جامعة قناة السويس تنظم برنامجاً تدريبياً حول إدارة الذات    رئيس الوزراء يتابع ترتيبات استضافة الدورة الثانية عشرة للمنتدى الحضري العالمي    وزيرة التخطيط والتعاون الدولي: مناقشة قانون لنقل تبعية الصندوق السيادي لمجلس الوزراء    طيران الإمارات تلغي جميع الرحلات من وإلى إيران غدا    مندوب مصر لدى جامعة الدول العربية: «لن تدخر جهدا في تقديم العون الإنساني للبنان»    بعد يومين من توليه مهام منصبه.. أمين عام الناتو الجديد يزور العاصمة الأوكرانية    الرئيس السيسى يؤكد دعم مصر لرئاسة موريتانيا الحالية للاتحاد الأفريقى.. إنفوجراف    استبعاد مبابي من قائمة فرنسا لمباراتي دوري الأمم الأوروبية    محمد صلاح يقارن بين سلوت ويورجن كلوب.. ماذا قال عن مدرب ليفربول الحالي ؟    التحقيقات: إسفكسيا الغرق وراء وفاة شاب بمياه النيل بالجيزة    تاجيل محاكمة مجدي شطة في تعاطي المخدرات    السكة الحديد تقرر تعديل تركيب بعض القطارات على خطوط الوجه البحري    لطفي لبيب: تكريمي في مهرجان الإسكندرية السينمائي تتويج لمسيرتي الفنية    العرض العالمي الأول لفيلم "تهليلة" في مهرجان أميتي الدولي للأفلام القصيرة    فروع "خريجي الأزهر" بالمحافظات تشارك بمبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان"    الزمالك يهزم تاوباتى البرازيلى 30-24 فى ختام تحديد مراكز كأس العالم لأندية اليد    علي فرج يواصل الدفاع عن اللقب ويتأهل لنصف نهائي قطر كلاسيك للاسكواش    يوفنتوس يحقق رقما تاريخيا فى دورى أبطال أوروبا    جوميز يخطر الزمالك برحيل رباعي الفريق    رئيس وزراء ولاية بافاريا الألمانية: مصر شريك أساسى لنا ودعامة الاستقرار بالمنطقة    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وحدات سكن لكل المصريين بعدد من المحافظات والمدن الجديدة    اتفاق بين منتخب فرنسا والريال يُبعد مبابي عن معسكر الديوك في أكتوبر    أمطار ورعد وبرق.. منخفض جوى يؤثر على حالة الطقس والأرصاد تكشف التفاصيل.. فيديو    رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى يدين المساس بالبعثات الدبلوماسية فى السودان    التشكيل النهائى لهيئات مكاتب اللجان النوعية بمجلس الشيوخ    رئيس جامعة القناة يشيد بمشاركة معهد كونفوشيوس بمهرجان الإسماعيلية للفنون الشعبية    تتويجا لرحلته الفنية.. مهرجان الإسكندرية السينمائي يحتفي بتاريخ الفنان لطفي لبيب    بدلاً من العزلة.. 3 أبراج تعالج قلوبها المحطمة بمساعدة الآخرين    افتتاح وحدة جديدة للعناية المركزة بمستشفى رأس التين بالإسكندرية    رئيس جامعة عين شمس: نضع على رأس أولوياتنا تنفيذ توجهات الدولة لتطوير القطاع الطبي    محافظ الفيوم يهنئ ضباط القوات المسلحة بذكرى نصر أكتوبر    لطفي لبيب يكشف عن سبب رفضه إجراء جلسات علاج طبيعي    الأمن يكشف لغز العثور على جثة حارس ورشة إصلاح سيارات مكبل في البحيرة    قرار عاجل من مدير تعليم الجيزة بشأن المعلمين    حلاوة رئيسًا للجنة الصناعة والتجارة بمجلس الشيوخ    "الإسكان" يُصدر قراراً بحركة تكليفات وتنقلات بعددٍ من أجهزة المدن الجديدة    لحسم الشكاوى.. وزير العدل يشهد مراسم إتفاقية تسوية منازعة استثمار    التموين تكشف حقيقة حذف فئات جديدة من البطاقات    «مش بس أكل وشرب».. جهود مكثفة من التحالف الوطني لتقديم الرعاية الصحية للأكثر احتياجا    مجلس الشيوخ.. رصيد ضخم من الإنجازات ومستودع حكمة في معالجة القضايا    فى احتفالية كبرى، الأوبرا تحتفل بمرور 36 عامًا على افتتاحها بمشاركة 500 فنان    بعد إعلان اعتزالها.. محطات في حياة بطلة «الحفيد» منى جبر    سر مثير عن القنابل الإسرائيلية في حرب أكتوبر    ضبط 17 مليون جنيه حصيلة قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    الصحة: تطعيم الأطفال إجباريا ضد 10 أمراض وجميع التطعيمات آمنة    «التضامن» تشارك في ملتقى 57357 للسياحة والمسئولية المجتمعية    نائب وزير الصحة يوصي بسرعة تطوير 252 وحدة رعاية أولية قبل نهاية أكتوبر    مركز الأزهر للفتوى يوضح أنواع صدقة التطوع    بالفيديو.. استمرار القصف الإسرائيلي ومحاولات التسلل بلبنان    الحالة المرورية اليوم الخميس.. سيولة في صلاح سالم    4 أزمات تهدد استقرار الإسماعيلي قبل بداية الموسم    جيش الاحتلال يزعم الهجوم على 200 هدف لحزب الله    مدبولي يُهنئ الرئيس السيسي بالذكرى ال51 لانتصارات أكتوبر المجيدة    حكم الشرع في أخذ مال الزوج دون علمه.. الإفتاء توضح    كيفية إخراج زكاة التجارة.. على المال كله أم الأرباح فقط؟    هانئ مباشر يكتب: غربان الحروب    تعدد الزوجات حرام.. أزهري يفجر مفاجأة    فوز مثير ل يوفنتوس على لايبزيج في دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاروق عبد القادر‏..‏ صديقي
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 09 - 2010

‏(1)‏ قبل اثنين وأربعين عاما‏,‏ كنا شبابا نذهب ونأتي في الباحة الخارجية لمقهي ريش المفتوحة علي قاهرة هذه الأيام‏,‏ أثناء مروري من هذه المنضدة إلي تلك رأيته يقوم معترضا طريقي بقميصه المكوي ويقبض بيديه علي حافة مسند المقعد القائم بيننا ونحن وقوف‏,‏ ومال قليلا إلي الأمام بنظارته الطبية وشعره الكثيف الأسود‏,‏ وقال متمهلا‏:‏
أنا اسمي فاروق عبد القادر‏.‏ سامع عنك كتير‏,‏ ياريت توفر لي كم قصة أقرأها وأرجعها لك‏.‏ لو سمحت‏.‏
‏(2)‏
بعد يومين قرأ ودعاني ليلا إلي محل روي في شارع سليمان‏.‏ وهو الخبير بالمكان‏,‏ أعطي أحد عمال المحل قروشا‏,‏ ولم يمر وقت حتي كانت كل المساحات الشاغرة بين الأكواب والزجاجات‏,‏ مشغولة بصحون صغيرة ممتلئة بقطع من الكوارع وشرائح الكرشة المسلوقة ولحمة الرأس‏.‏
منذ ذلك المساء البعيد امتدت صداقتنا‏.‏ لم تنقطع حبال الود ولم تشبها رغم الأهوال شائبة‏.‏ وفي مكالماتنا الفكهة التي نبدأ بها صباحات الأيام نتذاكر القراءة والكتابة والكتب والأصدقاء والناس‏,‏ ولا نغفل طبعا‏,‏ عن مراجعة ما شئنا من أحوال البلد‏,‏ ما جري لها ولنا‏,‏ وننتهي علي موعد بلقاء قريب نادرا ما يتحقق‏.‏
كان صاحب ذاكرة غير مثقوبة‏.‏ خزانة ثمينة مفعمة بالمعرفة والنوادر والأسرار‏.‏
‏(3)‏
عندما جاءتني كلماته ثقيلة متعثرة‏,‏ ظننته عاد للشراب بعدما أقلع سنوات بإرادة لا مثيل لها‏,‏ وشعرت بالحزن والحسرة البالغة خصوصا أنه كان يشرب بإفراط اذا ما بدأ‏,‏ اتصلت بمحمد البساطي وأخبرته أن فاروق عاد‏,‏ غالبا للشراب‏.‏ طلبت منه أن يتصل به ويلاحظ طريقة كلامه ويخبرني‏.‏
‏(3)‏
أخبرتني الروائية هالة البدري أنها رأته في جلسته الأسبوعية بسوق الحميدية يذهب ويأتي ويمارس حياته بهذا اللسان الثقيل‏.‏ ولأنها كانت رأت تجربة مشابهة أخبرته أنه يعاني من جلطة في المخ ولابد من عيادة الطبيب‏,‏ وهو غضب منها واتهمها بالغلظة وعدم اللياقة وقاطعها‏.‏ فجأة‏,‏ علمنا أن الأحوال ساءت وأنه أصيب بعطب في الجانب الأيسر كله‏.‏
غادرنا اجتماع لجنة القصة بالمجلس الأعلي للثقافة‏:‏ الأصدقاء هالة البدري ويسري عبد الله وفؤاد قنديل واتجهنا إلي منزله‏.‏ صعدنا السلم وجلسنا في الصالة الصغيرة شبه المعتمة‏,‏ ولم تلبث المرأة الشابة التي تقوم علي خدمته أن جاءت به تعاونه من حجرة النوم‏.(‏ قضي فاروق عمره وحيدا بعدما ماتت شقيقته‏).‏ كان يجر قدميه متصلبا والروب القديم معقود حزامه علي جسده الذي صار هزيلا‏,‏ بلحية بيضاء وعينين مفتوحتين لا تطرفان في وجه قنوع مشرئب ومبتسم‏.‏ بدا فاروق مثل رجل جري تبديله‏.‏
كنا استقبلناه وقوفا‏.‏ والسيدة ضبطته في مقعد أمامنا‏.‏ لقد عرفنا واحدا وراء الآخر‏.‏ قال بصعوبة ونحن نتبادل تقبيله‏.‏ أبو خليل‏,‏ فؤاد‏,‏ إزيك يا هالة‏.‏ قليلا ثم يذهب بالحديث إلي مكان آخر‏,‏ ولا يلبث أن يعود‏.‏
‏(6)‏
لم يمر وقت حتي تبينا أنه يتكلم متعلثما عن العمر‏,‏ كيف أنه قصير‏,‏ أقصر مما يتوقع أحد‏,‏ لكنك تكتشف ذلك فجأة‏,‏ وللأسف‏,‏ يكون الأوان فات‏.‏
وفي لحظة صمت مال إليه الأستاذ قنديل وأخبره‏,‏ من باب المجاملة‏,‏ أن أعضاء اللجنة كانوا يريدون أن يأتوا جميعا لزيارته‏,‏ ونحن هنا عوضا عنهم‏.‏ لم يكن شيئا من ذلك حدث بطبيعة الحال‏.‏ وفاروق الذي يجالسنا أدرك‏.‏ لم يكن غافلا حتي في مرضه عن مشاعر الكثيرين وخلافاتهم معا‏.‏ سمع كلام قنديل وقال إن‏:‏ المرض لما يأتي‏,‏ يكون علي الناس أن تتجاوز ما بينهم من الخلافات‏,‏ وتنسي‏:‏ ده اللي انا عاوز أقوله دلوقت‏,‏ قبل الواحد ما يتوكل علي الله‏,‏ ويموت‏.‏
وأنا رأيته‏.‏ كأنه يطلب السماح ممن غضبوا‏.‏

المزيد من مقالات إبراهيم اصلان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.