ثلاث ساعات حاسمة قضاها الرئيس حسني مبارك مع مجلس الوزراء أمس بكامل هيئته, ولم يكن هو أول اجتماع مع المجلس منذ فترة طويلة فحسب, بل يمكن اعتباره نقطة فاصلة بين مرحلتين في أداء الحكومة وتعاملها مع القضايا المثارة علي الرأي العام. فالرئيس فتح كل الملفات وناقش كل وزير علي حده, وكان حاسما في كل ما يتعلق باحتياجات الناس واتخاذ خطوات جريئة نحوها, وأنه لن يقبل فيها أي تأجيل أو تأخير مهما كانت المبررات, وأن علي الحكومة أن تعمل بكامل طاقتها لسد الفجوة وتغطية أي نقص بين الإمكانات المتاحة وما يحتاجه الناس من خدمات..وطلب الرئيس من الحكومة التخلي عن فضيلة الصمت التي تلجأ إليها احيانا مع اتهامات تطولها بالتقصير والغياب عن متابعة مشكلات الناس والتباطؤ في حلها, وحثها علي الرد والتفاعل وتقديم كشف حساب أولا بأول.. كانت رسالة الرئيس واضحة للغاية ولها ثلاثة أوجه.. أولا: أن تستعد الحكومة للانتخابات البرلمانية القادمة وأن تتخذ الإجراءات الكفيلة بأن تكون نزيهة وشفافة, تتيح لأكبر عدد من المواطنين التصويت بحرية. ثانيا: تنفيذ برنامجه الانتخابي كاملا وبدقة متناهية قبل نهاية ولايته الحالية, وإزالة أي معوقات تعترضه, خاصة فيما يتعلق بخدمات المواطنين في الريف والحضر. ثالثا: التعامل السريع سواء من الحكومة ككل أو من الوزراء المعنيين مع مشكلات المواطنين التي تحدث في أي وقت. رابعا: احترام الحكومة للرأي العام والدخول في أي حوار ينشب عن أدائها وطريقة عملها. وبالطبع كان موضوع رسالة الرئيس هو الناس, والناس تعني رفع معدلات النمو والتشغيل, وخلق فرص عمل جديدة, وتوسيع قاعدة العدل الاجتماعي.. باختصار رسم الرئيس خريطة طريق لقضايا العمل الوطني في الفترة المقبلة.. وكان خطابه مع المجلس له أربعة مسارات.. الأول: وضع نظام جديد وشامل لاستغلال أراضي الدولة والتصرف فيها ويكون علي مكتب الرئيس خلال شهر واحد فقط, نظام شفاف يسد الثغرات ويغلق بالضبة والمفتاح الباب في وجه أي شبهة فساد أو انحراف, ويحافظ علي اراضي الدولة ويحترم الملكيات العامة والخاصة. وشدد الرئيس علي وضع قواعد صارمة وواضحة ومعلنة سواء لإجراءات تخصيص الأراضي للأنشطة الإنتاجية والخدمية, أو لتسعيرها بما يتفق مع نشاطها الاقتصادي المخصصة له, مع عدم السماح بتغيير هذا النشاط أو ترك الأرض دون استغلال وهو ما يعرف بالتسقيع, والأهم أن تكلف جهة حكومية وحيدة بالمسئولية عن التخطيط العمراني لأراضي الدولة, حسب أولويات التنمية والمزايا النسبية لكل محافظة واحتياجات المواطنين من الخدمات. الثاني: تنفيذ عدد من المناطق: تجارية, وخدمية, ومشروعات صغيرة ومتوسطة بأسرع ما يمكن بكل محافظات مصر, علي أن تختار هذه المناطق بالتنسيق مع المحافظين وتحدد قواعد طرحها خلال الشهور الستة القادمة.. وقال الرئيس: أريد تقريرا خلال شهرين عن هذه المناطق وما حدث فيها. الثالث: إنشاء تجمعات زراعية صناعية متكاملة..تتيح فرص عمل ودخل لأهلنا في الريف, ويستصلح لها250 الف فدان في المرحلة الأولي..وتنفذ بنفس إجراءات المناطق التجارية ويعرض تقرير عنها للرئيس خلال شهرين أيضا. الرابع: ضخ استثمارات جديدة في شرايين البنية الأساسية المصرية, صرف صحي ومياه وطرق وكباري وتعليم وصحة.. وحين تناقش الرئيس مع الوزراء وضح أن هذه المشروعات يلزمها58 مليار جنيه تمويلا إضافيا إلي جانب ما يخصص لها من الميزانية العامة, منها11 مليارا للطرق والكباري, و5 مليارات للصحة, و20 مليارا للمياه والصرف الصحي وملياران للتعليم: وكان السؤال: من أين يجري تدبير هذا المبلغ الكبير في ثلاث سنوات؟ طلب الرئيس من الحكومة أن تدبر الأمر من كافة وسائل التمويل المتاحة, كما أن قانون المشاركة بين القطاعين العام والخاص في مشروعات البنية الأساسية المعتمد من البرلمان في دورته المنتهية يمكن أن يلعب دورا في تغطية هذا النقص.. لكن الرئيس قال للحكومة: انتهوا أولا من تحديد المشروعات وتكاليفها في كافة القطاعات خلال شهرين, ثم نطرح هذه المشروعات وفق أحكام القانون الجديد. وطرحت الحكومة تجربتها مع القانون, وكانت فعلا قد بدأت دراسة وطرح عدد من المشروعات بنظام المشاركة بين الحكومة والقطاع الخاص, منها محطات للصرف الصحي في القاهرةالجديدة, و6 أكتوبر, وابو رواش, وغرب الإسكندرية ومحور روض الفرج ومستشفيات سموحة والمواساة. وقد دخل الرئيس في مناقشات مع عدد من الوزراء وطرح عليهم تساؤلات كثيرة..ودارت كلها حول تسعة محاور أساسية.. الاستثمار والتشغيل: وتحدث الرئيس مع وزراء المالية, والتجارة والصناعة, والاستثمار, والبترول, والزراعة, والري والموارد المائية..وتحدثوا جميعا عن برامج الحكومة وسياساتها في مجالاتهم..وبينت المناقشات أن هذه السياسات وفرت3.9 مليون فرصة عمل منذ تنفيذ برنامج الرئيس الانتخابي من مجموع4.5 مليون فرصة عمل كانت مخططة في ست سنوات. وشدد الرئيس علي توفير مصادر طاقة لازمة للنشاط الاقتصادي, فلا استثمارت جديدة دون طاقة, مضاعفة الصادرات البترولية في ثلاث سنوات لمضاعفة العوائد النفطية التي تحتاجها الميزانية العامة. الزراعة: وقد استمع الرئيس إلي تقرير من وزير الزراعة عن استصلاح الأراضي الصحراوية, وإجراءات دعم الفلاح من بنك التنمية والائتمان الزراعي واسعار توريد المحاصيل الزراعية من قصب وقمح وذرة لمواجهة تكلفة مستلزمات الإنتاج. كما قدم وزير الري تقريرا عن تطوير وصيانة نظم الري في الدلتا والصعيد, ومشاكل نقص المياه في نهايات الترع ببعض المحافظات وطلب الرئيس حل مشكلة وصول المياه إلي نهايات الترع فورا, كذلك التوسع في محطات تحلية المياه وتطوير الري السطحي بالأراضي القديمة, ورفع كفاءة استخدام المياه في القطاعات غير الزراعية. الصحة والسكان: تلقي الرئيس تقريرا من وزير الصحة حول الانتهاء من إنشاء وتطوير(1826) وحدة صحية و(169) مستشفي عاما ومركزيا, فقال له الرئيس أن يمضي قدما في برنامج تطوير الوحدات الصحية الأساسية خاصة في الريف, والتوسع في إنشاء مراكز الأورام علي مستوي الجمهورية, واستفسر عن التحديات التي تواجه برنامج التأمين الصحي وإصدار القانون الخاص به, وخطط الحكومة للتعامل معها. وأدار الرئيس نقاشا موسعا مع وزيرة الأسرة والسكان حول سياسات تنظيم الأسرة وضبط النمو السكاني, وشدد علي ضرورة تضافر الجهود لمواصلة الحملات الإعلامية للتوعية بمخاطر الزيادة السكانية غير المحسوبة, والترويج لمفهوم الأسرة الصغيرة المكونة من طفلين, وأكد أهمية دور الرائدات الريفيات في التوعية باستخدام وسائل تنظيم الأسرة, والدور الموازي والمماثل في أهميته للجمعيات الأهلية. التعليم: استعرض وزير التربية والتعليم الانتهاء من إنشاء(2300) مدرسة جديدة منذ بداية البرنامج الانتخابي, تضم(35 ألف فصل), فطلب الرئيس استكمال أهداف البرنامج من المدارس والفصول الجديدة, وحث علي الاهتمام بتطوير مهارات المعلمين, واستكمال البرامج التي بدأوها وتوفير المخصصات اللازمة لتطوير التعليم قبل الجامعي والجامعي, والتركيز بوجه خاص علي التعليم الفني, وقال الرئيس: إن تشجيع القطاعين الخاص والأهلي مهم جدا علي تمويل التعليم وفقا للأطر التشريعية المستحدثة, مثل التعديل التشريعي الخاص بإنشاء الجامعات الأهلية, وقانون تنظيم المشاركة بين القطاعين العام والخاص الذي اعتمدته الدورة الأخيرة للبرلمان. الإسكان: قدم وزير الإسكان تقريرا عن الانتهاء من إنشاء(300) ألف وحدة سكنية للشباب منها(25 ألف وحدة) للأسر الأولي بالرعاية.. فسأله الرئيس الاسراع في استكمال أهداف البرنامج الانتخابي, والانتهاء من الأحوزة العمرانية الجديدة للقري والمدن المصرية.. واستفسر عن الموقف بالنسبة للائحة التنفيذية لقانون البناء الجديد خاصة فيما يتعلق ببعض المشكلات التي ترتبت علي تطبيق القانون في الريف.. كما استفسر عن موقف تنفيذ خطط مشروعات المياه والصرف الصحي. النقل: وتلقي الرئيس تقريرا من وزير النقل حول مشروعات تطوير السكك الحديدية, وتطوير النقل الجماعي بين المحافظات, وتطوير شبكات الطرق والكباري, واستفسر عن الموقف من الموارد اللازمة لتمويل هذه المشروعات في ضوء المخصصات المالية المرصودة لها بموازنة الدولة, ووجه لضرورة الاستفادة من الفرص التي يتيحها قانون تنظيم المشاركة بين القطاعين العام والخاص.. لتوفير التمويل الاضافي اللازم لهذه المشروعات. تطبيق قانون التأمين والمعاشات الجديد: استعرض الرئيس قانون التأمين والمعاشات الجديد, وأكد أن البدء في تطبيق بعض مواد القانون منذ أول يوليو الماضي قبل الانتهاء من هياكله وترتيباته المؤسسية قد أدي لرفع معاشات الفئات الأدني لنحو(3.7) مليون مواطن بنسب تصل الي(300%), كما أكد أن ربط المعاشات بالأسعار علي نحو ما يكفله القانون الجديد قد انهي بصفة قاطعة تآكل القوي الشرائية لأرباب المعاشات نتيجة ارتفاع الأسعار. وقد شدد الرئيس علي ضرورة الإسراع في تسجيل العمالة غير المنتظمة والموسمية والزراعية حتي يتمتع المشتغلون بها بالتغطية التأمينية التي يكفلها القانون الجديد فور بدء العمل به في يناير.2012 كما طلب الرئيس من الحكومة البدء في حصر وتسجيل كل من لا معاش له حتي يتمكنوا من الانتفاع بالمعاش الأساسي منذ اليوم الأول لتطبيق القانون. وقد وجه الرئيس وزير المالية للإسراع بالانتهاء من اللائحة التنفيذية للقانون, والتعجيل بإصدار البطاقات الذكية لأرباب المعاشات لتسهيل صرف معاشاتهم من خلال الجهاز المصرفي في جميع أنحاء الجمهورية, وطلب الرئيس رفع عدد حملة هذه البطاقات من(1.5) مليون إلي(2.5) مليون مواطن قبل نهاية العام الحالي. برامج مكافحة الفقر: استعرض الرئيس ما تحقق من مضاعفة الأسر المستفيدة من معاش الضمان الاجتماعي علي مدار الخمس سنوات الماضية ليصل إجمالي هذه الأسر حاليا إلي مليون ومائتي ألف أسرة وفقا لما تعهد به البرنامج الانتخابي, وقد وجه الرئيس وزيري المالية والتضامن الاجتماعي للإسراع في مضاعفة مظلة الضمان الاجتماعي مجددا لتستوعب(2.5) مليون أسرة خلال السنوات الثلاث المقبلة, خاصة بعد التعديل الأخير لقانون الضمان الاجتماعي والذي يتيح مرونة أكبر في معايير تحديد الأسر المستفيدة, كما أكد ما يوليه من أهمية لمشروع بطاقة الأسرة وبرنامج الاستهداف الجغرافي للقري الأكثر فقرا, وجدد تعليماته للحكومة بالانتهاء من البرنامج خلال خمس سنوات. اللامركزية: شدد الرئيس مبارك علي ضرورة استمرار الحكومة في دعم اللامركزية بتحويل بعض عناصر الموازنة العامة من المستوي المركزي إلي مستوي المحليات, واستعرض وزراء التنمية المحلية والمالية والشئون القانونية التعديلات المقترحة علي قانون الإدارة المحلية تحقيقا لهذا الهدف.