تأليف: د.عبدالملك عودة لأن أنظار العالم تتجه الي إفريقيا التي يصفونها ب القارة السوداء، ولأننا فى مصر أعدنا اكتشاف إفريقيا التى نسيناها عدة عقود، ولأنها جارتنا وامتدادنا الطبيعى ويربطنا بها إلى جانب الجغرافيا والتاريخ، المصلحة الإقتصادية والسياسية والمياه وحماية الأمن. فقد قام مركز الأهرام للترجمة والنشر والتوزيع بنشر المقالات التي يتضمنها هذا الكتاب, هذه المبادرة الذكية انطلاقا من المسئولين بالمركز بأهمية إفريقيا وإعادة نشر مقالات أستاذنا الدكتور عبدالملك عودة أحد أهم كبار أساتذة العلوم السياسية المتخصصين والمهمومين بشئون القارة السوداء, تأتي في الوقت الذي نعيد فيه صياغة علاقتنا بإفريقيا, ونمهد الطريق للتعاون مع قادة وشعوب القارة لبناء جسور جديدة تدعم هذه العلاقات. الإهداء الموقع باسم مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع, هو أصدق تعبير عن مشاعر الحب والتقدير من تلاميذ الدكتور عبدالملك عودة تجاه أستاذهم العزيز, يقول الإهداء: إلي كثيرين أحبوا في عبدالملك عودة حكمة قارة, والي عبدالملك عودة نفسه, قبل أي شخص آخر, نهدي هذا الكتاب الذي جمعنا بين دفتيه مقالات مختارة لايمكن فهم إفريقيا الراهنة بدون الرجوع إليها. أعادني هذا الكتاب أربعين عاما الي الوراء, الي سنوات الصحوة الإفريقية في منتصف الستينيات, عندما عملت سكرتيرا لتحرير مجلة السياسة الدولية وكان الدكتور عبدالملك عودة مديرا لتحرير المجلة, والدكتور بطرس غالي رئيس تحريرها, والذي يراجع أعداد المجلة في هذه الفترة, يجد أن إفريقيا كانت الموضوع الرئيسي في كل أعدادها وحتي أوائل السبعينيات, عندما توجهت اهتماماتنا السياسية من الجنوب الي الشمال والغرب, كانت القارة الإفريقية تشغل أكبر مساحة من المجلة, وقد كانت مقالات الدكتور عودة ودروسه عن إفريقيا والحكايات التي يرويها لنا بعد عودته من رحلاته لإفريقيا, لها الفضل في الاقتراب من القارة والتعرف عليها والتفاعل مع مشكلاتها, في هذه الفترة التي شهدت يقظة القارة ونضالها, كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر من موقعه في القاهرة يقود حركة التحرير في إفريقيا, وبفضل نضاله رحمه الله تحررت عدة دول في إفريقيا من عبودية الاستعمار الأوروبي وحصلت علي الاستقلال ليحكمها أبناؤها. لم يكن اختيار هذه المقالات التي يتضمنها هذا الكتاب ردا لجميل أستاذنا الفاضل عبدالملك عودة, ولكنه ضرورة سياسية ووطنية, خاصة أن عدة نظم حكم بالقارة الإفريقية تتحول من ديكتاتورية حكم الفرد الي ديمقراطية حكم الأغلبية, وبالرغم من أن المقالات سبق نشرها خلال العقدين الماضيين, إلا أنها تعبر عن رؤية د. عودة واستشرافه لمستقبل القارة من خلال معرفته بدهاليز السياسة, وعلاقاته بمعظم الحكام والزعماء وصانعي القرار الإفريقيين. مقالات الكتاب في معظمها تدعو للتفاؤل في غد إفريقي أفضل لعدد من دول القارة, لكن التشاؤم من أي إصلاح قريب أو أي تحول سياسي أو اقتصادي ينعكس علي حياة شعوب أبناء القارة الفقراء, نجده أيضا في عدد من المقالات, فهناك شعوب كما يوضح لنا الكاتب لم تنصلح أحوالها ولم تختلف ظروفها البائسة لا تحت حكم المستعمر الأوروبي, ولا بعد استقلال البلاد, وتولي السلطة بها أبناؤها الأفارقة. حول تقويم مسيرة الديمقراطية في إفريقيا, يقول د. عودة إنه علي الرغم من أعمال العنف والتزوير الواسع الانتشار, واستخدام الأحزاب الحاكمة في أغلب الدول لأساليب وأدوات أمنية ومالية لاستمرار سيطرتها علي مؤسسات الدولة, إلا أن التعددية الحزبية والمعارضة العلنية صارت من الثوابت في الحياة السياسية, وقد أشار المؤلف لدراسة حول الديمقراطية في القارة ذكرت أن انتقال الخبرات الانتخابية والتنظيمية بين دول القارة أصبح ظاهرة واضحة, والي انتخاب رؤساء مستقلين لا يرأسون أحزابا حاكمة أو مسيطرة, مثلما حدث في بنين ومالي في عام2007, وقد كان الربع الأخير من عام1992 هو موسم التحول الديمقراطي في إفريقيا, وقد شهدت هذه الفترة قيام عدد من قيادات الحزب الواحد والنظم التسلطية بركوب عربة الديمقراطية بعد فترة تمنع وتلكؤ, لكنه القبول كما يقول المؤلف ليس معناه التسليم المطلق بالإجراءات والنتائج, فالنخب الحاكمة تقبل الشكل, وتقوم أحيانا بالتلاعب وإعادة خلط الأوراق فيما يتعلق بترتيب وتنظيم الإجراءات الإدارية والتنظيمية للعملية الانتخابية, بينما تطعن النخب المعارضة في النتائج بالأسلوب القانوني وأساليب الاحتجاج والحشد الجماهيري والإعلامي. وقد عرض د. عودة أفكاره للانتخابات التي جرت في أنجولا عام1992 وفي الكاميرون وغانا وإفريقيا الوسطي وتوجو وكينيا, ثم تناول تجربة انتخابات الرئاسة في السنغال في عام2000 حيث رفع عبدالله واد شعار التغيير وفاز في انتخابات رئاسة الجمهورية وبالأغلبية في البرلمان وهزم الحزب الاشتراكي الحاكم والذي كان قد بقي في السلطة أربعين عاما متوالية منذ الاستقلال. كتاب الدكتور عودة صدر أيضا في وقته حتي تتعرف الأجيال الجديدة من أبناء مصر علي القارة التي ننتمي إليها, خاصة والمصريون مهمومون بقضية مياه النيل, وهي قضية إفريقية, والكتاب في النهاية يقول لأحد أعلام مصر الكبار شكرا علي كل ما قدمت وأسهمت به من جهد وعرق من أجل مصر وإفريقيا.