قائد الدفاع الجوي: الثلاثون من يونيو عام 70 هو البداية الحقيقية لاسترداد الكرامة    حكاية الثورة التى استعادت الدولة| 30 يونيو .. وبناء القوة القادرة لمصر    احتفالية كبرى بذكرى ثورة 30 يونية بإدارة شباب دكرنس    غدا، طرح كراسات شروط حجز شقق مشروع valley towers    «النقل» تعلن إنشاء مركز خدمة وصيانة وإعادة تأهيل لماكينات حفر الأنفاق في مصر    رئيس الوزراء يشهد توقيع الاتفاقية الخاصة بمشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر بمنطقة جرجوب    زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد: هناك محادثات لإسقاط حكومة نتنياهو    البرلمان العربي يؤكد الدور المهم للنساء البرلمانيات في مكافحة الإرهاب    مقتل 9 أشخاص إثر انهيارات أرضية في نيبال    زعيم المعارضة الإسرائيلية: محادثات مع أطراف مختلفة لإسقاط حكومة نتنياهو    مصدر من اتحاد الكرة يوضح ل في الجول كيفية حصول الزمالك على الرخصة القارية.. وموقف السوبر الإفريقي    مانشستر يونايتد يراقب دي ليخت لخطفه من بايرن ميونخ    رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2024 .. على الموقع من هنا    محافظ الجيزة يوجه بسرعة إصلاح خط مياه ميدان فينى لعودة الخدمة    حبس 20 متهماً بتهمة استعراض القوة وقتل شخص في الإسكندرية    ينطلق 6 يوليو.. من هم ضيوف الموسم الأول من برنامج بيت السعد؟    "مواهبنا مستقبلنا" تحيي احتفالية ثورة 30 يونيو بالمركز الثقافي بطنطا    مراسل القاهرة الإخبارية: الاحتلال يطلق النيران على خيام النازحين    "المملكة المغربية الهاشمية".. موقف محرج ل محمد رمضان من المؤتمر الصحفي لمهرجان موازين    «نويت أعانده».. لطيفة تطرح مفاجأة من كلمات عبد الوهاب محمد وألحان كاظم الساهر    الثقافة تعلن فتح باب التقديم لمسابقة «مصر ترسم» لاكتشاف المواهب الفنية    وزير الصحة يبحث مع ممثلي شركة «إيستي» السويدية تعزيز التعاون في القطاع الصحي    تبادل كهنة أسرى بين روسيا وأوكرانيا    الداخلية تكشف ملابسات واقعة طفل الغربية.. والمتهمة: "خدته بالغلط"    حبس المتهمين بإنهاء حياة طفل بأسيوط.. قطعوا كفيه لاستخدامهما في فتح مقبرة أثرية    الأوقاف: فتح باب التقدم بمراكز الثقافة الإسلامية    رئيس جهاز الشروق: استمرار الإزالات الفورية للمخالفات خلال أيام العطلات الرسمية    ليفربول يحاول حسم صفقة معقدة من نيوكاسل يونايتد    كوناتي: لوكاكو أقوى مهاجم واجهته.. كامافينجا: غياب كورتوا أمر جيد لنا    مانشستر سيتي يخطف موهبة تشيلسي من كبار الدوري الإنجليزي    تطوير عربات القطار الإسباني داخل ورش كوم أبو راضي (فيديو)    موعد عرض مسلسل لعبة حب الحلقة 54    عمرو دياب يطرح ريمكس مقسوم لأغنية "الطعامة"    «مياه الشرب بالجيزة»: كسر مفاجئ بخط مياه بميدان فيني بالدقي    استشارية أمراض جلدية توضح ل«السفيرة عزيزة» أسباب اختلاف درجات ضربة الشمس    ربيع: إعادة الريادة للترسانات الوطنية وتوطين الصناعات البحرية    إحالة أوراق المتهم بقتل منجد المعادي للمفتي    ننشر أسماء الفائزين في انتخابات اتحاد الغرف السياحية    المجاعة تضرب صفوف الأطفال في شمال قطاع غزة.. ورصد حالات تسمم    القاهرة الإخبارية: لهذه الأسباب.. الفرنسيون ينتخبون نواب برلمانهم بانتخابات تشريعية مفاجئة    وفد من وزارة الصحة يتفقد منشآت طبية بشمال سيناء    بعد إحالته للمفتي.. تأجيل محاكمة متهم بقتل منجد المعادي لشهر يوليو    برقية تهنئة من نادي النيابة الإدارية للرئيس السيسي بمناسبة ذكري 30 يونيو    الأهلى تعبان وكسبان! ..كولر يهاجم نظام الدورى.. وكهربا يعلن العصيان    ضحية إمام عاشور يطالب أحمد حسن بمليون جنيه.. و14 سبتمبر نظر الجنحة    مصر تدعو دول البريكس لإنشاء منطقة لوجستية لتخزين وتوزيع الحبوب    الصحة: اختيار «ڤاكسيرا» لتدريب العاملين ب «تنمية الاتحاد الأفريقي» على مبادئ تقييم جاهزية المرافق الصيدلانية    ماهو الفرق بين مصطلح ربانيون وربيون؟.. رمضان عبد الرازق يُجيب    مجلس جامعة الأزهر يهنئ رئيس الجمهورية بالذكرى ال 11 لثورة 30 يونيو    بدءا من اليوم.. فتح باب التقدم عبر منصة «ادرس في مصر» للطلاب الوافدين    الصحة: الكشف الطبى ل2 مليون شاب وفتاة ضمن مبادرة فحص المقبلين على الزواج    كيف فسّر الشعراوي آيات وصف الجنة في القرآن؟.. بها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت    شرح حديث إنما الأعمال بالنيات.. من أصول الشريعة وقاعدة مهمة في الإسلام    مجلة جامعة القاهرة للأبحاث المتقدمة تحتل المركز السادس عالميًا بنتائج سايت سكور    الإفتاء: يجب احترم خصوصية الناس وغض البصر وعدم التنمر في المصايف    حكم استئذان المرأة زوجها في قضاء ما أفطرته من رمضان؟.. «الإفتاء» تٌوضح    «غير شرعي».. هكذا علق أحمد مجاهد على مطلب الزمالك    البنك الأهلي: تجديد الثقة في طارق مصطفى كان قرارا صحيحا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الماضي والموروث والحاضر المتحول
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 08 - 2010

هل نحن منشغلون بالماضي عن الحاضر؟ وهل نحن استبعدنا المستقبل من تفكيرنا؟ حين أتأمل السلوك السياسي والثقافي السائد في المجتمعات العربية أحس إحساسا عميقا بأن النخب السياسية الحاكمة مازالت أسري قيم وتقاليد وأعراف الماضي‏.‏ ولعل أبرز قيمة سياسية حكمت التاريخ العربي هي كما ذكرنا في مقالنا الماضي الاستئثار بالسلطة المطلقة‏!‏
وهذا الاستئثار تم نتيجة توارث الملك جيلا بعد جيل في النظم السياسية الملكية‏,‏ وهذه النظم لا تؤمن اطلاقا بتوزيع السلطة‏,‏ وعادة ما تمارس الحكم بناء علي نظام محكم ودقيق يضبط سلوك الناس ويراقب حركتهم وأحيانا يراقب ما يجول في أفكارهم‏.‏
وليست النظم الملكية فقط هي التي تسودها هذه الممارسات القمعية بل إن النظم السياسية الشمولية تتشابه مع الملامح الأساسية لهذه النظم‏,‏ وربما بصورة أشد عنفا وقسوة‏.‏
وإذا تذكرنا الرواية الشهيرة للروائي الإنجليزي جورج أوويل‏1984‏ والتي يلعب الدور الأساسي فيها الأخ الأكبر‏BigBrother‏ أو الحاكم المطلق الذي يراقب في كل ثانية حركات الناس بل والأحاديث التي يتناولها من خلال أجهزة مركبة في كل بيت‏,‏ لأدركنا أن موضوع الرقابة أحد الملامح الأساسية لأي نظام شمولي قد يتسع نطاق الرقابة أو يضيق حسب المراحل التاريخية ونوع المجتمعات‏,‏ ولكن مضمونها واحد‏,‏ وهو أن الفرد ليس حرا طليقا في حركته الاجتماعية بل وفي مجال عالمه الفكري وما يدور فيه من أفكار‏!‏
وجاء عهد علي الوطن العربي ثارت فيه بعض الجماعات السياسية أو العسكرية علي النظم الملكية المطلقة‏,‏ وقامت بانقلابات عسكرية مشهورة غالبا ما يكون يطلق عليها بعد ذلك مصطلح الثورة وبشرت هذه النظم الجديدة بإلغاء الرقابة علي حركة الناس وعلي أفكار المثقفين والبشر بشكل عام‏,‏ غير أنه تبين من الممارسة الفعلية أن هذه النظم الجمهورية الديقراطية مارست من فنون القمع السياسي ما عجزت عنه من قبل النظم الملكية المطلقة‏!‏
كيف يمكن الخروج من هذا المأزق التاريخي الذي يواجه المجتمع العربي المعاصر‏,‏ ونعني سيادة الحكم المطلق والشمولية السياسية؟ وهل يمكن بالفعل القيام بعملية تحول ديمقراطي‏,‏ ونعني الانتقال من الشمولية بكل أنماطها إلي الديمقراطية والليبرالية؟
سؤال محير لأن الممارسة السياسية في العقود الماضية أثبتت أن عملية التحول الديمقراطي في الوطن العربي متعثرة لأن مقاومة التغيير والتشبث بالإبقاء علي الأوضاع الراهنة أقوي من محاولات الناشطين السياسيين الذين يحاولون من زوايا متعددة وباتباع أساليب مختلفة تحقيق الأمل الديمقراطي‏.‏
غير أن التأمل في المشهد الثقافي العربي يظهر أن سلوك الجماهير وتشبثها بقيم الماضي لا يقل إطلاقا عن تشبث أعضاء النخب السياسية العربية الحاكمة بممارسة السلطة المطلقة‏!‏
وهذا السلوك الجماهيري لا يمكن تفسيره إلا بناء علي تحليل ثقافي عميق‏,‏ ومنهجية التحليل الثقافي تركز تركيزا شديدا علي مفهوم أساسي هو مفهوم رؤية العالم‏.‏
ورؤية العالم هي النظرة للكون والمجتمع والإنسان وتختلف الثقافات المختلفة في رؤاها السائد ة للعالم‏.‏
الثقافة العربية علي سبيل المثال تسود ها رؤية ماضوية للعالم وهذه الرؤية تسربت إلي عقول البشر من خلال برامج تعليم عقيمة وإعلام فاشل وتنشئة اجتماعية تركز علي تقديس التقاليد حتي ولو كانت قد تجاوزها الزمن‏.‏
وذلك في حين أن الثقافة الغربية تسودها رؤية مستقبلية للعالم ولذلك نشأ في عديد من البلاد الغربية علم المستقبل الذي يحاول وفقا لمناهج شتي استشراف المستقبل‏,‏ حتي يتاح لصانعي القرار وللمخططين الاجتماعيين تغيير المجتمع وفقا لخطة منهجية لها أهداف محددة وتبغي تحقيق قيم من شأنها أن تنهض بالإنسان وإذا تتبعنا التاريخ الفكري والاجتماعي العربي لأدركنا أن أجيالا متتابعة من المفكرين العرب حاولوا تغيير هذه الرؤية الماضوية للعالم من خلال مشروع النهضة الذي قاموا به من خلال إبداعات واجتهادات شتي‏.‏ غير أن هذا المشروع انقضت عليه التيارات الرجعية وحاولت وقف تطوره‏.‏
ولنتذكر الزوبعة التي قامت حين نشر الدكتور طه حسين كتابه الشهير الشعر الجاهلي وما أدي اليه من أزمات سياسية ومعارك ثقافية قامت بين التقليديين والمجددين ونفس المعارك دارت بصدد كتاب الشيخ علي عبدالرازق الإسلام وأصول الحكم والذي أراد منه أن يقدم فكرة جوهرية عن مدينة الإسلام‏,‏ حتي يفند دعاوي أنصار الدولة الدينية الذين لم يتوقفوا عن النضال ضد الدولة المدنية‏.‏
مشاريع النهضة إذن حاولت أن تغير من رؤي العالم الماضوية‏,‏ غير أنها توقفت أو تعثرت بحكم قيام مجموعة من الانقلابات العسكرية والتي اتخذت سمت الثورات وأصبح التفكير الثوري بديلا عن التفكير النهضوي‏,‏ وكان في ذلك قطعا متعمدا لمسيرة التقدم العربي للأسف الشديد‏.‏
غير أنه يضاف إلي ذلك أن الجماعات الإسلامية المتطرفة دخلت الميدان بكل قوة لكي تستعيد الرؤية الماضوية للعالم‏,‏ من خلال الدعوة الصريحة لإقامة الدولة الدينية من خلال رفع شعار تطبيق الشريعة الإسلامية لأن الإسلام في زعمهم هو الحل‏!‏
ومن هنا يصح أن نطرح سؤالا استراتيجيا هل لابد لنا من أن نسترجع مرة أخري فكر مفكري النهضة العربية الكبار حتي نعاود مسيرة الحداثة المتعثرة؟
في تقديرنا أصبحت هذه المسألة في مقدمة الأولويات التي ينبغي علي المثقفين العرب أن يبذلوا الجهد فيها‏,‏ وذلك لبيان كيف يمكن وصل ما انقطع من فكر نهضوي رائد وربطه بالفكر العالمي السائد في الوقت الراهن‏.‏
بعبارة أخري الحاضر الذي نعيشه الآن في عصر العولمة هو حاضر متحول‏,‏ نجم عن تغيرات أساسية لحقت ببنية المجتمع العالمي‏,‏ دراسة هذه التغيرات وفهم منطقها الداخلي وتحديد آثارها السياسية والاقتصادية والثقافية أصبح ضرورة أساسية‏.‏
الواقع المتحول يثير قضايا جديدة لم تطرح من قبل‏,‏ لعل أهمها علي الاطلاق تغير طبيعة المجال العام‏.‏ هذا المجال الذي كان يفصل بين المجال الخاص والدولة وفيه تتم مناقشة المسائل الكبري المتعلقة بالتطور الاجتماعي من خلال الإعلام والمنتديات والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني‏.‏
وذلك لأنه نتيجة لظهور الفضاء المعلوماتي‏CYBERSPACE‏ انتهت الفروق بين المجال الخاص والمجال العام‏!‏
ويشهد علي ذلك أن العدد الاخير من مجلة الأكسبريس الفرنسية‏(‏ عدد من‏11‏ 17‏ أغسطس‏2010)‏ يتصدر غلافها الموضوع الرئيسي وهو كيف يمكن في مواجهة جوجل والفيس بوك والهواتف المحمولة والكابلات حماية الحياة الخاصة للبشر‏.‏
والسؤال هل هناك في ظل كل هذه العيون الإلكترونية حياة خاصة للناس؟
قضايا متعددة يطرحها الحاضر المتحول‏,‏ وأبرزها التفاعلات الكبري التي تدور في الفضاء المعلوماتي‏.‏
هذا هو الحاضر في الغرب‏,‏ أما في المجتمع العربي فقد استخدمت الثورة الاتصالية لإنشاء قوات دينية تنشر الفكر الخرافي‏,‏ وتذيع التأويلات المنحرفة للآيات المقدسة‏,‏ وتشجع النقل ولا تستخدم العقل مع أن شعار الحداثة الأوروبية كان العقل هو محك الحكم علي الأشياء‏!‏
وخلاصة ذلك أن تعثر الوطن العربي في اجتياز اختبار الحداثة هو الذي تسبب في ذيوع ثقافة التخلف الراهنة‏.‏

المزيد من مقالات السيد يسين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.