ليس هكذا يكون الاحتفال بيوم السادس من أكتوبر.. هذا اليوم العظيم في تاريخ مصر وتاريخ العرب لا يكفي معه احتفال رسمي وبعض الأناشيد في الإذاعة والتلفزيون وبعض الذكريات في الصحف ويوم إجازة نستمتع فيه بالشوارع الخالية.. هذا اليوم العظيم هو عيد للوطن كله ينبغي أن نحتفل به كما يليق.. ليس فقط لكي نكرم الذين ضحوا وقاتلوا وانتصروا، وإنما لكي نحتفظ بالدرس العظيم الذي ينبغي أن يظل باقياً في عقول وقلوب أجيال جديدة لابد أن تعرف قدرة هذا الوطن علي تحقيق المعجزات حين يتوافر له ولو أقل القليل من شروط الانتصار. كنا قد انهزمنا في عام 67 في عدوان مدبر وفقدنا سيناء وتم تدمير الجزء الأكبر من قواتنا العسكرية . ومع ذلك فقد رفض الشعب الهزيمة، وبدأ بناء الجيش من الصفر، وانطلق في المقاومة المسلحة بعد أسابيع، وتصدي للعدو في معركة رأس العش، ليبدأ بعد ذلك حرب الاستنزاف العظيمة ويبني جيش المليون مقاتل الذين ثأروا للهزيمة و حققوا الانتصار الكبير في أكتوبر. كان الإنجاز عظيماً بكل المقاييس ، وخاصة أنه كان يحمل أيضا صورة للتكامل العربي لم تتكرر - للأسف الشديد - بعد ذلك، وتمثلت في شراكة عسكرية مع سوريا أوجبت علي العدو الإسرائيلي أن يقاتل علي جبهتين في وقت واحد، كما تمثلت في استخدام سلاح البترول العربي في المعركة لأول وآخر مرة . ورغم كل محاولات الأعداء لمحاصرة آثار حرب أكتوبر المجيدة ، ورغم المؤامرات لتفكيك التحالف الذي حقق النصر بقيادة مصر، فقد بقي اكتوبر العظيم في ذاكرة الأمة العربية كلها رمزاً لما يمكن تحقيقه اذا توحدت الصفوف واستخدمت عناصر القوة العربية كما يجب، وظل أكتوبر العظيم يمثل لمصر القدرة الحقيقية علي الانجاز في أصعب الظروف بأقل الإمكانيات، والصورة المثلي لما يمكن ان يتحمله الجندي المصري من مصاعب وما يقدمه من تضحيات، والدرس العظيم في وقوف الشعب كله وراء جيشه طوال السنوات الصعبة، وما تحمله المصريون جميعاً من اجل هذا اليوم العظيم في تاريخ هذا الوطن. مازال أكتوبر العظيم حياً في ضمير الأمة، ومازلنا نحتفل به كل عام، ولكن ليس بالصورة التي نتمناها.. صحيح ان الوضع هنا لا يقارن بنصر 56 في حرب السويس الذي تحول الي مجرد عطلة لمدارس بورسعيد فقط وفيلم قديم تعاد إذاعته في التلفزيون !! ولا بيوم إعلان النظام الجمهوري الذي لم يعد يذكره أحد !! ولا بعيد واحدة من أعظم ثورات العالم في 23 يوليو 1952 الذي نحتفل به علي استحياء و ينتهز البعض الفرصة لمواصلة الهجوم علي الثورة التي غيرت وجه الحياة في مصر و العالم العربي والعالم الثالث كله والدعوة لاستعادة الايام الجميلة(!!) التي كانت تحكمنا فيها ربة الصون والعفاف الملكة نازلي التي تحولت علي الشاشة البيضاء هذا العام الي مناضلة وطنية (!!) بعد أن تحول ابنها في العالم الماضي من رمز للفساد الي ملك صالح كان يسهر في الكباريهات حتي الصباح حتي يستطيع ان يصلي الفجر حاضراً !! مازال أكتوبر - وسيظل دائماً - حاضراً في ضمير الأمة، و لكن الاحتفال به ينبغي أن يكون أكبر من ذلك و أعظم .. ليس فقط باعتباره المثل علي ما تستطيع الأمة تحقيقه ( جيشاً و شعباً ) في أصعب الظروف. وليس فقط لأنه يعيد للذاكرة الوطنية أياما امتزج فيها دم أبناء مصر جميعاً و هم يقاتلون من أجل الوطن دون تفرقة بين مسلم وقبطي . وليس فقط لأنه يعيد للذاكرة العربية ما تستطيع تحقيقه حين تتحد إرادتها وتستخدم الحد الأدني مما تملكه من قدرات تستطيع ان تجعل منها قوة يحسب حسابها عسكريا واقتصاديا وسياسيا، بدلاً من أن تكون - كما هي الآن- الحاضر الغائب في الصراع الذي يدور حول مستقبل المنطقة. كل هذا هام ومن الضروري الالتفات إليه، ولكن الأهم أن نضع أكتوبر في موضعه الصحيح من الصراع . وان نقارن بين ما نشهده من مناحة سنوية في ذكري الخامس من يونيو، وبين احتفالنا بالسادس من أكتوبر ونصرنا العظيم.. إن الأعداء يحشدون كل وسائلهم لكي يجعلوا من الخامس من يونيو هو الوضع الطبيعي (وليس الاستثناء) ولكي يجعلونا علي الدوام أسري لهزيمة اجتزناها - اولا - بالرفض وطلب الثأر، وثانيا: بالصمود والمواجهة في حرب الاستنزاف ثم ثالثا بإلحاق الهزيمة بالعدو في أكتوبر. وأتذكر هنا كيف حاول بعض المتنطعين ومزوري التاريخ أن يشوهوا حرب الاستنزاف وان ينقلوا عن المراجع الإسرائيلية ما يزعم تفوق الإسرائيليين فيها، وهم الذين صرخوا مستنجدين بأمريكا لكي تنقذ الوضع بعد أن بدأت طائراتهم تتساقط وقتلاهم يتزايدون، وقد رد خبراؤنا العسكريون يومها بحسم علي مزوري التاريخ موضحين الانجاز العظيم لحرب الاستنزاف ومؤكدين ان الحرب التي دخلناها في 67 والتي استمرت سبع سنوات قد انتهت لصالحنا في 73 .. وعلي سلاح "الندّابات" ان يتوقف عن جريمته التي يحاول بها إيقاف الزمن عند لحظة استثنائية في التاريخ عندما انهزمنا في 67 ويتجاهل النهاية التي حسمت الموقف في 73 بالعبور العظيم . من اجل هذا نريد احتفالاً علي مستوي الانجاز العظيم. لا نريد ان تمر الأعوام و نحن نسأل : أين ذهبت روح أكتوبر ؟ فنحن نعرف الطريق إليها، ونعرف أننا حققنا ما حققناه في هذه الحرب المنتصرة.. بالعلم ، وبالعمل، وبالتفاف الوطن كله حول هدف واحد، كان الكل.. مسلمين واقباطاً، يميناً ويسارا، فقراء واغنياء، يحاربون تحت راية واحدة من أجل نصر يكون لهم جميعاً.. هكذا انتصرنا في اكتوبر، وهكذا ننتصر حين نستعيد الدرس، ونستعيد ما ضاع منا علي الطريق من أكتوبر وحتي الآن!! تحية للشهداء الذين منحونا أعظم أيامنا، وللأبطال الذين ساهموا في صنع النصر، وللجيش الذي اثبت عظمة العسكرية المصرية، وللشعب الذي رفض الهزيمة منذ اللحظة الأولي وتحمل الكثير انتظاراً ليوم الثأر، ثم وهو يشاهد المحاولات التي لم تتوقف لتزوير التاريخ ولسرقة ثمار النصر من الذين ضحوا من أجله.. ومع ذلك لم يفقدوا الأمل أبداً في ان أكتوبر سوف ينتصر من جديد! آخر كلام حتي الآن تنتج السينما الأمريكية أفلاماً عن الحرب العالمية الثانية. وحتي الآن لا تنتج السينما المصرية فيلماً له قيمة عن حرب 73 أما التليفزيون فمبسوط جداً بنجاح "زهرة و أزواجها الخمسة" في استقطاب الإعلانات التي أصبحت تحكم و تتحكم فيما يشاهده الناس وما لا يشاهدونه حتي علي تليفزيون الدولة !! لا اعتقد أن وزير الثقافة فاروق حسني ترضيه أوضاع الفنانين في فرقة الموسيقي العربية بالأوبرا الذين يشكون من المرتبات المزرية والمعاملة السيئة من الإدارة لفنانين حقيقيين أجد - شخصياً - صعوبة في العثور علي مقاعد في حفلاتهم التي تقبل عليها الجماهير .. وربما لهذا تعاقبهم الإدارة التي تحب الكراسي الفارغة!! أنا من أشد المعجبين بالكابتن شيكابالا ومهاراته الرائعة، ولكن.. لعب شيكابالا للزمالك خمسة مواسم لم يحصل فيها الفريق علي أي بطولة وأنا أيضا استطيع - لو لعبت مع الزمالك - أن أحقق نفس النتيجة.. لكن الفارق ان الكابتن شيكابالا أصبح يتقاضي، بعد كل هذه "الانجازات" خمسة ملايين جنيه في الموسم مع وعد منه بأن يمتنع عن توجيه الشتائم للجماهير في المدرجات التي تحلم ببطولة للزمالك لم تتحقق من سنوات!!