تمر الأيام وتظل الذكري خالدة, ليست في العقول فقط, ولكن أيضا في القلوب, انتصار أكتوبر العظيم لحظة فارقة في تاريخ مصر والعالم العربي. فقد أعاد الكرامة للأمة بعد سنوات وسنوات من الهوان والانكسار أمام الغطرسة الإسرائيلية.التي توهمت في لحظة أنها سيدة المنطقة, وأن مقاليد المنطقة من شرقها إلي غربها ومن شمالها إلي جنوبها في يدها, ولكن أبطال مصر لقنوها درسا قاسيا في فنون الحرب وأيضا في احترام الآخر بعد ملحمة رائعة صفق لها العالم ولايزال, وانطلق الخبراء العسكريون في الدول الكبري يدرسون هذه الملحمة ويحاولون فك شفرتها أملا في الاستفادة منها في المستقبل. وبعد نحو37 عامامن لحظات الافتخار والانتصار جاء اللواء طيار نبيل شكري مساعد قائد القوات الجوية ليفتح قلبه وعقله حول ما جري في يوم السادس من أكتوبر, ليكشف عن المزيد من الأسرار والحكايات النادرة التي كانت وراء كسر الذراع الطويلة للعدوان الإسرائيلي, وكيف كان تعامل لواءأركان حرب حسني مبارك قائد القوات الجوية وقتها مع أبنائه في السلاح وإلي أي مدي توفرت لهم سبل النجاح والتفوق وأيضا عنصر المفاجأة حتي توج الله جهدهم بالنصر المظفر. في بداية حواره حرص اللواء نبيل شكري علي تأكيد أهمية تعريف الجيل الجديد بما حدث في حرب أكتوبر, وكيف تحقق هذا الانجاز الرائع في التاريخ الحديث حتي يعلم أبناؤنا الذين لم يعاصروا هذه الفترة المميزة تاريخ بلادهم دون تهوين أو تهويل. وقال إنه يطالب أيضابضرورة الاهتمام بذكري5 يونيو لعام1967, مشيرا إلي أنه علي الرغم من كونه يوما حزينا ونكسة تثير الألم إلا أنه لابد من تعريف ما حدث حتي يتعلم الجيل الصاعد ولا تتكرر الأخطاء مرة أخري. وانتقل اللواء نبيل بعد ذلك إلي تناول الفترة التي تلت النكسة, وقال إنه كان هناك شعور مخلوط بالغل والغيظ داخل الجميع من أفراد القوات المسلحة, وبدأت دراسة كيفيةحماية طائراتنا في حالة تعرضها لأي هجوم وهي علي الأرض, وبالفعل جري صناعة دوشمة تحت الأرض من كميات هائلة من الأسمنت والرمل, وانطلق المقدم حناوي الذي أصبح فيما بعد قائدا للقوات الجويةليقصفها علي سبيل التجربة, وبالفعل لم تتعرض الطائرة لأي خسائر, وعندما تقدم بطلب لتعميم التجربة جري رفضه لأن التكلفة كانت باهظة,وألمح اللواء نبيل إلي أن القوات الجوية تعرضت لثلاث ضربات مباشرة علي مدي تاريخها, الأولي في حرب1956 وقام بها الانجليز في العدوان الثلاثي, والثانية في1967, والثالثة في السابع من أكتوبر عام1973 وجري التعامل معها بنجاح, ثم كانت هناك هجمة أخري علي مطار المنصورة يوم14 أكتوبر وفشلت أيضا بعد أن تعامل معها اللواء104 بمساعدة اللواء102 الذي كنت أتولي قيادته, وخسر الإسرائيليون عددا كبيرا من الطائرات في هذه الهجمات. ويواصل اللواء نبيل شكري شهادته للتاريخ بقوله إن الرئيس حسني مبارك قائد القوات الجوية وقتها كان لا يكل ولا يمل من متابعة كل كبيرة وصغيرة, لدرجة أنه كان يمر علي أبنائه الطيارين بل والفنيين ويسأل كلا منهم عن أحواله وأحوال أسرته, ويشير اللواء نبيل إلي أنه لا يقول هذا الكلام علي سبيل المجاملة أو تملقا بل إن كان ذلك لمسه وشاهده بنفسه, وأن هذه المعاملة جعلت الجميع يبذل كل جهد لديه لاسيما أنه كان يتابع التدريبات بنفسه ويختار القادة أيضا بنفسه. ويضيف أن بالطبع ما حدث في1973 لم يكن ليصدقه, فقد تلقينا هزيمة ساحقة في1967 ثم بعد ست سنوات تستعيد قواتنا التوازن وتلقن العدو درسا قاسيا, بل وتكون القوات الجوية أحد الأسباب الرئيسية في ذلك, فإن هذا الأمر يدخل في إطار المعجزات, خاصة أن الدفاع الجوي قام بعد ذلك بدوره ومهد الطريق هو الآخر للقوات لعبور خط بارليف المنيع والاستيلاء علي الضفة الشرقية في عمل بطولي نادر لم يكتب عنه أحد, بل ويثبت كفاءة الجندي المصري.