توقف الترام الآن أمام إدوارد رابون. العديد من الناس حوله يتدافعون ناحية أبوابه الثلاثة، حاملين مظلاتهم المدببة المُغْلَقَة بتناغم مع اقتراب وقوفه، وهي ما زالتْ في وضع الطعن الأفقي، مٌهددين بها صدر مَنْ يهبط، وظهر مَنْ يصعد. كان رابون يفكر في وصف هزلي. قال في نفسه: إمانويل كانط، كِرْش الميتافيزيقا، وعلي اعتبار أن الميتافيزيقا خارج الزمان والمكان، فإن كِرْشها الكانطي خارج الخارج. تداعتْ بشكل آلي أفكار كئيبة حول نحافة الجسم في رأس إدوارد رابون بطل فرانز كافكا الذي كان يعاني من نحافة جسمه أيضاً. كان يحمل حقيبته تحت ذراعه عندما جُرِفَ بعنف من علي الرصيف، فزَّلتْ قدمه في بركة مياه صغيرة أسفل الرصيف. داخل الترام كان طفل صغير يركع بركبتيه علي مقعد بجوار النافذة، ويضغط علي شفته السفلي بسِنَّتيه العلويتين كما هو جدير برجل كبير يأسف في لحظة وداع علي أسرار لم يبح بها لشخص ما يقف أسفل الترام غافلاً عن بركة المياه التي لطخت حذاءه في حماسه للاقتراب أكثر ما يمكن من نافذة الترام. فكَّر رابون أن شفة الطفل السفلي ستنفجر منها الدماء بعد التحرر من قبضة السِنَّتين العلويتين. امرأة صعدتْ علي سلم الترام قبل إقلاعه بلحظات، وكانت ترفع جيبتها الطويلة مما جعلها تضيق حول ساقيها. كان هناك جنتلمان يمسك بعامود الترام النحاسي، ورأسه مرفوعة إلي أعلي. فشل رابون في صعود الترام، وهو يقف الآن علي حافة مجموعة تنتظر تراماً آخر. نادي شخص ما علي اسمه. قال رابون ببطء: آه.. لومنت. كان يحتمل قدوم رجل بكِرْش كبير ويدين قصيرتين، في واحدة منهما مظلة. قال لومنت وهو يقترب كثيراً من رابون حتي أن كِرْشه اعتدي علي فضاء الهواء البيوريتاني أمام بطن رابون الضامرة: ها هو العريس في طريقه إلي عروسته، ها هو العريس يبدو عليه العشق بشكل مرعب. قال رابون: نعم، يجب أن تغفر لي ذهابي اليوم. لومنت: لقد كتبتُ لك هذا اليوم بعد الظهيرة، علي أي حال، بالطبع كان المفروض علي أن أرحِّب بالسفر معك غداً، ولكن غداً السبت، كل شئ سيكون مزدحماً، وهي رحلة طويلة. رابون: أوه، هذا لا يهم، أنت وعدت، لكن عندما يكون العريس في حالة حب، فإن عليه السفر وحده إذا لم تتوفر له الصحبة. نزل لومنت بإحدي قدميه من علي الرصيف بينما بقيت الأخري فوق الرصيف، فابتعد كِرْشه قليلاً عن اقتحام نحافة رابون. قال لومنت وهو يعلق ذراعه في ذراع رابون: كنتَ عازماً علي ركوب الترام، سنمشي قليلاً في طريقه، هناك نقطة يقف عندها أيضاً أقلً ازدحاماً، ما زال هناك الكثير من الوقت. رابون: أليس الوقت متأخراً؟ لومنت: لا عجب في سؤال العريس، أنت متوتر، ولكن حقاً ما زال لديك الكثير من الوقت. رابون: لستُ متوتراً لهذا الحد، لكن، ويبدو أن معك حق، فاتني موعد جيليمان. قال لومنت باستغراب: الآن.. جيليمان؟ أليس من المفترض أن يقيم هناك هو ايضاً؟ رابون: نعم، مع زوجته، فهما ينويان الذهاب الأسبوع المقبل، ولذلك السبب فقط وعدتُ جيليمان أن أقابله اليوم عندما يغادر المكتب، فهو أراد أن يعطني بعض التوجيهات المتعلقة بتأثيث المنزل، ولهذا كان المفروض أن أقابله، ولكنني تأخرتُ بشكل ما الآن، كان لدي بعض المهام لأقوم بها، وبينما كنتُ أسأل نفسي أيجب علي الذهاب إلي شقته؟ رأيتك، كانت مفاجأة لي في أول الأمر، لكنني بعد ذلك تحدثتُ معك، لكن الآن ذهب النهار بعض الشيء، وأصبح الوقت متأخراً للقيام بزيارة، لقد أصبح من المستحيل أن أذهب إلي جيليمان الآن. لومنت: بالطبع. أكمل رابون قوله: سوف أقابل أشخاصاً أعرفهم هناك، علي كل حال سيبدو الأمر كما لو أنني رأيتُ فجأة فرو زوجة جيليمان، ومع هذا، فهي جميلة. اختلط الضمير في عقل لومنت، فقال: تقصد زوجة جيليمان؟ فقال رابون بيأس: العروسة.. هي شاحبة الآن بعد مرضها، لكن لديها أجمل عيون رأيتها في حياتي، قل لي من فضلك، ما سر العيون الجميلة؟ لومنت: البريق. رابون: إنني لم أجد أبداً عيوناً جميلة. لومنت: تمام.. تمام. رابون: ربما كنتُ أبالغ قليلاً، لكنني ما زلت تقريباً علي رأيي، إنها امرأة جميلة. خلال لوح زجاجي لمقهي في الدور الأرضي، قريباً من النافذة، كان يمكن لرابون ولومنت رؤية جيليمان وزوجته يجلسان مع ثالث حول مائدة. جيليمان يفرد صحيفته للقراءة بينما الزوجة كانت تنهي مضغة أخيرة. طرق لومنت بطرف المظلة المعدني علي زجاج المطعم. كانت الزوجة أسرع في الاستجابة، لأنها كانت ترفع رأسها قليلاً وهي ترشف كأس الواين. كانت ابتسامتها العريضة مُوجَّهة لعيني رابون، وها هو الزوج يستدرك استجابته البطيئة بإشارة دخول والتفاف مُلحة للومنت ورابون. من شارع جانبي كان باب المطعم. يجلسان الآن معهم حول المائدة. تُرحِّب الزوجة بالعريس وعيناها تفيضان بأمومة غيورة أنثوية بينما يتولي الزوج تعريف الثالث الصامت علي لومنت ورابون. تلمس أصابع رابون دون قصد فرو الزوجة المتهدل قليلاً عن كتفيها. ترتفع فجأة ضربات قلب رابون لصدمته في نعومة فرو الزوجة. كان يحدس بتلك النعومة، لكنّ التجربة شيء آخر. عرض جيليمان علي لومنت أن يأكل شيئاً، لا سيما لحم الضأن. بَرْبِش لومنت بعينيه. وعرضتْ الزوجة أن تسبقهما هي والعريس في عربتها طالما أن الثالث الصامت معه عربة أيضاً. كانت تضع يدها علي ظهر يد رابون المستقرة علي حافة المنضدة أثناء عرض المُغادَرَة.