كما أن' أفراح' كرة القدم تغطي علي السياسة والاقتصاد وكل أوجه الحياة, فإن' أتراحها' أيضا لها الأثر نفسه. ففي فرنسا, لم يكن الأداء الهزيل للمنتخب الوطني الملقب ب'الديوك' في بطولة كأس العالم2010 بجنوب إفريقيا. مجرد نتائج في بطولة كروية, بل كانت له معان وتداعيات أخري, فلم يكتف منتخب فرنسا بطل العالم عام1998 بوداع البطولة من الدور الأول بنقطة واحدة فقط من تعادل يتيم مع أوروجواي وهزيمتين مخزيتين من فريقين كرويين أقل قدرا من قيمة' الديوك' الفرنسية, ولكن ظهر لاعبو فرنسا بصورة غير متحضرة علي الإطلاق أساءت إلي الشخصية الفرنسية وإلي الصورةImage التي تتمتع بها فرنسا علي مستوي العالم باعتبارها بلد الحضارة والحريات و'الذوق الرفيع'. فقد جاء خروج فرنسا من البطولة مصحوبا بعدة فضائح من بينها سوء سلوك اللاعبين نيكولا أنيلكا وباتريس إيفرا, وكذلك مدربهم ريمون دومينيك, فضلا عما سبق هذا المونديال من فضائح أخري تورط فيها بعض اللاعبين, أضف إلي ذلك الورطة التي كاد الرئيس نيكولا ساركوزي نفسه يوقع فيها الكرة الفرنسية عندما تدخل في أزمة فريق الكرة وعقد اجتماعا في الإليزيه مع النجم تييري هنري لبحث حقيقة ما يحدث في الفريق, في الوقت الذي مورست فيه ضغوط عليا علي رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم من أجل تقديم الاستقالة بعد الخروج من المونديال, وهو ما دفع الاتحاد الدولي لكرة القدم' الفيفا' إلي توجيه تحذير شديد اللهجة إلي ساركوزي والحكومة الفرنسية بضرورة الكف عن التدخل الحكومي في شئون منتخب فرنسا, باعتبار أن قوانين الفيفا, التي هي أقوي من دول العالم حاليا ولا يستطيع ساركوزي ولا غيره مقاومتها, تمنع بشكل نهائي كل أشكال التدخل الحكومي في شئون إدارة لعبة كرة القدم, ويهدد الفيفا بين الحين والآخر بعض الدول بتوقيع عقوبات قاسية تشمل الحرمان من المشاركة في المسابقات الدولية لفترة عام أو أكثر في حالة ثبوت تورط أي حكومة في التدخل في إدارة اللعبة, سواء عبر حل الاتحادات بقرارات إدارية أو عبر التدخل الشخصي من مسئولين في الدولة لتعيين مدرب أو تغيير لاعب!, المشكلة التي أحرجت ساركوزي و'ورطت' فرنسا وزادت من صورتها سوءا أنها ظهرت كدولة وكأنها تمارس تصرفات لا تبدر إلا من دول العالم الثالث, فسلوكيات اللاعبين في المونديال كانت مثار استياء الجميع, ولم يبدر مثلها من أي دولة أخري, ومنتخبات كثيرة ودعت المونديال وصفق لها الجميع تقديرا لمجهودها إلا منتخب فرنسا, والأسوأ من ذلك أن شبهة التدخل الحكومي وضعت فرنسا علي قدم المساواة مع نيجيريا التي حذرها الفيفا في توقيت متزامن من الإيقاف الدولي وأعطاها مهلة مدتها48 ساعة فقط بعد قرار الرئيس النيجيري بمنع منتخب نيجيريا من المشاركة في البطولات الدولية لمدة عامين بسبب الخروج من المونديال, ولكن نيجيريا تراجعت عن القرار قبل انتهاء المهلة خوفا من العقوبات الدولية' الكروية'! وعندما بدأ تدخل وزيرة الشباب والرياضة الفرنسية روزالين باشلو والرئيس الفرنسي ساركوزي بالكلمات فقط في أزمة المنتخب الفرنسي, خاصة تصريح الوزيرة روزالين الذي قالت فيه إنه' يمكن لرئيس الاتحاد أن يستقيل', باغت ف بلاتر رئيس الفيفا الفرنسيين بقوله إن:' الفيفا سيعاقب أي تدخل سياسي, ويمكن لكرة القدم الفرنسية الاعتماد علي الفيفا في حالة وجود أي تدخل حتي وإن كان علي مستوي الرئاسة'! ولم يكن أمام ساركوزي مفر للخروج من هذا المأزق سوي القول إن الاجتماع مع هنري تم بناء علي طلب اللاعب! مشكلات المنتخب الفرنسي جزء عام من مشكلة الرياضة هناك, فالمشاركة الفرنسية في دورة الألعاب الأوليمبية الأخيرة في بكين عام2008 كانت شديدة التواضع, حيث جاءت فرنسا في المركز العاشر في ترتيب الميداليات النهائي برصيد40 ميدالية من بينها سبع ذهبيات فقط ومشكلة ساركوزي مع منتخب' الديوك' كانت ترتبط بفكرة أن الانتصارات الرياضية عادة ما تغطي علي غيرها من المشكلات, والعكس هو ما حدث في فرنسا, حيث ساعدت الأجواء الغاضبة التي سادت بين الفرنسيين عقب المشاركة المخزية في المونديال علي العودة إلي استرجاع مشكلاتهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية من أزمة مالية وبطالة ومهاجرين وتأمينات ومعاشات وخلافه, بينما كانت نتائج فرنسية جيدة في المونديال قادرة علي إزاحة أو تأجيل هذه المشكلات. ومن أبرز ما تمخض عن مشكلة منتخب فرنسا ما تردد عن احتمال وجود أسباب' اجتماعية' أو' عرقية' وراء ما حدث من مشكلات بين اللاعبين الفرنسيين, وكان النائب' المحافظ' جان فرانسوا لامور أفضل من عبر عن ذلك بقوله:' لم يعد أحد يشعر بشرف الدفاع عن قميص المنتخب الفرنسي الآن'! وهكذا, فإن المونديال أضر بسمعة فرنسا وصورتها أمام العالم.. وكشف' المستور' علي الساحة المحلية! [email protected]