يواجه العرب هذه الأيام تحديين إسرائيلين مركبين هما معا إفراز لتطور جديد وصادم للعرب في العلاقات الإسرائيلية الأمريكية ويعتبر تراجعا في وعود الرئيس الأمريكي باراك أوباما. التي وعد بها العرب والمسلمين في خطابه المهم بجامعة القاهرة في الرابع من يونيو2009, ببدء عهد جديد من علاقات التعاون والصداقة مع العرب والمسلمين, وتجاوز تراكمات وتداعيات ما فرضته الحرب علي الإرهاب التي خاضها الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش من إساءات لهذه العلاقات. هذان التحديان هما وعدان من الرئيس الأمريكي أوباما لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نيتانياهو في لقائهما بواشنطن منذ شهر تقريبا. الوعد الأول هو دعم أوباما لمطلب المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين قبل انقضاء موعد المفاوضات غير المباشرة التي تجري حاليا بين الطرفين بوساطة المبعوث الأمريكي جورج ميتشيل, وقبل أن تنجز هذه المفاوضات أيا من أهدافها, أما الوعد الثاني فهو دعم أوباما للقدرات النووية الإسرائيلية العسكرية والمدنية. دعم أوباما لمطلب المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين تحول إلي تحد حقيقي للعرب بعد أن وضع الرئيس الأمريكي أوباما رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أمام خيارين: إما الذهاب إلي المفاوضات المباشرة والحصول علي دعم سياسي أمريكي لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة, أو انسحاب الجانب الأمريكي وتنحيه جانبا, هذا التخيير القسري هو ما يريده بنيامين نيتانياهو الآن, فإذا قبل الفلسطينيون بالتوجه نحو المفاوضات المباشرة الآن فإنهم سيحققون لنيتانياهو أجندته التي يستهدفها, وإذا رفضوا ونفذ الأمريكيون تهديدهم بالانسحاب من رعاية العملية السلمية فهذا أيضا ما يريده نيتانياهو لأنه يريد إفشال هذه العملية برمتها, ووضع الفلسطينيين والعرب أمام خيار واحد هو قبول ما تريده إسرائيل فقط, وما تقبل بالتنازل عنه, اعتقادا منه بأن العرب ليس أمامهم خيارات أخري, وأنهم ليسوا فقط عاجزين عن خوض مواجهة مع إسرائيل, بل إنهم غير راغبين أيضا بعد كل ما جري من تطورات داخل الدول العربية فيما يتعلق بعملية إدارة السلطة والسياسة ونوعية القوي الحاكمة وخياراتها السياسية وما جري من تحولات في أنماط تحالفات وعلاقات معظم الدول العربية إقليميا وعالميا, وهي كلها تطورات تصب في اتجاه واحد هو التحرر من الالتزامات القومية السابقة نحو القضية الفلسطينية. وإذا كان رهان نيتانياهو العاجل الآن هو المفاوضات المباشرة وليس إفشال عملية السلام برمتها للحفاظ علي بعض ما تحقق من مكاسب إسرائيلية نظير استمرار هذه العملية التي لم تدفع إسرائيل حتي الآن أيا من أثمانها, فإن الاضطرار الفلسطيني والعربي للقبول بتجاوز المفاوضات غير المباشرة, والانخراط مباشرة في المفاوضات المباشرة يحقق لنيتانياهو الكثير من الأهداف التي يسعي إليها, خصوصا إذا جاءت هذه المفاوضات دون شروط مسبقة, أي دون مرجعية سياسية ودون أفق زمني, أي مفاوضات مفتوحة يستطيع بها نيتانياهو الهروب من المطالب الفلسطينية الحالية. هذا يعني أن نجاح نيتانياهو في وقف المفاوضات غير المباشرة وتجاوزها والدخول مباشرة إلي المفاوضات المباشرة سيعفي إسرائيل من الوفاء بالمطالب الفلسطينية والعربية, خاصة ما يتعلق بجنود الدولة الفلسطينية, والأمن وتجميد الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس المحتلة, وإرجاء البت فيها لما سوف يجري في المفاوضات المباشرة المطلوبة, وأن الدخول في هذه المفاوضات سيحول دون توجه العرب نحو الأممالمتحدة وإنهاء ما يسمي العملية السلمية, والعودة إلي مرحلة ما قبل مؤتمر مدريد للسلام عام1991, الذي نحي الشرعية الدولية تماما كإطار حاكم لتلك العملية, واستبدالها بالرعاية الأمريكية السوفيتية في مرحلة أولي, ثم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أصبحت الرعاية أمريكية فقط, وأصبح ما يسمي الوسيط النزيه( الأمريكي) هو الحاكم لمسار تطورات هذه العملية. كل هذه المكاسب, برغم كل أهميتها, لا تساوي شيئا أمام المكسب الأهم, وهو فرض خوض مفاوضات مباشرة غير مشروطة لا بمطالب ولا محدودة بأفق زمني, مما يعني إلهاء الفلسطينيين في عملية مفاوضات غير محدودة زمنيا وغير محكومة بشروط أو بمطالب محددة, وهو ما يعطي لإسرائيل فرصة أن تفعل كل ما تريد من ضم وتهويد للأراضي, وإقامة مشروع إسرائيل الكبري, ضمن مجموعة من الرهانات أبرزها استفحال الصراع الفلسطيني الفلسطيني, وما يعنيه من تبديد للحد الأدني من التماسك الوطني لحل خيار الدولتين إلي إقامة دولة فلسطينية مستقلة, إما عبر تورط الإدارة الأمريكية في حرب جديدة ضد إيران تجهز علي ما تبقي من القدرات الأمريكية بعد الانتكاسات الأمريكية في العراق وأفغانستان, وإما برحيل الرئيس الأمريكي نفسه وعدم تمكنه من التجديد لولاية رئاسية ثانية, ناهيك عن الرهانات الإقليمية, سواء ما يتعلق بفرص حدوث حروب إقليمية إما بحرب إسرائيلية ضد لبنان وسوريا, أو حرب إسرائيلية أمريكية ضد إيران, وما يمكن أن تفرضه مثل هذه الحروب من معادلات جديدة لتوازن القوي قد تنهي فرص حصول الفلسطينيين علي أي دعم إيراني أو غير إيراني, ناهيك عن كل ما هو متوقع من تشرذم وانقسام في الموقف العربي كأحد تداعيات مثل هذه الحروب إذا هي وقعت. هذه الرهانات الإسرائيلية علي الزمن عبر خوض مثل هذه المفاوضات المفتوحة تخدم المصالح الإسرائيلية, خصوصا في ظل الرفض الإسرائيلي لخيار حل الدولتين, والانقسام حول الخيارات الأخري البديلة, سواء ما يعرف ب خيار الدول الثلاث البديلة, أي إقامة دولة إسرائيلية ودولة فلسطينية في الضفة الغربية, وأخري في قطاع غزة, أو إقامة دولة إسرائيلية ودولة فلسطينية وكونفيدرالية فلسطينية أردنية, كمحاولات لتفتيت وحدة الدولة الفلسطينية وتذويب الخيار الوطني الفلسطيني, إما بتقسيمه أو بدمجه في كيان آخر أوسع ينزع عنه هويته الوطنية. وجاء قبول لجنة المتابعة العربية التابعة لجامعة الدول العربية لدعوة الانخراط الفلسطيني في المفاوضات المباشرة التي تريدها الحكومة الإسرائيلية, ليمثل صدمة لا ينافسها في مآسيها غير كل هذا الصمت العربي علي الدعم الأمريكي الذي ورد علي لسان الرئيس أوباما عقب لقائه المشار إليه مع نيتانياهو حول القدرات النووية العسكرية الإسرائيلية وتعهده لمنع أي ضغوط دولية تمارس ضد هذه القدرات. خطورة هذه التعهدات ترجع لأسباب ثلاثة: أولها: إجهاض كل ما حققه العرب من نجاحات في المؤتمر الدولي لمراجعة معاهدة انتشار الأسلحة النووية الأخير الذي دعا إلي عقد مؤتمر دولي عام2011 لتنفيذ القرار الدولي الخاص بجعل الشرق الأوسط إقليمي خاليا من الأسلحة النووية, ومطالبة إسرائيل بالتوقيع علي معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وفتح منشآتها أمام المفتشين التابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية, وثانيها دعم البرنامج النووي المدني الإسرائيلي وإمداد إسرائيل بكل ما تريده لتطوير قدراتها النووية في إنتاج الطاقة النووية دون شروط تتعلق بشفافية برنامجها النووي العسكري, وثالثها: تعهد بدعم التفوق العسكري الإسرائيلي المطلق بأحدث أنواع الأسلحة, بما فيها طائرات إف 35 الجديدة, والمظلة الصاروخية الأمريكية. فقد وعد أوباما بعرقلة المؤتمر الدولي الخاص بإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط إلا إذا كانت جميع البلدان علي ثقة كافية للحضور( أي شرط الحضور الإسرائيلي), كما أكد أوباما عدم وجود تحول في السياسة الأمريكية بشأن البرنامج النووي العسكري الإسرائيلي السري, مع ضمان التفوق العسكري الإسرائيلي. هذه الدعوة معناها أن أوباما الذي يحارب سياسة الانتشار النووي علي مستوي العالم يدعم هذا الانتشار في الشرق الأوسط بشرط أن يكون إسرائيليا فقط, ومعناها أن واشنطن ربما لا تكتفي بالحيلولة دون انعقاد المؤتمر الدولي الخاص بجعل الشرق الأوسط خاليا من الأسلحة النووية, أو بإفشال أي ضغوط لإجبار إسرائيل علي التوقيع علي معاهدة حظر الانتشار النووي, بل قد تدعم خيار إعلان إسرائيل دولة أمر واقع نووية مثلها مثل الهند وباكستان. خيار شديد الخطورة في ظل التمسك العربي بسياسة منع انتشار الأسلحة النووية, لكن ما هو أخطر منه هو كل هذا الصمت العربي الذي جاء مقرونا بقبول غير مشروط( عمليا) بالهرولة نحو المفاوضات المباشرة ضمن حالة عربية تقود العرب للعزف علي أنغام وألحان المشروع الإسرائيلي الأوسع دون إدراك لما يعنيه ذلك من تحديات جديدة.