت اندلاع الأزمة في عهد الإدارة الجمهورية الماضية. يدرك الناخبون الأمريكيون هذا, ولكن المشكلة أن الملف الاقتصادي عادة ما يكون أقوي بالنسبة للناخب الأمريكي من انتمائه الحزبي, أو بالأحري, سيكون هذا هو الصراع الحقيقي الذي سيدور داخل عقل كل ناخب ديمقراطي علي وجه التحديد, فهل ينصر حزبه وهو يدرك مدي القصور في أداء أوباما ورفاقه في مواجهة مرحلة ما بعد الأزمة الرئيسية, أم سيعمل علي إحداث التغيير الاتزاني التقليدي الذي يلجأ إليه الناخب الأمريكي إذا ما اقتضت الضرورة ذلك؟! وهم يدركون أيضا أن الضرورة ليست بهذه الصفة العاجلة, خاصة وأن أوباما نفسه سجل عدة انتصارات سياسية في عاميه الأولين, وخاصة في مجالي الرعاية الصحية والطاقة, وأن الحزب الديمقراطي ما زال قادرا علي تقديم السياسات الأفضل من الجمهوريين فيما يتصل بالأزمة المالية, كما أن دخول الرئيس الأسبق بيل كلينتون علي خط تقديم الدعم للحزب الديمقراطي سيقوي كثيرا من موقف الرئيس الأسود, وإن كانت المشكلة تبقي في الرجال المحيطين به وعلي رأسهم السيناتور هاري ريد زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ ونانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب. ولهذا, لم يكن غريبا علي أوباما أن يصف الانتخابات المقبلة بأنها صعبة, مبررة ذلك بأن بلاده مرت بأوقات عصيبة, وركز نداءاته علي ضرورة خروج كافة الناخبين للإدلاء بأصواتهم, خاصة أنه يعلم أن أكثر ما يمكن أن يتسبب في خسارة حزبه لهذه الانتخابات هو تعمد نسبة غير قليلة من أنصار الحزب الديمقراطي الامتناع عن الذهاب إلي لجان الاقتراع في يوم2 نوفمبر. أوباما- بقلة خبرة يلجأ إلي وسائل الدعم الفردية عن طريق القيام بجولات شخصية بنفسه هو وزوجته ميشيل إلي بعض الولايات لدعم المرشحين الديمقراطيين, وهي وسيلة غير ناجحة ولا مؤثرة عادة في انتخابات التجديد النصفي تحديدا, فضلا عن أنها تحركات متأخرة كثيرا. وهناك تقرير لوكالة أسوشييتد برس يؤكد أن كتلة الناخبين الرئيسية التي قادت أوباما إلي البيت الأبيض تفككت, وأن حوالي ربع هؤلاء الأنصار اتجهوا إما إلي الجمهوريين أو قرروا عدم التصويت عمدا للديمقراطيين, وفي المقابل فإن ثلثي عدد الناخبين الذين صوتوا للمرشح الجمهوري جون ماكين في انتخابات الرئاسة الماضية أكدوا أنهم سيتوجهون إلي لجان الاقتراع في انتخابات التجديد النصفي لإهداء أصواتهم لمرشحي الحزب! وهذه الأرقام والمعلومات تشير إلي أن الديمقراطيين باعوا أوباما وأنهم يعتزمون التخلي عنه تماما في التجديد النصفي, وسيتركونه بمفرده في مواجهة كونجرس يسيطر عليه الجمهوريون. ولكن الأهم هنا هو ضرورة تسجيل الإعجاب الشديد بمبدأ استطلاع آراء نفس الأشخاص الذين صوتوا لأوباما في انتخابات الرئاسة ومعرفة تغيرات توجهاتهم بعد عامين من ولايته, وهو استطلاع متعمق يؤكد أن الناخب الأمريكي ليس جامدا وصوته لا يتوقف علي حدود الانتماء الحزبي والإعجاب بشخص بشكل أبدي, وإنما هو ناخب يدرس ويفكر ويحلل الواقع والأرقام, ولديه القدرة علي تغيير موقفه360 درجة إذا لزم الأمر, دون التوقف كثيرا عند قيود الانتماءات الحزبية أو التوجهات الأيديولوجية! .. وهنا يكمن الدرس الحقيقي!