مجلس النواب يوافق مبدئيا على مشروع قانون المجلس الوطني للتعليم والبحث والابتكار    "طب أسنان جنوب الوادي" تشارك بمؤتمر الجمعية السعودية لجراحة اللثة    ندوة حول طموحات الجمهورية الجديدة ب تربية رياضية الفيوم    البورصة المصرية تخسر 35.3 مليار جنيه في ختام تعاملات الأحد    نائب محافظ القاهرة يشدد على سرعة الانتهاء من أعمال الرصف في حي الشرابية    محافظ المنيا يتفقد إدارة أملاك الدولة في زيارة مفاجئة لمتابعة منظومة تقنين أراضي أملاك الدولة    وزير الصحة: مصر تستقبل مولودا كل 25 ثانية    وزير البترول: مصر تلعب دورا حيويا في الطلب العالمي على الطاقة    صرخات تحت الأنقاض.. مشاهد أطفال بيت لاهيا تفطر القلوب (فيديو)    نيويورك تايمز: هل سيتمكن بايدن الآن من الضغط على نتنياهو لإنهاء حرب غزة؟    إبراهيم نور الدين لحكام السوبر: ارضوا ضمائركم    تفاصيل جلسة "كبار" الأهلي لإخماد "فتنة" السويشيال ميديا قبل السوبر    27 أكتوبر.. الحكم في استئناف مدير أعمال حلمي بكر على حكم حبسه    عاجل.. المشدد 3 سنوات لمتهم بالإنضمام لجماعة ارهابية وإدراجه على قوائم الإرهابيين    موعد عرض الحلقة 27 من مسلسل برغم القانون للفنانة إيمان العاصي    ابتعد عن هؤلاء.. أفضل المهن المناسبة لبرج الدلو    افتتاح معرض جامعة المنصورة الثالث عشر للكتاب بخصومات تصل إلى 25%    وزير الصحة: 2.4 مليون مواطن مستفيد من خدمات إنهاء قوائم الانتظار    أسباب الإصابة بهشاشة العظام.. أبرزها نقص فيتامين «د» والكالسيوم    ضبط 4 أطنان مواد غذائية و2817 لتر مواد بترولية خلال حملات تموينية بالشرقية    استمرار حبس موظف بالنصب على مواطن بقصد الاستثمار في الشيخ زايد    وكيل أوقاف الدقهلية ورئيس جامعة المنصورة يفتتحان معرض الكتاب بالمكتبة المركزية    ضبط 4 أطنان مواد غذائية و2817 لتر مواد بترولية في حملات رقابية بالشرقية    ندب الدكتور حداد سعيد لوظيفة رئيس جهاز التفتيش الفني على أعمال البناء    الزمالك يحدد موعد تحركه لملعب لقاء بيراميدز في السوبر    المديريات التعليمية تطالب بميكنة سداد المصروفات الدراسية    مهرجان القاهرة الدولي للطفل العربي يكشف عن أعضاء لجنة تحكيم مسابقة عصام السيد    87 شهيدا ومفقودا وأكثر من 40 مصابا جراء مجزرة الاحتلال فى بيت لاهيا شمال غزة    رد الجنسية المصرية ل24 شخصًا.. قرارات جديدة لوزارة الداخلية    بلغ عددها 66.. أستراليا تراجع جميع تصاريح التصدير العسكرية إلى إسرائيل    وزير التعليم العالى يتفقد المستشفى الجامعى لجامعة السويس    القومي للبحوث ينظم المؤتمر السنوي الثاني للسرطان "التشخيص والعلاج"    قوافل طبية لعلاج المواطنين مجانا بالشرقية    حكم استخدام زخارف المصحف في ديكورات الأفراح.. الأزهر للفتوى يوضح    وزير الزراعة: نعمل على حل مشكلات المزارعين وتشجيعهم على زيادة الإنتاج    «كيفية التأسي بالنبي».. ندوة توعوية للمنظمة العالمية لخريجي الأزهر في مالي    بمليون جنيه.. «الداخلية»: ضبط عنصرين إجراميين بتهمة ترويج المخدرات في القاهرة    إيفاد قوافل الأحوال المدنية بالعديد من المحافظات    هاتريك ميسي يقود إنتر ميامي لرقم قياسي في الدوري الأمريكي    الفنان محمد فوزي.. ذكرى وفاة عبقري الموسيقى    مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى في حماية قوات إسرائيلية    مفتي الجمهورية يوضح حكم عمليات تجميل الأنف    حزب الله يستهدف كريات شمونة شمال إسرائيل برشقة صاروخية    ما معنى «والله يعلم وأنتم لا تعلمون»؟.. أسرار الآية (216)    ماذا يحدث فى الكنيسة القبطية؟    مواعيد مباريات الأحد 20 أكتوبر 2024.. كأس السوبر ومواجهة مصرية في فرنسا    «ارتفاع عز وهبوط الاستثماري».. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 20 أكتوبر 2024    التشكيل المتوقع لمواجهة ليفربول ضد تشيلسي يوم الأحد    أمريكا تُحقق في تسريب المعلومات بشأن خطط إسرائيل لمهاجمة إيران    تلبية دعوة شيخ الأزهر للمرة الثانية.. نفضح الأكاذيب التاريخية للإعلام الصهيوني    وزير الأمن القومي الإسرائيلي يُهاجم جيش الاحتلال.. ما السبب؟    تامر عاشور يشدو بأروع أغانيه لليوم الثاني بمهرجان الموسيقى    هل يجوز ذكر اسم الشخص في الدعاء أثناء الصلاة؟.. دار الإفتاء تجيب    ملف يلا كورة.. قرعة الدوري.. الهزيمة الأولى لأرسنال.. و"يد الأهلي" بطلًا لأفريقيا    5548 فرصة عمل في 11 محافظة برواتب مجزية - التخصصات وطريقة التقديم    "عاري الصدر".. كريم فهمي في أحدث جلسة تصوير وفنان يسأل: "ممكن نوع التان؟"    هشام يكن: الزمالك سيدخل لقاء بيراميدز بمعنويات عالية    لماذا رفضت المحكمة إلزام إمام عاشور بدفع 5 ملايين جنيه لفرد الأمن بواقعة خناقة المول؟ (انفراد)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا هو السؤال‏...‏

قلت في حديث الأربعاء الماضي إن الدعاوي التي رفعت علي بعض الكتاب المصريين ليست نزاعا بين أفراد‏,‏ ولكنها حرب معلنة علي المثقفين المصريين جميعا‏,‏ وعلي الثقافة المصرية والنهضة المصرية الحديثة والأمة المصرية جمعاء‏.‏ وقد بدأت هذه الحرب في أوائل الخمسينيات بمصادرة حرية الرأي‏,‏ وانتهت بمذبحة نجع حمادي‏!‏
في أوائل الخمسينيات استولي ضباط الجيش علي السلطة‏,‏ فاوقفوا العمل بالدستور‏,‏ وحلوا الأحزاب‏,‏ وفرضوا الرقابة علي الصحف‏,‏ واعتقلوا المعارضين‏,‏ واعتدوا علي استقلال الجامعة‏,‏ ورشوا من قبل الرشوة من العمال‏,‏ وشنقوا بعضهم‏,‏ وسلطوهم علي المدافعين عن الديمقراطية من المثقفين والسياسيين ورجال القانون‏,‏ وبثوا عيونهم وعملاءهم في كل مكان وخصوهم بالوظائف الكبري‏,‏ ومنحوهم ادارة المؤسسات والمصانع والشركات التي عاملوها كأنها غنائم حرب‏.‏ وكما انهارت مؤسسات النظام الديمقراطي انهارت ثقافته وعادت مصر إلي حال شبيهة بالتي كانت عليها تحت حكم المماليك‏,‏ الفارق الوحيد أن المماليك الجدد كانوا من أهل البلاد‏,‏ لكن النظام الذي أقاموه هو النظام المملوكي ذاته‏,‏ اقطاعاته‏,‏ وسناجقه‏,‏ وبكواته‏,‏ وملتزموه‏,‏ ومحتسبوه‏,‏ وشعاراته‏,‏ وثقافته‏.‏
المصريون في ظل هذا النظام المملوكي الجديد لم يعودوا أمة كما كانوا‏,‏ ولم يعودوا أيضا مصريين‏.‏ وانما صاروا جزءا من أمة يتغير اسمها بين حين وحين‏.‏ فهي الأمة العربية اليوم‏,‏ وهي الأمة الاسلامية غدا‏!‏
وكما فقد المصريون رابطتهم الوطنية التي حققها لهم تاريخهم المتصل‏,‏ وثقافتهم العريقة‏,‏ فقدوا دولتهم الوطنية‏,‏ وفقدوا معها رايتهم الخضراء التي نالوا استقلالهم في ظلها‏,‏ ودافعوا عن الدستور والديمقراطية‏.‏
لقد أصبحوا يخلطون بين الانتماءات والروابط المختلفة‏.‏ بين الرابطة الوطنية التي تقوم علي حاجة الناس لأن يجتمعوا في أرض تضمهم‏,‏ ويتعاونوا فيما بينهم‏,‏ ويتبادلوا المنافع والخبرات‏,‏ ويقفوا متحدين في مواجهة الأخطار‏,‏ وبين الروابط الأخري التي يمكن أن تجمع بين شعوب وأمم مختلفة متعددة كالرابطة اللغوية التي تجمعنا بشعوب المنطقة العربية‏,‏ والرابطة الدينية التي تجمع بين المسلم المصري وأي مسلم آخر‏,‏ وبين المسيحي المصري وأي مسيحي آخر‏.‏
أقول اننا أصبحنا نخلط بين هذه الروابط خلطا يتسبب الآن في تهديد وحدتنا الوطنية التي تحققت منذ آلاف السنين وزعزعة الأسس التي قامت عليها دولتنا المدنية الحديثة‏,‏ في الوقت الذي تبدو فيه الدولة الدينية التي تزعم جماعات الاسلام السياسي أنها ستضم كل الشعوب والأمم الاسلامية‏,‏ خرافة يستحيل أن تتحقق‏,‏ فإن تحققت بمؤامرة فلن تستقر ولن تستمر‏!‏
لقد تجاوزت الدعوة الدينية في هذا العصر حدودها وأصبحت عامل تفرقة وانقسام داخل القطر الواحد‏,‏ ليس فقط في البلاد المتعددة الأديان مثل لبنان والسودان‏,‏ بل أيضا في البلاد التي يسود فيها دين واحد كالعراق واليمن‏,‏ فاذا كان الانتماء للدين يفرق في هذه الأيام بين العراقي والعراقي‏,‏ وبين اليمني واليمني‏,‏ فكيف يجمع بين التركي والأفغاني‏,‏ أو بين السنغالي والألباني؟
ان الدين يبدأ واحدا ثم يتحول بتطور الزمن واختلاف البلاد والبيئات إلي مذاهب شتي أما الوطن فقد بدأ قري متناثرة وإمارات متباعدة ظلت تتقارب وتتواصل حتي فرضت عليها مصلحتها المشتركة في هذا العصر الحديث أن تتحد في كيان وطني يتسع لكل المواطنين مهما اختلفت دياناتهم‏,‏ لأنه تأسس علي المصالح المشتركة‏,‏ وأقر حرية الاعتقاد‏,‏ وفصل بين الدولة والدين‏,‏ في الوقت الذي تضيق فيه الدولة الدينية بهذا التعدد ولا ترحب به‏,‏ لأنها تقوم علي الايمان بدين واحد تخصه برعايتها‏,‏ وتضعه فوق غيره من الديانات والمذاهب‏.‏ فاذا قيل ان الدين كان هو الرابطة التي قامت عليها الدول والامبراطوريات في العصور الوسطي قلنا‏:‏ نعم لأن مجتمعات العصور الوسطي كانت مجتمعات بدو رحل وفلاحين مستعبدين فقراء أميين‏,‏ لا تجمع بينهم مصلحة مشتركة ولا ثقافة مدنية تساعدهم علي أن يطالبوا بحقوقهم ويحكموا أنفسهم بأنفسهم‏,‏ وهذه أوضاع اختفت في المجتمعات الحديثة واختفت معها الحكومات الدينية وأصبحت ماضيا مندثرا لا يفكر في احيائه إلا الطغاة المستبدون ومن يتحالف معهم ويعمل في خدمتهم من رجال الدين والجماعات الدينية المتطرفة‏.‏ وهذا ما حدث في معظم البلاد التي استعاد فيها الطغاة سلطانهم ومنها مصر‏.‏
لقد تحالف ضباط يوليو مع الاخوان المسلمين في سنوات حكمهم الأولي‏.‏ وبعد أن انفض التحالف وانفرد الضباط بالسلطة وساقوا الاخوان للسجون والمشانق ظلوا يرفعون من شعاراتهم الدينية ما رأوا أنه يفيدهم ويمكنهم من خداع الجماهير واسكات المعارضين‏.‏ هكذا أنشأوا ما سموه المؤتمر الاسلامي‏,‏ ومجمع البحوث الاسلامية‏,‏ وأطلقوا أيدي المتطرفين في مؤسسات التعليم والاعلام‏.‏
وإذا كانت ثورة‏1919‏ قد حصلت علي اعتراف العالم بالأمة المصرية وحقها في الاستقلال والديمقراطية فقد أعلن ضباط يوليو أن المصريين ليسوا أمة مستقلة وانما هم جزء من الأمة العربية التي يجب أن تتحد قبل أن تطالب بالديمقراطية‏.‏ وهكذا أصبحت البلاد العربية كلها مسرحا للانقلابات العسكرية‏,‏ واختلطت فيها المفاهيم وزورت الأسماء‏,‏ فالانقلاب العسكري ثورة‏,‏ والمصادرات اشتراكية‏,‏ والهزائم نكسات‏,‏ وأحيانا انتصارات‏,‏ والمصريون الذين كانوا قبل النكسة عربا صاروا بعد النكسة مسلمين‏,‏ لأن حكامهم الجدد‏,‏ وهم امتداد للسابقين‏,‏ كانوا في حاجة للتحالف من جديد مع الاخوان المسلمين الذين خرجوا من السجون والمعتقلات لينتشروا في المساجد والمدارس‏,‏ والجامعات والنقابات‏,‏ ويعلنوا عن أنفسهم بكل الطرق‏,‏ ويفرضوا وجودهم‏,‏ ويرفعوا شعاراتهم‏,‏ ويتمكنوا من تعديل الدستور‏,‏ ويضيفوا اليه ما يعطله ويتناقض مع حق الأمة في التشريع لنفسها‏,‏ مزودين في نشاطهم هذا بتأييد السلطة الحاكمة‏,‏ ودعم النفط العربي‏,‏ وتشجيع الأمريكان الذين وقفوا إلي جانبهم مقابل وقوف الاخوان إلي جانبهم في أفغانستان‏.‏
هكذا انهارت أركان النهضة‏,‏ وتهدمت مؤسساتها‏,‏ وتراجعت ثقافتها لتحل محلها ثقافة التطرف والخرافة والانحطاط‏,‏ وانهالت الضربات علي المثقفين المصريين الذين ظلوا يدافعون عن الدولة المدنية والنظام الديمقراطي‏,‏ ويطالبون بفصل الدين عن الدولة‏,‏ ويتصدون للمتطرفين والارهابيين والمتاجرين بالدين الذين لم يغتالوا فرج فودة وحده‏,‏ ولم يمزقوا جسد نجيب محفوظ فحسب‏,‏ بل اغتالوا معني الأمة وصورة الوطن‏,‏ ومزقوا وحدة أبنائه في مذبحة نجع حمادي التي سبقتها ومهدت لها سلسلة طويلة من جرائم لم يعاقب عليها القانون‏!‏
كيف نتصدي لهذه الغزوة البربرية وهذه الفتنة الدموية؟
هذا هو السؤال المطروح علي المصريين جميعا‏,‏ وعلي مؤتمر المثقفين بالذات‏.‏
المزيد من مقالات احمد عبد المعطي حجازي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.