صلاح عبدالصبور كان يقول.. رءوس الحيوانات علي أجساد الناس.. ورءوس الناس علي أجساد الحيوانات.. فتحسس رأسك.. فتحسس رأسك.. وتتذكر كلام الشاعر كثيرا وأنت تمشي في شوارع أفنيون الجميلة.. تلك المدينة الفرنسية التي تحولت الي فضاء مسرحي بديع.. كل مكان فيها حتي الجراجات وأفنية المدارس والمنازل القديمة وكذلك الكنائس التاريخية.. والعروض المسرحية هناك هي الجنون بعينه.. اللامعقولية هي سيدة الموقف.. والداديون مسيطرون جدا علي المشهد.. وتتمني عندها لو أنهم انتبهوا إلي أعمال عبدالصبور.. خاصة مسرحية مسافر ليل.. بأجواء القطار والكمسري والأسئلة الوجودية الكبري وعبثية من يأكل التذاكر في تلذذ شديد.. وتتخيل فرانز كافكا يجلس أمام قصر الباباوات يحتسي الاكسبرسو مع صلاح ويتناقشان في وضعية إنسان هذا العصر.. هل المشكلة في رأسه فقط أم جسده كله الذي تحول إلي حشرة عملاقة مثل جريجور الذي استيقظ من نومه ذات صباح ليجد جسده غريبا عجيبا.. أرجله تحولت إلي سيقان رفيعة وأصبح له ظهر صلب وبطن ذات فصوص.. حاول أن ينزل من فوق السرير فلم يعرف كيف؟ لونزل بسيقانه الضعيفة لم يقو علي حمل جسمه.. ولو حاول أن ينزل بنصفه الأعلي ربما ارتطم رأسه بالارض وتهشم.. ثم إنه وجد الحجرة قد ضاقت عليه كثيرا.. فكر في شغله وكيف سيذهب الي العمل في تلك الحالة؟.. وماذا ستكون ردة فعل عائلته عندما يرونه في هذا المنظر العجيب؟.. أمه وأبوه وأخته وأيضا صاحب العمل الطاغية الرهيب.. وبدأت المشاكل.. وخاف الجميع منه.. واعتزل الناس في حجرته.. وأحيانا كان ينام تحت الكنبة حتي لا تخاف أخته وهي تدخل له الطعام كل يوم وتنقل تقريرا مفصلا للعائلة.. وفي النهاية تمنوا أن يتخلصوا منه ولكن ما هي الوسيلة؟.. وسرعان ما جاءهم العون الإلهي.. مات فارتاحوا.. وخرجوا إلي الحياة يستبشرون بمستقبل جميل.. يالله.. أي خيال هذه ياكافكا وأي صدمة بل وأي صفعة قاتله توجهها الي البشرية في هذا الزمن المتوحش.. تخيلت أن ينضم إليهما أنيس منصور ويدور نقاش حول عذابات الانسان هذه الأيام.. ولماذا كافكا يطل علينا بين حين وآخر كلما طرحنا أسئلة موجعة حول الحياة والموت والوجود.. الشاعر مريد البرغوثي يري أن الإنسان قد ظلم نفسه عندما قبل الأمانة أصلا.. ويرد محمود درويش.. رغم كل شيء فإننا نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا.. وتعود إلي عروض أفنيون فتري أجيالا جديدة تعيد إنتاج نفس التساؤلات بطريقتها.. يتمردون علي كل شيء.. علي ألوان شعرهم وعلي الملابس واللاملابس.. هو جيل رقمي جدا ديجيتال.. يعيش في قلب الانفجار المعرفي ولا يعرف شيئا بل يعرفون الكثير عن الفيزياء ولا يفهمون الكثير عن الميتافيزيقا وتلك هي المشكلة.. التوازن مهم جدا ما بين الروح والجسد.. وكما يقول مولانا جلال الدين الرومي ان العقل والروح محبوسان في الماء والطين مثل هاروت وماروت في جب بابل انهما في العالم السفلي والشهواني.. ومهمة الانسان الصعبة هي أن يخرج بهما وبنفسه الي النور الي العوالم العليا المضيئة. ونحن دائما نحاول ان نفعل كما كان يحاول كافكا. [email protected]