رغم أن تاريخ الهجرة العربية إلي فرنسا يمتد لأكثر من قرن من الزمان, وبخاصة في فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب العربي وازداد قوة مع خروج فرنسا من الجزائر في عام1963 فإن الفرنسيين مازالوا غير متقبلين الوجود العربي. وبخاصة المغاربي ولايكاد يمر عام دون اصدار قانون جديد لتقييد الهجرة أو لحدوث مصادمات بين الشبان العرب من الجيلين الثاني والثالث للمهاجرين مع الشرطة الفرنسية التي تنظر اليهم علي أنهم مقيمون غير شرعيين بينما هم يعتبرون أنفسهم أبناء بلد. ولم يكن قرار الحكومة الفرنسية بمنع ارتداء النقاب في الأماكن العامة بفرنسا سوي الحلقة الأحدث في الصراع بين السلطات الفرنسية والمهاجرين المسلمين عامة والمغاربة خاصة, كما أنه من غير المتوقع أن تهدأ الأوضاع بين الجانبين خلال الفترة المقبلة مع تزايد شعور المغاربة الفرنسيين بعدم الراحة لأنهم مازالوا مطاردين في فرنسا رغم وصولهم واجدادهم اليها من عشرات السنين ومشاركتهم في اعادة بنائها بعد الحرب العالمية الثانية. وبينما بات من المعتاد الآن رؤية المهاجرين الجدد من اوروبا الشرقية في المصانع والمزارع الفرنسية فان المكان الذي يمكن العثور فيه علي أكبر نسبة من المغاربة والأفارقة هو السجن, حيث يشكلون قرابة65 في المائة من السجناء. وتقول دراسة تحمل عنوان' مسيرات وجذور' أقرها المجلس القومي للمعلومات الإحصائية واللجنة القومية للمعلوماتية والحريات في فرنسا و تمت في نهاية2008/ بداية2009 إن التمييز ضد الأجانب هو الأصل ف40% ممن يؤكدون خضوعهم للتمييز هم من المهاجرين أو أبناء المهاجرين البالغين من العمر ما يترواح بين25 و34 سنة وهم يمثلون الشريحة السنية الأكثر استهدافا عند تطبيق التمييز, سواء عند بحثهم عن أول عمل لهم أو أول شقة. وداخل هذه الفئة, نجد أن الحاصلين علي شهادات عليا يتعرضون ل39% من أشكال المعاملة غير اللائقة بالإضافة للتمييز أو علي الأقل الشعور به. في المقابل, تشعر النساء ذوات الأصول المهاجرة بأنهن يحظين بشيء من التسامح لأنهن لا يخضعن للتمييز في بعض السياقات مثل الدخول إلي الملاهي الليلية أو في علاقتهن بالشرطة. في الشارع, لا تتعرضن للمساءلة عن هويتهن من قبل الشرطة التي تقوم بتفتيش الرجال عامة, والشباب منهم بصفة خاصة.والمهاجرون في فرنسا ليسوا فقط الأكثر عرضة للتمييز, بل هم أيضا الأكثر فقرا, فمتوسط مستوي المعيشة أقل بنسبة الثلث مقارنة بمن هم غير مهاجرين, وفق مركز الإحصاء الفرنسي. ويسجل المركز ظهور اختلافات كبيرة تعود إلي الأصول الجغرافية:14% أقل بالنسبة لزوجين أحدهما أصله من المجموعة الأوروبية و43% أقل إذا كان من أصول مغاربية. ويظل المغاربة يمثلون الأغلبية داخل مجموعات المهاجرين. من بين ال1.3 مليون طفل مهاجر من18 إلي50 سنة,20% لديهم علي الأقل أب أو أم من أصول جزائرية و15% من أصول مغربية أو تونسية و4% من أصل إفريقي جنوب الصحراء. وليس من قبيل المصادفة أن يزداد التمييز ضد الأجانب في فرنسا في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي فعقب توليه منصبه حرص علي استحداث وزارة لم تعهد فرنسا مثلها من قبل, أطلق عليها اسم وزارة الهجرة والاندماج والهوية الوطنية والتطور المشترك عهد بها إلي صديقه المقرب بريس هورتفو. ويعد استحداث المنصب وإسناده الي هذا الشخص بالذات دليلا علي مدي إصرار ساركوزي علي تنفيذ ما يطرحه منذ سنوات, وأثناء توليه وزارة الداخلية, وهو إخراج فرنسا من حال الهجرة المفروضة عليها وافساح المجال أمامها لاختيار المهاجرين الي أراضيها. فمن خلال خبرته في وزارة الداخلية توصل ساركوزي الي قناعة مفادها أن الهجرة بوضعها السابق تمثل عبئا اقتصاديا واجتماعيا علي فرنسا وتشكل مصدر توتر وتهديد لكونها لا تؤدي الي أكثر من ضم بائسين جدد الي المهاجرين الموجودين في البلد ويعانون من أوضاع بائسة في الأساس. واعتبر ساركوزي أن افضل السبل للخروج من هذا الوضع يقضي بتحديد شروط ومواصفات ينبغي توافرها لدي الطامح إلي الهجرة الي فرنسا, وحصر مجال الهجرة في مهن وقطاعات معينة وفقا لحاجات الاقتصاد الفرنسي ومقتضياته. ولتنفيذ هذا التحول, التفت ساركوزي نحو هورتفو, باعتباره من القلائل القادرين علي تغليب وفائهم حياله وحيال توجهاته علي المصاعب التي سيواجهها في أداء مهمات منصبه. وبالفعل فإن وزارة الهجرة وتولي هورتفو مهماتها شكلا في البداية محور نقمة واستياء ونقد لاذع, في أوساط, سياسية وإعلامية, وفي أوساط المنظمات المعنية بالهجرة والتي ذهب بعضها الي حد اتهام الوزير بأنه وزير التطهير العرقي. ووفقا لما توقعه ساركوزي, لم يتوقف هورتفو عند هذه الانتقادات, بل اعتبر أن عليه العمل علي ما كلفه به رئيس صوتت له غالبية مهمة من الفرنسيين, وتطبيق سياسة هجرة أكثر انسجاما مع الواقع الفرنسي الحالي. وخلال فترة وجيزة قدم هورتفو الي البرلمان الفرنسي مجموعة اقتراحات تحولت في اكتوبر عام2007 الي قانون يستند الي محورين أساسيين هما خفض الهجرة العائلية, ورفع مستوي هجرة العمل من7 في المائة حاليا الي50 في المائة. لكن القانون يلحظ في الوقت ذاته, اختيار الراغبين في الهجرة بدافع العمل, علي ضوء النقص القائم علي صعيد اليد العاملة في هذا القطاع الإنتاجي أو ذاك, واختيار الأجدر والأكثر كفاءة بينهم. ونص القانون الجديد علي استحداث بطاقات إقامة خاصة بالعمال الموسميين وأخري خاصة بالأجانب الذين يعملون في مؤسسات فرنسية في الخارج ويضطرون للإقامة في فرنسا بضعة أشهر تبعا لمقتضيات وظائفهم. وعلي رغم أن أساس الإقامة في فرنسا بات أولا وأخيرا العمل, فإن الأمور قد تبدو سهلة لولا التقنين المتبع علي هذا الصعيد, وإخضاع طالبيها للوائح بمهن معينة خصوصا برعايا دول معينة. فهناك لائحة بنحو150 مهنة متاحة أمام رعايا الدول الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي, مقابل30 مهنة متاحة أمام رعايا بقية دول العالم. [email protected]