ماذا حدث لمصر بلد الأمن والأمان ؟ ماذا حدث لأبنائها؟ لقد كانت مصر من أكثر الدول التي يحيا فيها الأفراد في سلام وأمان بمختلف دياناتهم ومعتقداتهم وألوانهم وجنسياتهم وأصولهم, فقد تربينا جميعا علي أن المسلمين والمسيحيين أخوة يعيشون في بلد واحد, يشاركون بعضهم البعض في الأحزان والمسرات, لأنهم جميعا مصريون وليس لأنهم مسلمون أو مسيحيون, ولكن للأسف خلال السنوات القليلة الماضية اجتاح الشارع المصري موجة غضب عارمة بمختلف فئاته مع أي حدث له علاقة بالمسلمين أو المسيحيين مهما كان صغيرا أو تافها!! فلا أحد يستطيع أن ينكر حالة الاحتقان التي يمر بها المجتمع تجاه هذه الأحداث. وترجع أسباب هذا الغضب العارم إلي سببين رئيسيين أولهما: أن الشباب المصري عموما أصبح يعاني من مجموعة من المشكلات والإحباطات التي تؤثر عليه بشكل سلبي وجعلته دائما مشحونا, ومن أخطر هذه المشكلات البطالة والفقر وتأخر سن الزواج والقمع والقهر وكبت الحريات وعدم المشاركة سواء في الحياة السياسية أو الاجتماعية, أما السبب الثاني: فهو وجود قوة خارجية تسيطر علي عقولهم وتستغل هذه الأحداث لتشعل نيران الفتنة في قلوب الشباب. ففي النهاية الأحداث تختلف ولكن النتيجة واحدة, تظاهرات ومشاحنات ومصادمات بين الشباب المسيحي والمسلم, والذي يدفع ثمن ذلك هو النسيج الوطني. والحقيقة أنه علي مر الأحداث والفترات الزمنية فإن, الدولة بمختلف فئاتها وأجهزتها لم تتعامل مع مثل هذه الأمور بالحكمة المطلوبة لاحتواء هذه الأزمات وحلها, فلابد أن يعلم المسئولون أن عدم معالجة هذه الأحداث بشكل سليم وعقلاني سوف يؤدي بنا في النهاية إلي حدوث كارثة حقيقية, فهناك عدم ثقة وعدم مصداقية فيما يتداول من أنباء, فالكنيسة أشاعت أن بطلة الأزمة الأخيرة كاميليا زوجة كاهن المنيا قد تم اختطافها, وتظاهر الشباب المسيحي داخل الكاتدرائية المرقسية بالعباسية, ولأول مرة في التاريخ انضم50 قسيسا إلي هذا التظاهر مطالبين بإعادة زوجة الكاهن,بينما أعلنت الشرطة عندما وجدتها بعد عشرة أيام من اختفائها أنها لم تكن مختطفة, ولكنها كانت غاضبة لدي احدي صديقاتها بسبب خلافات زوجية, في حين ظهرت روايات أخري في وسائل الإعلام تفيد أن كاميليا أشهرت إسلامها وتركت بيت الزوجية برغبتها الكاملة. وتضارب الأقوال أدي إلي عدم المصداقية والذي يعتبر نتيجة طبيعية لسياسة الصمت والتعتيم من جميع الجهات, فالأمن بعدما وجد الزوجة وسلمها للكنيسة لم تقم الكنيسة بإبداء أي تصريح أو تعليق علي عودتها سوي أنها تركت المنزل ولم تكن مخطوفة, فلم يقدم اعتذارا أو اعترافا علنيا من الزوجة المختفية حول أسباب اختفائها, مما أثار البلبلة والشكوك حول مصيرها المجهول وحول ما سوف يحدث لها, خاصة بعد أن نشرت العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية روايات مختلفة أثارت الأقاويل والبلبلة وسخط وغضب العديد من الشباب المسلم والمسيحي, مما أدي إلي تظاهر عدد من المحامين لمطالبة البابا شنودة بظهور كاميليا زوجة كاهن دير مواس لتعلن بنفسها ما إذا كانت محتجزة في الكنيسة رغما عنها, وما إن كانت تريد إشهار إسلامها من عدمه, وطالب المتظاهرون خلال بيان أصدروه باسم رابطة المحامين ضد الفتنة الطائفية بأهمية الحفاظ علي حقوق أي إنسان في أن يختار دينه, كما ذكروا عدم شرعية تحول الكنائس أو المساجد إلي قلاع ذات حصانة, فيجب أن تخضع الأديرة إلي الرقابة الأمنية والصحية, هذا بالإضافة إلي تقدم أحد المحامين المصريين بشكوي للأمين العام للأمم المتحدة يطلب منه التدخل للتحقيق في واقعة اختفاء المواطنة كاميليا زاخر زوجة أحد الكهنة الأقباط. وهذا أدي إلي تصعيد الموضوع بشكل كبير, فلابد أن يحاسب المسئولون عن إثارة الرأي العام في أسباب اختفاء كاميليا, فمثل هذه القضايا تؤدي إلي زيادة الاحتقان لعدم المصداقية, فعدم ظهور كاميليا في وسائل الإعلام أثار الأقاويل والبلبلة بشكل مبالغ فيه, فلماذا لا تسمح الكنيسة بظهور كاميليا لتروي بنفسها ما حدث وتؤكد او تكذب كل ما قيل ؟ فالشخص المسئول الذي أثار البلبلة وحرض علي الاعتصام وعرض حياة المواطنين للخطر لابد أن يحاكم ويحاسب علي خطئه, فهو مواطن مصري بالغ وراشد ومسئول عن أفعاله, ولابد أن يحاسب علي الخطأ الذي ارتكبه دون أي حساسية أو تدخل من الكنيسة, فلو كان أي مواطن آخر في أي قضية عادية لتمت محاسبته, فلماذا لا نتعامل بنفس المنطق مع من أخطأ مهما كانت رتبته أومكانته أو ديانته ؟! ففي رأيي أن الدين لله والوطن للجميع ولا يصح أبدا أن نخلط الأوراق ونأتي علي هيبة الدولة, ولا نساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات, ففي مثل هذه الحوادث لابد أن تكون هناك محاسبة للمخطئين, وشفافية ووضوح, لأن الكتمان والسرية يؤديان إلي المزيد من الاحتقان والشائعات مما يزيد الأمور تعقيدا! فلابد أن يراجع كل فرد في الدولة مواقفه وسلوكياته, ويراعي الجميع مصلحة الوطن وليس المصالح الشخصية, لأن الوطن هو الذي سوف يبقي وليس الأشخاص, فإذا تم الاستمرار علي العمل بهذه الطريقة والتعامل مع القضايا الشائكة بهذا الأسلوب سوف تحدث كارثة ضحاياها هم أبناء هذا الوطن.